الأزدية
06-01-2015, 09:05 AM
” لا تَمْرَ في العِراق ”
مقال عبد الله الهدلق :
كنتُ من قريبٍ في زيارةٍ لأخي الشيخ عبدالمحسن العسكر, فوافيتُ عنده فضيلة الدكتور العراقي نعمان السامرائي ..
ولمّا أُحضرت القهوة مع الرُّطَب تحدثنا – كعادة الناس أول
ورود الرُّطب – عن أنواع التمر وما إلى ذلك ,
فأخذ بنا الكلام إلى تمور العراق وماهي عليه من الجودة
وكثرة الأنواع , وما في العراق من غابات النخيل ..
فقال الدكتور نعمان : إن إحدى قريباتي في العراق
قد أرسلت إلينا هنا تطلب منا أن نبعث إليها بشيءٍ من التمر ,
لأن رمضان قادم ولا تمر عندهم !
فوجمتُ لِهَول ماقاله , ونظرتُ إلى أخي الشيخ عبدالمحسن
فإذا به قد أصابه الذي أصابني , والْتقتْ عينانا على عِظةٍ من عِظات هذه الدنيا حُقَّ لها أن تُروى ..
أيُصدّر التمر من نجدٍ إلى العراق ؟
لقد حدّث بعض أهل التواريخ : بأن أعرابياً من بادية هذا البلد شوى
– في أيام مضت – جِلْدَ نَعْله يتبلّغ به لِما مسّه من أليم الجوع ,
هذا في زمن كان الضيف ينزل فيه على أصحاب النخيل في البصرة ؛
فيُضيَّف في كل يوم نوعاً من التمر حتى يستوفيَ السنة ماتكرّر عليه نوع من أنواعه ..
*ثم إن الدنيا دارت دورتها ؛ فأصبح بعض أهل هذه البلاد التي هجرها ناسٌ
من سكانها في خاليةٍ من السنين إلى الزُّبير طلباً للرزق ؛
أصبح يطلب أطفالُه الأكل من المطعم فيوصله إليهم عامل آسيوي
لاتقف الأمطار في بلاده عن الهطول أكثر السنة .. *
ولقد سمعتُ من أحد العامة : أن رجلاً له ثلاثةٌ من الأبناء ؛
طلب كلٌّ منهم نوعاً من الطعام من المحل الذي يُحبّ ,
فاتفق أن وقفت السيارات الثلاث عند الباب مجتمعةً كلُّ واحدةٍ
تحمل لوناً من الطعام مختلفاً !
إننا لسنا بمنجاةٍ من طالة أقدارالله ,
وليس بيننا وبين الدنيا عهدٌ على ألا تدور
علينا فتطحنَنا كما فعلت بغيرنا ..
فالدنيا شرودٌ قُلّب , وكم من شمس يومٍ أشرقت على أهلها بغير ماغابت عنهم عليه ..
أفلا نتقي الله في هذه النِّعم التي خَوَّلنا ,
أفلا ننهى سفهاءنا عن هذا السَّرَف في ولائمنا ..
وهذا الترف , وخِزي التفسّخ الذي عمَّ أفراحنا ؛
حتى أصبح نساؤنا يحضرن الدعوات شبه عرايا ,
والولع بالسفر ننثر فيه ألوف الألوف في ديار الغرب لانبالي أن صارت أعراضنا يقتات عليها أغراب الدنيا ..
أفما نعوذ بالله من عادية الشّرّ أن تغتالنا , فإننا – والله – إن غادرتنا هذه النعمة فلن يرحمنا من الناس راحم ..
فسترَك اللهمّ ؛ قد أصبح العراق اليوم ولا تمر فيه..!
مقال عبد الله الهدلق :
كنتُ من قريبٍ في زيارةٍ لأخي الشيخ عبدالمحسن العسكر, فوافيتُ عنده فضيلة الدكتور العراقي نعمان السامرائي ..
ولمّا أُحضرت القهوة مع الرُّطَب تحدثنا – كعادة الناس أول
ورود الرُّطب – عن أنواع التمر وما إلى ذلك ,
فأخذ بنا الكلام إلى تمور العراق وماهي عليه من الجودة
وكثرة الأنواع , وما في العراق من غابات النخيل ..
فقال الدكتور نعمان : إن إحدى قريباتي في العراق
قد أرسلت إلينا هنا تطلب منا أن نبعث إليها بشيءٍ من التمر ,
لأن رمضان قادم ولا تمر عندهم !
فوجمتُ لِهَول ماقاله , ونظرتُ إلى أخي الشيخ عبدالمحسن
فإذا به قد أصابه الذي أصابني , والْتقتْ عينانا على عِظةٍ من عِظات هذه الدنيا حُقَّ لها أن تُروى ..
أيُصدّر التمر من نجدٍ إلى العراق ؟
لقد حدّث بعض أهل التواريخ : بأن أعرابياً من بادية هذا البلد شوى
– في أيام مضت – جِلْدَ نَعْله يتبلّغ به لِما مسّه من أليم الجوع ,
هذا في زمن كان الضيف ينزل فيه على أصحاب النخيل في البصرة ؛
فيُضيَّف في كل يوم نوعاً من التمر حتى يستوفيَ السنة ماتكرّر عليه نوع من أنواعه ..
*ثم إن الدنيا دارت دورتها ؛ فأصبح بعض أهل هذه البلاد التي هجرها ناسٌ
من سكانها في خاليةٍ من السنين إلى الزُّبير طلباً للرزق ؛
أصبح يطلب أطفالُه الأكل من المطعم فيوصله إليهم عامل آسيوي
لاتقف الأمطار في بلاده عن الهطول أكثر السنة .. *
ولقد سمعتُ من أحد العامة : أن رجلاً له ثلاثةٌ من الأبناء ؛
طلب كلٌّ منهم نوعاً من الطعام من المحل الذي يُحبّ ,
فاتفق أن وقفت السيارات الثلاث عند الباب مجتمعةً كلُّ واحدةٍ
تحمل لوناً من الطعام مختلفاً !
إننا لسنا بمنجاةٍ من طالة أقدارالله ,
وليس بيننا وبين الدنيا عهدٌ على ألا تدور
علينا فتطحنَنا كما فعلت بغيرنا ..
فالدنيا شرودٌ قُلّب , وكم من شمس يومٍ أشرقت على أهلها بغير ماغابت عنهم عليه ..
أفلا نتقي الله في هذه النِّعم التي خَوَّلنا ,
أفلا ننهى سفهاءنا عن هذا السَّرَف في ولائمنا ..
وهذا الترف , وخِزي التفسّخ الذي عمَّ أفراحنا ؛
حتى أصبح نساؤنا يحضرن الدعوات شبه عرايا ,
والولع بالسفر ننثر فيه ألوف الألوف في ديار الغرب لانبالي أن صارت أعراضنا يقتات عليها أغراب الدنيا ..
أفما نعوذ بالله من عادية الشّرّ أن تغتالنا , فإننا – والله – إن غادرتنا هذه النعمة فلن يرحمنا من الناس راحم ..
فسترَك اللهمّ ؛ قد أصبح العراق اليوم ولا تمر فيه..!