الخيرُ والشرُ عاداتٌ وأهواءُ ** وقد يكون من الأحباب أعداءُ .. (هذا من قطاع الطريق)

هؤلاء أعداء الخير .. في شهر الخير والبرّ والإحسان.. شهر الصيام والقيام والقرآن....
بل هم قطّاع الطريق بين عباد الله وبين الجنّة...
دعاة الشرّ .. وسماسرة الهوى.. ومندوبو إبليس..
بل هم في رمضان أخطر من شياطين الجنّ المصفّدة.. ومردة الشياطين المقيّدة..

احذروهم لكي لا يقتطفوا ثمرة الصيام ..
واجتنبوهم لكي لا يضيّعوا عليكم حلاوة الطاعة ..
وأغلقوا دونهم الأبواب قبل أن يسابقوا أفواهكم الطاهرة إلى دعوة مستجابة أو تسبيحة صادقة أو استغفار حارّ..

العدو الأولّ: الإعلام الهادر الغادر الفاجر ..
فوازير راقصة في عين الفضيلة..
وأغانٍ ماجنة في ميدان الطاعة..
ولحوم معروضة في مزاد التبرج..
واختلاط في ساعات الطهر والعفاف..
وقهقهات تتعالى مع صيحة "الله أكبر" عند الإفطار.. حينما يكون للصائم دعوة مستجابة..
أعمال ممجوجة سهر عليها الشباطين وأعوانهم على مدار العام.. وتفننوا في إعدادها..
تبدأ من على مائدة الإفطار في ضحك وقهقهة.. وتتصاعد حدّة التبجّح على أوتار الغناء ورقصات الفوازير.. إلى عبث المسلسلات حتى ساعات السحر الساجية التي ينزل فيها الرب تبارك وتعالى فينادي: هل من مستغفر فأغفر له؟! هل من سائل فأعطيه؟!!
إنها مشاهدٌ محرمة.. وهي في شهر الصيام أشد حرمة..
مستقبحة.. وهي في شهر القرآن أشد قبحا..
ضالة مضلّة.. وهي في شهر الصيام أضل وأخزى...
إنها إغراءات كبيرة .. فلا نكن من أهل الهزيمة أمام الهوى في شهر النصر وكبح الجماح واستعلاء الإيمان..
لقد كان السلف الصالح يغلقون حلقات التفسير والحديث واللغة.. ليتفرغوا ويفرغوا الناس لموسم الخير.. فما بالنا نتفرغ في هذا الموسم للفضائيات التي تعجّ بها الآفاق؟!
ولنستمع لمنادي السماء: (يا باغي الخير أقبل.. ويا باغي الشرّ أقصر..)

العدو الثاني: السوق العابث
تتزين الأسواق في رمضان.. وتعلن الجوائز..
حتى بعض محلات الجرجير وبيع المواعين ينصبون سيارة أو ثلاجة أو غسّالة لأصحاب الحظوظ..
وتصبح الأسواق رواجا للشباب الفارغ.. والنساء المتسكعات.. بلا ضرورة ولا حاجة..
أسواقنا صارت محضنا للملاهي والمطاعم والمشاغل .. ولهواة المشي على السلالم المتحرّكة.. والمصاعد الزجاجيّة..
ساعات وساعات. في أبغض الأماكن إلى الله..
غفلة..
صخب..
فوضى..
تبرج..
اختلاط..
إهدار لأغلى ساعات العام..
تضييع لأنفس الأجور ..
فهل ننتصر على أهوائنا ونسخّر الليالي الرمضانيّة النورانيّة لركعة خاشعة.. أو سجدة دامعة.. أو دعوة صادقة.. أو صلة لأرحام وزيارة لمريض في لمسة حانية.. ولفتة أخويّة..
فهنيئا للصائمين بسوق الآخرة الذي راجت سلعته.. وتضاعفت أرباحة.. لأنها تجارة مع الله عنوانها: ( إ لا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به..)...

العدو الثالث: السهر الطويل..
فلو كان في طاعة لهانت.. ولكن : تعالوا فانظروا بمن ابتلاني ؟!
في الليل إهدار للأوقات الثمينة..
وهي لحظات أكرم عند الله من أن تضيّع بالمخيمات الربيعيّة.. والمباريات الرياضيّة.. والسهرات الرياضيّة.. والورقة والكيرم !!
أليست فتنة ألا تتراكم كل هذه البلايا إلا في رمضان؟! مدرسة الروح.. وروضة القرآن!!
وشهر ليلة القدر!!
(رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.. وربّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب!!)

العدو الرابع: سوء الخلق....
مع أننا في شهر تتهذب فيه النفوس.. وتُكبح فيه نزوات النفس إلا أننا نلحظ من بعض المسلمين سوء الخلق.. وحدّة الطباع.. في الأسواق.. في المرافق العامة.. عند الإشارات.. أكلّ هذا لأنك جائع؟!.. أتضيع روابط الأخوّة ووشائج المحبّة جزعا على لقمة القاضي وحبّات السمبوسة.. يا لها من همم عالية؟!!
يقول عليه السلام: ( الصيام جنّة.. فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب.. فإن سابّه أحد أو خاصمه فليقل: إنّي صائم..)
طبعا يقولها على سبيل الكفّ والتعفف.. لأن بعض الناس تقول له: السلام عليكم.. يقول: تراني صائم .. وتراها وصلانة.. أرجوك فارقنا !!!!
وهذا ينافي حكمة الصيام.. ومعاني الصيام العظيمة المليئة بالأخوة والوحدة الإسلاميّة والتراحم والتعاطف ولين الجانب...

العدو الخامس: الإسراف في المأكل والمشرب:
تدخل البيوت فإذا الأدخنة تتصاعد من صلاة الظهر وكأنك في بيت مشعوذ!!
وإذا الأم مشمّرة الساقين.. مكفوتة السواعد.. تطوي وتقلي وتعجن وتعصر...
وتتراكم الأطباق.. ويغص المطبخ بالمواعين...
ليش؟! أيش المشكلة؟! لأنّا صمنا !!!!!
والسنّة قول: رطبات فإن لم يجد فتمرات فإن لم يجد حسى حسوات من ماء.. والحدّ الأعلى: ثلث لطعامه !!
لكن 20 تمرة من السكري على قشطة المراعي وسبعة فناجين قهوة.. ولتر قمر الدين المخفف بعصير التفاح ونصف لتر ألبان العزيزيّة.. ومدين من شربة الشوفان.. و19 حبّة سمبوسة (هذا فطور أول) !!!!
ثم يعودون بعد الصلاة فإذا بين كل وجبتين وجبة..
وهنا ننادي بالإعتدال.. (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق..) .. (كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين...)

العدو السادس: الفتور في العبادات.
للأسف أن همم الناس تبدأ أعلى ما يمكن أول الشهر ثم تفتر وتفتر.. وربما تنقطع.. مع أن الأجور والأفضال في الشهر تتصاعد وتتصاعد. فأوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.. وتأتي في آخره العشر الأواخر (أفضل ليالي العام) وليلة القدر التي أنزل فيها سورة كاملة وهي خير من ألف شهر.. فإذا المساجد تتساءل عن المتهجدين والراكعين والساجدين والمستغفرين بالأسحار..

ختاما: هنئا لكم ولنا بهذه الفرصة الروحانية العظيمة.....
ولنعاهد أنفسنا ألا نفوت على أنفسنا الخير فيها فرغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه من أدرك رمضان ولم يغفر له .. وهذا دعاء نبي الرحمة عليه السلام..

(.. كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)..لعلكم تتقون.. لعلكم تتقون.. لعلكم تتقون..

فالصيام الذي لا تقوى فيه صيام مبتور.. موتور..
بل هو مجرد بطن خاوٍ وحلق يابس.. ونفس بائسة معذّبة محرومة..

أخي/ أختي:

إذا أردت أن تكلّم الله فقم إلى الصلاة.
وإذا أردت أن يكلمك الله فاقرأ كتاب الله..
فأنت خير البريّة.. وأنت أسعد المخلوقات بعبوديتك الحقّة لله...

كانوا هؤلاء بعض أعداء المسلمين .. والأعداء كثير .. ولكن الإطالة تبعث على الملالة.. ووالله إني أعلم أني لا أعلمكم ما تجهلون أو أذكركم بما لا تعلمون. ولكن من باب التذاكر والتناصح .. استشفع عند قلوبكم الطيبة في قبولها بحبّكم عندي.. وبما بينا من احترام وأخوّة إيمانيّة...

اللهم وفق الجميع لرضاك واغتنام نفحاتك الربّانية.. والفوز برضاك وجنّتك.. والعتق من نيرانك.. .....

والله يحفظكم ويرعاكم..

أخوكم:

صدريد

اخي صدريد كل عام وانت بخير
وبيض الله وجهك
وبلغك رمضان


اخوك المخلص
ابو عمر