سعد بن حسين
03-09-2004, 10:46 PM
الرجـل الأعجـوبة !
قال لي وهو يشيرُ إلى شابٍ أحسبهُ وضعَ قدمه على عتبةِ الأربعين ،
غير أن وجهه يفيضُ بجلال الوقار ، كان يجلسُ في ناحية المسجد ،
غير بعيد منا ، منحنياً على كتاب الله ، يتلوه ويتأمله ..
قال لي صاحبي :
هذا رجل أحسبه أعجوبة من أعاجيب هذا الزمان .. !!
قلت : وما ذاك ؟ ...
قال : أعرفه منذ سنوات ثلاث أو يزيد قليلاً ، يصيبه ما يصيب الناس من سراء وضراء .. بل أحسب أن ما ينزل به أحياناً اشد وقعاً مما ينزل بغيره .. لكن العجيب ، كيف يتلقى ما ينزل به في هذه أو تلك ..
قلت : شوقتني والله .. أكمل .. فإني أشم أن وراءك خبرا له ما بعده ..اسقِ قلبي من فيض ما عندك ..
قال : أما السراء تنزل به .... فيبكي لها ..!!
وأما الضراء فتنزل به ............ فيتهلل لها وجهه ويتطلّق محياه ..!!
قال الراوي : وجدت نفسي أهتف بالتكبير :
الله أكبر .. الله أكبر .. سبحان الله ، صدقت والله هذا عجب ، ولكن ما سر ذلك ..؟
قال صاحبي :
سألته يوماً : ما قصتك في هذه أو تلك ، فلم يشأ أن يخبرني .. فشددت عليه بحق الصحبة ، ولعل الله أن ينفعني بما أسمع ، فقال بعد أن تلكأ طويلاً :
أما السراء فبكائي لها ، ليس بغضاً فيها ، ولا كراهية مني لها ، فما أنا إلا من الناس ، يتهلل للسراء ويفرح بها ، ويسر بها قلبه ، ويسأل الله خيرها ، ويستعيذ الله من شرها ، ويرجو أن تكون علامة رضا من الله لا علامة سخط عليه ..
قلت : فما الذي يبكيك إذن ..؟
قال : خشية أن يقال لي يوم القيامة :
(أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ..)
أخشى والله ورود هذه النعمة ، ونزول هذه السراء بي ، من هذا الباب ، أن تكون هي حظي من الله جل جلاله .. فألقى اللهَ عز وجل وليس لي عنده شيء يرضى به عني ، فإن تطلعت في ذلك اليوم إلى شيء يقال لي : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ..)
ثم أساق مكبلا فألقى في النار !!!
قلت : سبحان الله .. فما تفعل بعد ذلك .. أعني فما ثمرة هذا البكاء لورود هذا المعنى اللطيف العجيب .؟
قال : أما هذه فلن أحدث بها أحداً من الناس ، ولو كان أقرب الناس إليّ ، لعلي ألقى اللهَ ولي عنده عمل لا يعلمه سواه .. وأرجو أن لا تلح عليّ في هذه ، لأني لن أخبرك بشيء .. ولن أتجاوز بك هذه الدائرة ..
قلت : كما تشاء ، وإن كنت إنما أردت الانتفاع بما اسمع منك .. ولكني استطيع أن استشف ماذا وراء هذا الاستخفاء بالعمل .. فهذا درس آخر أتلقاه منك ، اسأل الله أن يتقبل منك ، وأن ينفعني به .. ولكن لن أدعك حتى تخبرني عن سر تهلل وجهك ، وإشراقة ملامحك عند نزول البلاء بك ..؟
وأراد أن يعتذر فعدتُ ألح عليه ، بل استحلفته أن يحدثني حديثه ، لعل الله أن ينفعني
فقال بعد تردد ، وأخذ خلال ذلك يحوقل ( يكرر : لا حول ولا قوة إلا بالله ) :
ابتداءً لا تظن وأنت ترى ذلك ، أنني اسأل الله البلاء ... كلا .. ثم كلا .. فليس هذا من شان المؤمن .. نحن نسأل الله سبحانه العافية _ كما علمنا حبيبنا وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم _ نسأل الله العفو والعافية مع كل صباح ، وعند حلول كل مساء ، ودائماً في كل وقت ، ونستعيذ به من حلول البلاء ما قل منه وما كثر ، وما اشتد منه وما خف ، ونستعيذ به من نزول الضراء قليلها وكثيرها، ومن هبوب رياح الفتن ما ظهر منها وما بطن ..
هذا هو الأصل ..
وهي قضية ينبغي أن تكون منك على بال ، ولا تنساها ابداً ..
أما إذا نزلت بعد ذلك فهاهنا يتشقق عن القصة قصة أخرى ..! ويتولد عن المعنى معنى جديد ! .. ويتجه المؤشر إلى جهة أخرى ..
قلت : كيف .. ؟ لم تتضح لي النقطة الأخيرة ..
ابتسم ثم قال :
في هذه الحالة نعلم أن هذا محض اختبار وابتلاء من الله ليرى كيف نستقبل أقداره ،
فمن رضي فله الرضا من الله ، ومن سخط عرض نفسه لسخط الله عليه ..!
أتراني من الحماقة والغفلة والجهالة أن اضيّع هذه الفرصة التي أتاحها الله لي ، لأتعرض لتحصيل رضاه ، من جهة ، ولأضعاف رصيدي يوم ألقاه بصبري على هذا البلاء ، بل والرضا به .. !!
أعني فرصة ( مرور ) هذا البلاء بي ، فإن رضيت ، رضي عني مولاي سبحانه ، وهل بعد هذا بعد ؟ ولا يفوتك أني كنت أضغط على كلمة ( مرور ) البلاء ، وأمده بها صوتي ..
لأن اعتقادنا أن البلاء مجرد ضيف نازل ،، وسيرحل !!!
ثم أن هاهنا معنى جليل ولطيف ودقيق :
لا شك ولا ريب أن الله جل جلاله إذا رضي الله عني ، فإني سأجد صدى ذلك
وبركته وآثاره على قلبي ونفسي وحياتي ولابد ..! وهذه قضية يغفل عنها أكثر الخلق !!
فانظر ايها الحبيب اية خيبة تقع على من يسخط على الله سبحانه، حين ينزل به بلاء ،
أو تلم به ملمة ، وتراه يتأفف من قدر الله ، ويتضجر إذا نزل به بعض ما يكره ..!
والمسكين لم يعلم أن سخطه وتأففه وتذمره لا يزيل عنه ذلك البلاء ، ولا يخففه ولا يرفعه ، بل يزيد الطين بلة !!!
فالمصيبة باقية باقية ، ومعها سخط الله عليه !!! لأنه لم يرض عن الله عز وجل ،
ولو أنه رضي ، لأراح واستراح ..!
ومرجع هذه المسألة كلها وسرها يعود إلى التحقق بالعبودية لله حقا وصدقا .
وكفاك بهذا المعاني العظيمة ، سبباً لأن يتهلل وجه الإنسان وتشرق ملامحه إذا نزل به بلاء
_ مع سؤال الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة _
قلت : أفهم من كلامك الأخير أن هناك أسباباً أخرى غير هذه ..
عادت ابتسامته تلألأ ثم قال :
نعم ، أسباب كثيرة ، كل سبب منها يزيد إشراقة الوجه وتلألؤه ..
لكني أكتفي معك بما ذكرت .
فألححت عليه فقال :
ألا يكفي أن تعلم أن البلاء النازل بالإنسان المؤمن إنما هو أحد أمرين كلاهما خير وطيب ..
قلت : ما هما يرحمك الله .؟
قال : قال بعض علماؤنا الربانيين : إنما يبتليك ليربيك ..أو : يبتليك ليرقيك ..!!
فأنت مع هذا البلاء إما ليربيك به فيزكيك ... أو ليرقيك مقامات أعلى عند الله ..!
ثم تأمل الحديث التالي لعل الله يفتح عليك بفتوح من عنده .. فتعلم بقية القصة :
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أشد بلاء فقال :
" الأنبياء ثم الصالحون ، الأمثل فالأمثل . يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينه رقة خفف عنه ،
ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة }.
قال الراوي :
سبحان الله .. أحسب أن هذا من الغرباء الذين عناهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : طوبى للغرباء ... إذ كم في دنيا المسلمين _ ناهيك عن غيرهم _ من يتحلى بمثل هذا ، ويسمو إلى مثل ذلك ..!؟
قال صاحبي :
وأزيدك من الشعر بيتاً .. هذا الجامع الكبير الذي نتفيأ ظلاله ، على كثرة المترددين له ،
فإني على يقين أن صغيرهم وكبيرهم يحبون هذا الشاب بشكل واضح ، حتى أنني قلت له يوما : هنيئاً لك حب الناس إياك .. ممن باب المداعبة ..
فلم يشأ أن يفوتها عليّ وعلى نفسه .. أتدري ماذا كان جوابه !؟
قال الراوي : بالله عليك قل ولا تلهب شوقي بهذا الأسلوب ..!
قال صاحبي : حين سمع مني ذلك ابتسم وقال :
الذي يعنيني وأحمل همه ، حب الخالق لا حب المخلوق ..!!
وما يغني عني أن يحبني الخلق جميعهم ويتهافتون عليّ ، ويحيطون بي ،
ويتلهفون للقياي ، إذا كان الله قد سخط عليّ ، وسقطت من عينه سبحانه ...!!
ذلك مجرد غرور لا يقع في أسره إلا المتخلفون عقلياً ، ولا أحسب أني منهم !!
وسكت قليلا ثم قال :
وشيء آخر ... أتظن أن حب هؤلاء لي ، شيء أنا صنعته ؟! كلا والله ..
إنما أحب هؤلاء جميل ستر الله عليّ .. ولو انكشف الغطاء لكان الأمر على غير ما ترى .. تذكر يا أخي الحبيب قول الحق تبارك اسمه وتعالى جده : ( وألقيتُ عليك محبة مني ) ..
فالأمر منه وإليه ، وما أنا إلا إنسان تتلبسني حالة عبودية دائمة لله سبحانه ..
فإن أحسنت فمن الله ، وله الحمد ، وإن اسأت _ وما أكثر ما أسيء _ فإلى الله المشتكى وحده ، من نفس أمارة وهوى غالب ، وشيطان مريد لا يهدأ ، والله المستعان ..
قال الراوي : أتدري .. أنني أشعر بغليان محبة في قلبي لهذا الإنسان المتميز ،
وسأعقد صحبة حميمة معه ، لعل الله ينفعني به ، وأسأل الله أن يجمعنا طاعته ،
وثبتنا على ذلك حتى نلقاه وهو راضٍ عنا ..
ضحك صاحبي ثم قال :
وها أنت تقع أسير محبته قبل أن تصحبه ...!! ألم أقل لك أن هذا إنسان مبارك .
نسأل الله سبحانه أن تتسع دائرة المباركين في هذه الأمة ، فيكثرون فيها ،
ويعملون لها ، فإن بركتهم لابد وأن تتعداهم إلى غيرهم .. اللهم آمين .
والله الموفق .
الموضوع القادم إن شاء الله (العيادات المناوبة الربانيـة خلال 24 ساعة مفتوحة على حلقاتفي منتدى الشريعة والحياه فتابعوها تجدون مايسركم ..!
قال لي وهو يشيرُ إلى شابٍ أحسبهُ وضعَ قدمه على عتبةِ الأربعين ،
غير أن وجهه يفيضُ بجلال الوقار ، كان يجلسُ في ناحية المسجد ،
غير بعيد منا ، منحنياً على كتاب الله ، يتلوه ويتأمله ..
قال لي صاحبي :
هذا رجل أحسبه أعجوبة من أعاجيب هذا الزمان .. !!
قلت : وما ذاك ؟ ...
قال : أعرفه منذ سنوات ثلاث أو يزيد قليلاً ، يصيبه ما يصيب الناس من سراء وضراء .. بل أحسب أن ما ينزل به أحياناً اشد وقعاً مما ينزل بغيره .. لكن العجيب ، كيف يتلقى ما ينزل به في هذه أو تلك ..
قلت : شوقتني والله .. أكمل .. فإني أشم أن وراءك خبرا له ما بعده ..اسقِ قلبي من فيض ما عندك ..
قال : أما السراء تنزل به .... فيبكي لها ..!!
وأما الضراء فتنزل به ............ فيتهلل لها وجهه ويتطلّق محياه ..!!
قال الراوي : وجدت نفسي أهتف بالتكبير :
الله أكبر .. الله أكبر .. سبحان الله ، صدقت والله هذا عجب ، ولكن ما سر ذلك ..؟
قال صاحبي :
سألته يوماً : ما قصتك في هذه أو تلك ، فلم يشأ أن يخبرني .. فشددت عليه بحق الصحبة ، ولعل الله أن ينفعني بما أسمع ، فقال بعد أن تلكأ طويلاً :
أما السراء فبكائي لها ، ليس بغضاً فيها ، ولا كراهية مني لها ، فما أنا إلا من الناس ، يتهلل للسراء ويفرح بها ، ويسر بها قلبه ، ويسأل الله خيرها ، ويستعيذ الله من شرها ، ويرجو أن تكون علامة رضا من الله لا علامة سخط عليه ..
قلت : فما الذي يبكيك إذن ..؟
قال : خشية أن يقال لي يوم القيامة :
(أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ..)
أخشى والله ورود هذه النعمة ، ونزول هذه السراء بي ، من هذا الباب ، أن تكون هي حظي من الله جل جلاله .. فألقى اللهَ عز وجل وليس لي عنده شيء يرضى به عني ، فإن تطلعت في ذلك اليوم إلى شيء يقال لي : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ..)
ثم أساق مكبلا فألقى في النار !!!
قلت : سبحان الله .. فما تفعل بعد ذلك .. أعني فما ثمرة هذا البكاء لورود هذا المعنى اللطيف العجيب .؟
قال : أما هذه فلن أحدث بها أحداً من الناس ، ولو كان أقرب الناس إليّ ، لعلي ألقى اللهَ ولي عنده عمل لا يعلمه سواه .. وأرجو أن لا تلح عليّ في هذه ، لأني لن أخبرك بشيء .. ولن أتجاوز بك هذه الدائرة ..
قلت : كما تشاء ، وإن كنت إنما أردت الانتفاع بما اسمع منك .. ولكني استطيع أن استشف ماذا وراء هذا الاستخفاء بالعمل .. فهذا درس آخر أتلقاه منك ، اسأل الله أن يتقبل منك ، وأن ينفعني به .. ولكن لن أدعك حتى تخبرني عن سر تهلل وجهك ، وإشراقة ملامحك عند نزول البلاء بك ..؟
وأراد أن يعتذر فعدتُ ألح عليه ، بل استحلفته أن يحدثني حديثه ، لعل الله أن ينفعني
فقال بعد تردد ، وأخذ خلال ذلك يحوقل ( يكرر : لا حول ولا قوة إلا بالله ) :
ابتداءً لا تظن وأنت ترى ذلك ، أنني اسأل الله البلاء ... كلا .. ثم كلا .. فليس هذا من شان المؤمن .. نحن نسأل الله سبحانه العافية _ كما علمنا حبيبنا وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم _ نسأل الله العفو والعافية مع كل صباح ، وعند حلول كل مساء ، ودائماً في كل وقت ، ونستعيذ به من حلول البلاء ما قل منه وما كثر ، وما اشتد منه وما خف ، ونستعيذ به من نزول الضراء قليلها وكثيرها، ومن هبوب رياح الفتن ما ظهر منها وما بطن ..
هذا هو الأصل ..
وهي قضية ينبغي أن تكون منك على بال ، ولا تنساها ابداً ..
أما إذا نزلت بعد ذلك فهاهنا يتشقق عن القصة قصة أخرى ..! ويتولد عن المعنى معنى جديد ! .. ويتجه المؤشر إلى جهة أخرى ..
قلت : كيف .. ؟ لم تتضح لي النقطة الأخيرة ..
ابتسم ثم قال :
في هذه الحالة نعلم أن هذا محض اختبار وابتلاء من الله ليرى كيف نستقبل أقداره ،
فمن رضي فله الرضا من الله ، ومن سخط عرض نفسه لسخط الله عليه ..!
أتراني من الحماقة والغفلة والجهالة أن اضيّع هذه الفرصة التي أتاحها الله لي ، لأتعرض لتحصيل رضاه ، من جهة ، ولأضعاف رصيدي يوم ألقاه بصبري على هذا البلاء ، بل والرضا به .. !!
أعني فرصة ( مرور ) هذا البلاء بي ، فإن رضيت ، رضي عني مولاي سبحانه ، وهل بعد هذا بعد ؟ ولا يفوتك أني كنت أضغط على كلمة ( مرور ) البلاء ، وأمده بها صوتي ..
لأن اعتقادنا أن البلاء مجرد ضيف نازل ،، وسيرحل !!!
ثم أن هاهنا معنى جليل ولطيف ودقيق :
لا شك ولا ريب أن الله جل جلاله إذا رضي الله عني ، فإني سأجد صدى ذلك
وبركته وآثاره على قلبي ونفسي وحياتي ولابد ..! وهذه قضية يغفل عنها أكثر الخلق !!
فانظر ايها الحبيب اية خيبة تقع على من يسخط على الله سبحانه، حين ينزل به بلاء ،
أو تلم به ملمة ، وتراه يتأفف من قدر الله ، ويتضجر إذا نزل به بعض ما يكره ..!
والمسكين لم يعلم أن سخطه وتأففه وتذمره لا يزيل عنه ذلك البلاء ، ولا يخففه ولا يرفعه ، بل يزيد الطين بلة !!!
فالمصيبة باقية باقية ، ومعها سخط الله عليه !!! لأنه لم يرض عن الله عز وجل ،
ولو أنه رضي ، لأراح واستراح ..!
ومرجع هذه المسألة كلها وسرها يعود إلى التحقق بالعبودية لله حقا وصدقا .
وكفاك بهذا المعاني العظيمة ، سبباً لأن يتهلل وجه الإنسان وتشرق ملامحه إذا نزل به بلاء
_ مع سؤال الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة _
قلت : أفهم من كلامك الأخير أن هناك أسباباً أخرى غير هذه ..
عادت ابتسامته تلألأ ثم قال :
نعم ، أسباب كثيرة ، كل سبب منها يزيد إشراقة الوجه وتلألؤه ..
لكني أكتفي معك بما ذكرت .
فألححت عليه فقال :
ألا يكفي أن تعلم أن البلاء النازل بالإنسان المؤمن إنما هو أحد أمرين كلاهما خير وطيب ..
قلت : ما هما يرحمك الله .؟
قال : قال بعض علماؤنا الربانيين : إنما يبتليك ليربيك ..أو : يبتليك ليرقيك ..!!
فأنت مع هذا البلاء إما ليربيك به فيزكيك ... أو ليرقيك مقامات أعلى عند الله ..!
ثم تأمل الحديث التالي لعل الله يفتح عليك بفتوح من عنده .. فتعلم بقية القصة :
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أشد بلاء فقال :
" الأنبياء ثم الصالحون ، الأمثل فالأمثل . يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينه رقة خفف عنه ،
ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة }.
قال الراوي :
سبحان الله .. أحسب أن هذا من الغرباء الذين عناهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : طوبى للغرباء ... إذ كم في دنيا المسلمين _ ناهيك عن غيرهم _ من يتحلى بمثل هذا ، ويسمو إلى مثل ذلك ..!؟
قال صاحبي :
وأزيدك من الشعر بيتاً .. هذا الجامع الكبير الذي نتفيأ ظلاله ، على كثرة المترددين له ،
فإني على يقين أن صغيرهم وكبيرهم يحبون هذا الشاب بشكل واضح ، حتى أنني قلت له يوما : هنيئاً لك حب الناس إياك .. ممن باب المداعبة ..
فلم يشأ أن يفوتها عليّ وعلى نفسه .. أتدري ماذا كان جوابه !؟
قال الراوي : بالله عليك قل ولا تلهب شوقي بهذا الأسلوب ..!
قال صاحبي : حين سمع مني ذلك ابتسم وقال :
الذي يعنيني وأحمل همه ، حب الخالق لا حب المخلوق ..!!
وما يغني عني أن يحبني الخلق جميعهم ويتهافتون عليّ ، ويحيطون بي ،
ويتلهفون للقياي ، إذا كان الله قد سخط عليّ ، وسقطت من عينه سبحانه ...!!
ذلك مجرد غرور لا يقع في أسره إلا المتخلفون عقلياً ، ولا أحسب أني منهم !!
وسكت قليلا ثم قال :
وشيء آخر ... أتظن أن حب هؤلاء لي ، شيء أنا صنعته ؟! كلا والله ..
إنما أحب هؤلاء جميل ستر الله عليّ .. ولو انكشف الغطاء لكان الأمر على غير ما ترى .. تذكر يا أخي الحبيب قول الحق تبارك اسمه وتعالى جده : ( وألقيتُ عليك محبة مني ) ..
فالأمر منه وإليه ، وما أنا إلا إنسان تتلبسني حالة عبودية دائمة لله سبحانه ..
فإن أحسنت فمن الله ، وله الحمد ، وإن اسأت _ وما أكثر ما أسيء _ فإلى الله المشتكى وحده ، من نفس أمارة وهوى غالب ، وشيطان مريد لا يهدأ ، والله المستعان ..
قال الراوي : أتدري .. أنني أشعر بغليان محبة في قلبي لهذا الإنسان المتميز ،
وسأعقد صحبة حميمة معه ، لعل الله ينفعني به ، وأسأل الله أن يجمعنا طاعته ،
وثبتنا على ذلك حتى نلقاه وهو راضٍ عنا ..
ضحك صاحبي ثم قال :
وها أنت تقع أسير محبته قبل أن تصحبه ...!! ألم أقل لك أن هذا إنسان مبارك .
نسأل الله سبحانه أن تتسع دائرة المباركين في هذه الأمة ، فيكثرون فيها ،
ويعملون لها ، فإن بركتهم لابد وأن تتعداهم إلى غيرهم .. اللهم آمين .
والله الموفق .
الموضوع القادم إن شاء الله (العيادات المناوبة الربانيـة خلال 24 ساعة مفتوحة على حلقاتفي منتدى الشريعة والحياه فتابعوها تجدون مايسركم ..!