تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الشورى ثقافة و سلوك ..


نواااااره
02-17-2012, 07:46 PM
الشّورى.. ثقافة وسلوك

(.. وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159).
ومن المبادئ والقِيَم الثقافية الأساسية في كتاب الله، هو مبدأ الشورى.. فإنّ القرآن الكريم دعا الرسول والمسلمين أن يلتزموا بمبدأ الشورى، وأن يتشاوروا في مختلف شؤونهم العامّة والخاصّة.. وللشّورى أهداف تربوية وسلوكية هامّة في بناء الشخصية والأوضاع السياسية والإجتماعية والحياتية العامّة..
فالشخص الذي يتشاور مع الآخرين، يتحرّر من الفردية والإعتداد بالرّأي والإستبداد.. إنّ المُستبدّ برأيه وقراره، إنما يضع الحواجز الفكرية والنفسية بينه وبين الآخرين، ويقود موقفه وموقف الآخرين الذين معه في كثير من الأحيان إلى الهلاك والدّمار.. وكثيراً ما ينطلق المُستبدّ برأيه من الشعور بالغرور والإستعلاء على الآخرين والإستهانة بآرائهم وخبراتهم وتجاربهم.. وكم كانت الإنفرادية والإستبداد بالرأي سبباً للهلاك والدّمار وتمزيق وحدة الصفّ وتفتيت الجماعة وانهيار البناء الإجتماعي والأُسري والسياسي والإقتصادي والعسكري... إلخ.
وصدق الإمام علي بقوله: "مَن أستبدَّ برأيهِ هَلك"..
وفي موارد عديدة ركّز القرآن الكريم مفهوم الشورى والتشاور في الأمور جميعها: الإجتماعية والسياسية والأسرية والعسكرية... إلخ.
قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159).
إنّ الآية تتحدّث عن صورة مثالية للقيادة والقائد، وعن كيفية تعامل الرسول الداعية والقائد مع مجتمعه وأتباعه.. كيف يتعامل كقائد وكداعية لله وللرِّسالة.. وكيف أنّهم مجتمعون من حوله ومتكاتفون معه على أساس اللطف والمحبّة والإحترام والعفو عن المُخطئ، والإستغفار له، وليس على أساس التسلّط والقهر والفرض.. ثمّ يدعوه إلى أن يُشاورهم في الأمور التي تعرض أمامه.. أمور الدعوة والجهاد والدولة الإسلامية وغيرها..
طبّق الرسول مبدأ الشورى، وشاورَ أصحابه في مواقع عديدة، والتزم بآرائهم، وعمل بها.. شاورهم في معركة بدور وأُحد والأحزاب وغيرها من المواقف.. بل قبل رأي أصحابه في معركة أُحد المُخالف لرأيه..
ومن الواضح أنّ الرسول إذ سيتشير أصحابه، لم يكن بحاجة إلى رأي، فهو المُسدّد بالوحي، وهو المعصوم من الخطأ.. إنما أمر بالشورى ليكون منهجاً للأُمّة، وجُزءاً من السيرة والسلوك النبوي الكريم، وليُشعر أتباعه باحترام آرائهم وبمشاركتهم في القرار والمسؤولية، وليدرِّبهم على هذه القِيَم، ويُرسِّخها ثقافة عملية وسلوكاً متعارفاً عليه..
إنّ القرار يُثقِّف أتباعه ويُربِّيهم على مبدأ الشورى، كأفراد وكأُمّة وجماعة، وكقيادة وممارسين لحمل المسؤولية عندما يصف النخبة المؤمنة بقوله: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى/ 38).
ويتسامى مفهوم الشورى في وعي المسلم وحياته عندما يقرأ دعوة القرآن للرسول القائد وحامل الرسالة أن يتشاور مع أتباعه، ويحترم رأيهم..
وهكذا يُثبِّت القرآن الشورى منهجاً ونظاماً للحياة.. فالقائد يُشاور أتباعه.. وربّ الأُسرة يتشاور مع أفراد أُسرته: الزوجة والأبناء والإخوة.. ليُشعرهم بالإحترام والمشاركة بالرّأي، وليستفيد من آرائهم وخبراتهم وملاحظاتهم..
وقد ثبّت القرآن مبدأ الشورى والتشاور بين الزوج والزوجة حول رضاع الولد وفطامه.. ذلك لأنّ الرِّضاع حق للأُمّ، وليس واجباً عليها – كما يقول الفقهاء -، وهذا التشاور تثميناً لحقِّ الأُمّ في الرضاعة، واحترام رأيها، لئلّا يكون العُنف والإستبداد، هو أسلوب التعامل، وفرض الحلول.. نقرأ هذه الدعوة والثقافة في قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة/ 233).
وينبغي الإيضاح أنّ الشورى والتشاور في عالمنا المعاصر يحتاج إلى خبراء ومتخصِّصين في المجالات التي يتمّ استشارتهم فيها.. فالمستشار في شؤون السياسة أو المال أو المجتمع أو الأمن والعسكرية أو غيرها، يجب أن يكون ذا خبرة ومعرفة في القضية التي يُستشار بها..
بل يتّسع مفهوم الشورى والتشاور ليمتدّ إلى الشؤون الفردية.. فمَن أراد أن يؤسِّس شركة أو مشروعاً انتاجياً أو ثقافياً، عليه أن يستشير الخبراء والمتخصِّصين في ذلك..
ومَن أراد أن يتزوّج، عليه أن يستشير في قضيّة الزواج، والتعرّف على شريك الحياة من الآخرين..
ومَن أراد أن يقوم بعملٍ أو مؤسّسةٍ أو مشاركةٍ في الحياة السياسية، أو الاجتماعية، عليه أن يستشير أصحاب الخبرة؛ لئلّا يقع في الخطأ والفشل والخسارة..
وفي عالمنا المعاصر يُطبّق مبدأ الشورى في اختيار الحاكم والحكومة وانتخابها، وتُبنى مؤسّسات الدول والمجتمع على أساس مبدأ الشورى، واستشارة ذوي الخبرة والإختصاص.
إنّ القرآن يوجِّهنا إلى ذلك بقوله:
(فاسْألْ بِهِ خَبِيراً) (الفرقان/ 59).
(فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُم لا تَعْلَمُونَ) (الأنبياء/ 7).
وفي مبادئ الشريعة نجد قاعدة عقلية وشرعية تقول: "مَن يعلم حجّة على مَن لا يعلم".. فعلى مَن لا يعلم الرّجوع إلى مَن يعلم في كلِّ شأنٍ وقضيةٍ، لاسيّما القضايا المهمّة والخطيرة في حياة الفرد والجماعة والدّولة والأُمّة. كقضايا السياسة والأمن والإقتصاد والإعمار والأزمات التي تواجهها الأُمّة..

بن ظافر
02-17-2012, 08:12 PM
الف شكر على هــذا الطرح القيم الله يعطيك العافية

ليالي جنوبية
02-20-2012, 05:14 AM
الله يكتب لك الاجر والثواب على الطرح
وجزاك الله خير واثقل الله بها موازين حسناتك

ابو زياااد2009
02-20-2012, 08:12 PM
بارك الله فيك .. وكتب الله الاجر لك

مودتي

نواااااره
02-20-2012, 09:07 PM
شكرا لتواجدكم جميعا و لا هنتو ..

عــذبــة الـــروح
02-23-2012, 12:12 AM
جزاكِ الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكِ آآآمين...

نواااااره
02-23-2012, 10:43 PM
هلابك اختي و الف لا هنتي ..