خالد البقمي
11-28-2011, 02:36 PM
ابنة أختي سوف تتزوج ..
أتذكر أنني ـ قبل يومين ـ كنت أقذفها في الهواء وأنا أقول ( هوبّا ) ..
أمس تركتها وهي طفلة ، واليوم هي شابة في العشرين ..
يعني هي مرشحة لكي تصبح جدة وهي على مشارف الأربعين !
وأنا إقتربت من(حاجز الطوط) ومرام لم أتزوج منها بعد ..
اتضح أنهم في الأفلام الهندية على حق ،
الطفل يكبر في يومين ليصبح في عمر والده !
..
أصرّت أمها على أن نحضر جميعاً ـ أخوالها وأعمامها ـ حفل استقبال العريس الجديد ..
وهذه شفافية تحسد عليها حقيقة ..
فالشاب الذي يقابل هؤلاء ( العاهات ) مجتمعين ،
ثم يجد في نفسه الجرأة ليتزوج من ابنتهم هو شاب أسطوري حقاً !
..
الشاب أسطوري فعلاً، وسيم نوعاً ، عمره خمس وعشرون ،
موظف في بنك ما ، تخرج من جامعة ما ،
ترك له أبوه منزلاً صغيراً يتقاسمه مع أخيه المتزوج الذي يكبره بعامين ،
أعطاه سيارة حديثة قبل أن يموت ..
لو تغاضينا عن كونه ( نحيلاً ويرتدي سكسوكة في وجهه ) فإن كل ما سبق كفيل بجعله فارس أحلام نصف فتيات العالم ،
ولكن ـ وعلى الرغم من ذلك ـ فإن دورنا لم يكن الإعجاب بقدراته الخارقة ..
بل البحث عن مكامن الخلل فيه ..
هكذا تجد أنك أمام مجموعة من الأشخاص العاديين ( لو أردنا المجاملة ) ..
الفاشلين ( لو تحرينا الدقة )
الذين سيشاركون في صنع القرار ، بالرغم من أن أحدهم ليس لديه إنجاز يذكر ـ إلا لو كان النجاح باختبار الثانوية العامة إنجازاً ـ
يتأكدون من كون عريس ابنتهم ليس أقل من أبطال الميثيولوجيا الإغريقية ،
بعد العشاء سألت أخي الأكبر عن رأيه بالعريس ،
فأجابها بأنه لا بأس به ..
بالرغم من أنه لم يعرف اسمه ، ولم يستمع لحرف مما قاله ،
هو فقط استغل كونه في مركز القوى ليتحدث عن تجاربه الليموزينية ، وأرائه العظيمة في الحياة ..
سألت فهد عن رأيه ،
فأجابها بأن العشاء لذيذ وأنه تسلم إيديها ..
قالت : أقصد العريس !
قال : لا أعتقد بأن العشاء أثار فضوله ، فهو لم يأكل جيداً ..
هكذا فهمت أنه لا يريد أن تكون له يد في هذه الجريمة ، وأنه ( ينفض لها ) ..
ودَّعت شقيقي ، ودَعتني ..
عرفت أنها تحتفظ بما سوف أقوله للآخر على اعتبار أنني مفسد الحفلات ،
وأنني ـ غالباً ـ لم يعجبني العريس ، ولدي سبعمائة وأربعون ملاحظة مهمة وجدتها أثناء بحثي عن عيوبه ،
هذا إذا لم يقم أحد بالضغط على أيقونة ( إعادة البحث مع إظهار النتائج المهملة ) وإلا تضاعف الرقم ..
قالت : ما رأيك ؟
أجبتها ـ
أولاً : هو نحيل ولديه سكسوكة ، وأنت تعرفين أنني لا أثق بأي شخص يحمل هذه الصفات فما بالك بتزويجه ابنتي !
قالت : تقصد ابنتي .. ثم عيوب جوهرية لو سمحت !
قلت ـ
الشاب يتظاهر هذا واضح ،
يعني لا تتوقعي من سفاح الأطفال أن يتقدم لخطبة ابنتك وهو يحمل بيده كيساً مليئاً بالأحشاء ، أو منشاراً يدوياً !
ثم هو تحدث كثيراً عن عدم تركه للصلاة مذ كان طفلاً ، وعن صيامه أيام البيض ..
حتى توقعت أن يقول بأنه يغزو عاماً ويحج عاماً .!
الشاب لديه منزل وسيارة ، هذا شيء جميل ، ومن عائلة محترمة ، وموظف ..
كل ما سبق ـ أقصد انتمائه لعائلة محترمة وسيارته ومنزله ـ كانت هدايا من أهله ..
أما هو فلم يفعل شيء ليستحق الزواج من ابنتي !
قالت :
أولاً : لا أحد هنا يتحدث عن الزواج من ابنتك ! ثم إنك لم تتزوج حتى هذة اللحظة !!
ثانياً : وبما أنك تعترف أن الشاب مهذب ومن عائلة محترمة ، إذن على بركة الله ،
قلت ـ وأنا أبتسم على تلك ( الدقة ) على بركة الله !
...
..
علي أن أعترف أولاً بأنني لن أكون محايداً إذا ما تعلق الأمر بالزواج ،
فهذه مسألة خطرة وليست لعبة ..
يعني عيوب الآخرين لم تكن في يوم من الأيام سبباً كافياً للسخرية منهم أو احتقارهم ،
طالما رأيت نفسي في الآخرين من حولي ، ولم يكن المجتمع إلا مرآة ضخمة تعكس صورة مفزعة لي ،
تخيل أن تشاهد أنفك ـ الضخم أصلاً ـ ، في مرآة ضخمة !
لذلك كنت أتحاشى العلاقات الاجتماعية قدر المستطاع ..
هذا المجتمع الذي يستطيع فيه المدخن أن يتأفف من رائحة البصل ، ويوجه اللص سهام النقد للمرتشي ، ويرسل المهمل لعناته للمستهتر ..
ثم ينصرف كل منهم راضياً عن نفسه ..
..
.
عيوب الآخرين مهمة جداً لترضى عن نفسك ..
كل مافي الأمر أنه ليس مثلي ، أنا لا أبحث عن عيوبه لأجل ابنة أختي ، بل لأجلي أنا !
هنا يختلط الحسد بالحقد بالغيرة فينتج خليطاً غريباً من المشاعر !
يحضرني قول الشاعر الروسي إيفتوشنكو ( أحسد طفلاً سوف يحقق كل الأشياء التي فشلت أنا في تحقيقها ) !
الغريب أنك تستطيع أن ترى عيوب الآخرين بوضوح شديد حتى ولو كنت أعمى ،
لأنك تنطلق من فرضية أن الآخرين لا بد أن يكون لهم عيوب ،
لكنك تحتاج إلى قوة لرؤية عيوبك ،
ببساطة لأنك لا تؤمن بوجودها ..
علي أن أعترف أيضاً بأنني ( والله العظيم ) لا أعرف إيفتوشنكو ولم أقرأ له من قبل ،
ولا أعرف إن كان شاعراً أم حارس مرمى فريق سسكا موسكو ..
لكنني قرأت هذا الجزء بالصدفة ، فوجدت أنه لا مانع من الاستشهاد به من باب الأشياء فقط ..
المهم أنني عدت وقلت لها :
هذا شاب محترم ، ميسور الحال ..
يحافظ على الصلاة بالرغم من أن مظهره لا يدل على ذلك ،
لا تسألوني كيف يجب أن يكون مظهره فهذا ليس موضوعنا ..
لكنني ـ ومن باب الحيطة ـ قلت بأن عليهم التمهل وعدم الاستعجال ، والحذر ..
والسبب الوحيد
هو خوفي من أن تكتشف في يومٍ من الأيام شعرة نسائية على كتف البدلة ـ حتى لو كان يرتدي ثوباً فهي قادرة على اكتشاف شعرة نسائية على البدلة التي لم يرتديها أصلاً ـ أو تشم رائحة عطر نسائي ..
أو تأتيه مكالمة خاطئة من سيدة على هاتفه ..
لا أعرف إن كانت هذه الأمور تحدث في الحقيقة ،
لكنهن يفعلن ذلك دائماً في المسلسلات العربية الرديئة ،
يكتشفن أحمر الشفاه على المنديل أو الشعرة على كتف البدلة ..
أقول : لو حصل هذا الأمر مستقبلاً ، فعلي أن أكون حاضراً لأقول : أنا ياما حذرتكم !!
...
هكذا وجدنا أنفسنا نستعد ..
الكثير من الحديث عن الجهاز ، والعفش ، وتفصيل النقد ، والشبكة ..
وهذه أمور أجهل كل شيء عنها تماماً ،
الكل انشغل بهذه القضية ، وكالعادة كان لي نصيب الأسد ..
المهام الجوهرية والمفصلية يتكفل بها العبد الفقير طبعاً ..
أما ما هي هذه المهام !
شراء صبغة شعر ( غارنييه ) باللون الباذنجاني !!
..
دخلت إلى الصيدلية ،
سلمت على الصيدلاني الذي كان يجلس على كرسي بمسند ظهر ضخم ،
وكان يبتسم في بلاهة لكرسي ضخم أمامه ..
رد علي السلام دون أن يلتفت ..
سألته عن صبغة الشعر غارنييه باللون الباذنجاني ..
ضحك ساخراً وهو يصدر بفمه صوت ( بففف ) ـ وهو يعبث بأصابعه على لابتوب وضعه أمامه ـ
وقال : مافي شي اسمه لون بيتجاني !
إذن كان يبتسم لمحدثه على الإنترنت وليس للكرسي ..
قلت في حرج : عفواً ، هم أخبروني بذلك ..
أشار بيده إلى رف ضخم في آخر الصيدلية ـ دون أن يلتفت أيضاً ـ وقال : تقصد اللون الأسود بنفسجي ، هناك ..
ذهبت إلى الرف الضخم ،
صبغات شعر باللون الأشقر ، والرمادي ، والأشقر الرمادي ، والرمادي الأشقر ، والأزرق ، والخرنوبي !
وعدسات بكل الألوان ، ورموش كذلك ..
باختصار كل شيء موجود
لتلبية رغبة أي فتاة تريد أن تكون أخرى بأي شكل من الأشكال !
وجدت اللون الأسود البنفسجي بجانب اللون ( عرقسوس ) !
أي والله العظيم هناك لون ( عرقسوس ) وهكذا كتب على العبوة !!
قلت له ـ وأنا أدفع الحساب ـ : إذن ضحكت من طلبي اللون ( الباذنجاني ) وأنت لديك بالفعل لون ( عرقسوس ) !!
يعني ما هو المنطق ؟
قال:
وقد احتقن وجهه من هذا الزبون المزعج : ببساطة لأنه هناك لون عرقسوس وليس هناك لون باذنجاني !
هكذا إذن ، هو تعامل معي على اعتبار أن هذه معلومة بديهية يجب أن يعرفها كل أحمق غيره ..
شركة غارنييه ـ الفرنسية ـ وجدت أنه لا بأس إن أنتجت اللون ( عرقسوس )
لكن من غير اللائق أن تنتج اللون ( باذنجاني ) !
منطق قوي ، وسليم طبعاً ..
من حقك أن تسخر من أي إنسان غابت عنه معلومة ، لمجرد أنها تعتبر من البديهيات بالنسبة لك ..
...
صديق لي ـ وهو سوداني ـ يحكي أن أحد الأشخاص كان دائم السخرية منه ،
قائلاً : آآآي يا عصمان !
بالرغم من أن صديقي اسمه إدريس ..
حتى حضر هذا الرجل مع زوجته مرة إلى السوق ،
وسمعها وهي تخاطبه بقولها : شليويح !
فقال له : عليييك الله ، اسمك شليويح وبتضحك في عثمان !
هكذا كنت أستغرب لماذا يضحك ( سعيد ) الجنوبي من اسم ( صقر ) الشمالي ..
بالرغم من أن معنى الاسمين واضح ، بل وجميل !
ولماذا يسخر ( محماس ) من ( عبدربة ) !!
هكذا تجد أن كل شيء يخصك ـ مهما كان غريباً ـ فهو منطقي ، وجميل ، ومتناسق ، ويستحق أن تدافع عنه ،
بل وتموت في سبيل ذلك !
وكل ما يخص الآخرين مستهجن ، ومستنكر ، ويستحق السخرية ..
لمجرد أنه غريب عنك ، وليس من أبجدياتك المعتادة ..
مع أن المسألة لا تعدو عن كونها مسألة هوبا، و ( أفلام هندية ) !
ـ ـ ـ
إحترآمي ,
خآلد البقمي(:
أتذكر أنني ـ قبل يومين ـ كنت أقذفها في الهواء وأنا أقول ( هوبّا ) ..
أمس تركتها وهي طفلة ، واليوم هي شابة في العشرين ..
يعني هي مرشحة لكي تصبح جدة وهي على مشارف الأربعين !
وأنا إقتربت من(حاجز الطوط) ومرام لم أتزوج منها بعد ..
اتضح أنهم في الأفلام الهندية على حق ،
الطفل يكبر في يومين ليصبح في عمر والده !
..
أصرّت أمها على أن نحضر جميعاً ـ أخوالها وأعمامها ـ حفل استقبال العريس الجديد ..
وهذه شفافية تحسد عليها حقيقة ..
فالشاب الذي يقابل هؤلاء ( العاهات ) مجتمعين ،
ثم يجد في نفسه الجرأة ليتزوج من ابنتهم هو شاب أسطوري حقاً !
..
الشاب أسطوري فعلاً، وسيم نوعاً ، عمره خمس وعشرون ،
موظف في بنك ما ، تخرج من جامعة ما ،
ترك له أبوه منزلاً صغيراً يتقاسمه مع أخيه المتزوج الذي يكبره بعامين ،
أعطاه سيارة حديثة قبل أن يموت ..
لو تغاضينا عن كونه ( نحيلاً ويرتدي سكسوكة في وجهه ) فإن كل ما سبق كفيل بجعله فارس أحلام نصف فتيات العالم ،
ولكن ـ وعلى الرغم من ذلك ـ فإن دورنا لم يكن الإعجاب بقدراته الخارقة ..
بل البحث عن مكامن الخلل فيه ..
هكذا تجد أنك أمام مجموعة من الأشخاص العاديين ( لو أردنا المجاملة ) ..
الفاشلين ( لو تحرينا الدقة )
الذين سيشاركون في صنع القرار ، بالرغم من أن أحدهم ليس لديه إنجاز يذكر ـ إلا لو كان النجاح باختبار الثانوية العامة إنجازاً ـ
يتأكدون من كون عريس ابنتهم ليس أقل من أبطال الميثيولوجيا الإغريقية ،
بعد العشاء سألت أخي الأكبر عن رأيه بالعريس ،
فأجابها بأنه لا بأس به ..
بالرغم من أنه لم يعرف اسمه ، ولم يستمع لحرف مما قاله ،
هو فقط استغل كونه في مركز القوى ليتحدث عن تجاربه الليموزينية ، وأرائه العظيمة في الحياة ..
سألت فهد عن رأيه ،
فأجابها بأن العشاء لذيذ وأنه تسلم إيديها ..
قالت : أقصد العريس !
قال : لا أعتقد بأن العشاء أثار فضوله ، فهو لم يأكل جيداً ..
هكذا فهمت أنه لا يريد أن تكون له يد في هذه الجريمة ، وأنه ( ينفض لها ) ..
ودَّعت شقيقي ، ودَعتني ..
عرفت أنها تحتفظ بما سوف أقوله للآخر على اعتبار أنني مفسد الحفلات ،
وأنني ـ غالباً ـ لم يعجبني العريس ، ولدي سبعمائة وأربعون ملاحظة مهمة وجدتها أثناء بحثي عن عيوبه ،
هذا إذا لم يقم أحد بالضغط على أيقونة ( إعادة البحث مع إظهار النتائج المهملة ) وإلا تضاعف الرقم ..
قالت : ما رأيك ؟
أجبتها ـ
أولاً : هو نحيل ولديه سكسوكة ، وأنت تعرفين أنني لا أثق بأي شخص يحمل هذه الصفات فما بالك بتزويجه ابنتي !
قالت : تقصد ابنتي .. ثم عيوب جوهرية لو سمحت !
قلت ـ
الشاب يتظاهر هذا واضح ،
يعني لا تتوقعي من سفاح الأطفال أن يتقدم لخطبة ابنتك وهو يحمل بيده كيساً مليئاً بالأحشاء ، أو منشاراً يدوياً !
ثم هو تحدث كثيراً عن عدم تركه للصلاة مذ كان طفلاً ، وعن صيامه أيام البيض ..
حتى توقعت أن يقول بأنه يغزو عاماً ويحج عاماً .!
الشاب لديه منزل وسيارة ، هذا شيء جميل ، ومن عائلة محترمة ، وموظف ..
كل ما سبق ـ أقصد انتمائه لعائلة محترمة وسيارته ومنزله ـ كانت هدايا من أهله ..
أما هو فلم يفعل شيء ليستحق الزواج من ابنتي !
قالت :
أولاً : لا أحد هنا يتحدث عن الزواج من ابنتك ! ثم إنك لم تتزوج حتى هذة اللحظة !!
ثانياً : وبما أنك تعترف أن الشاب مهذب ومن عائلة محترمة ، إذن على بركة الله ،
قلت ـ وأنا أبتسم على تلك ( الدقة ) على بركة الله !
...
..
علي أن أعترف أولاً بأنني لن أكون محايداً إذا ما تعلق الأمر بالزواج ،
فهذه مسألة خطرة وليست لعبة ..
يعني عيوب الآخرين لم تكن في يوم من الأيام سبباً كافياً للسخرية منهم أو احتقارهم ،
طالما رأيت نفسي في الآخرين من حولي ، ولم يكن المجتمع إلا مرآة ضخمة تعكس صورة مفزعة لي ،
تخيل أن تشاهد أنفك ـ الضخم أصلاً ـ ، في مرآة ضخمة !
لذلك كنت أتحاشى العلاقات الاجتماعية قدر المستطاع ..
هذا المجتمع الذي يستطيع فيه المدخن أن يتأفف من رائحة البصل ، ويوجه اللص سهام النقد للمرتشي ، ويرسل المهمل لعناته للمستهتر ..
ثم ينصرف كل منهم راضياً عن نفسه ..
..
.
عيوب الآخرين مهمة جداً لترضى عن نفسك ..
كل مافي الأمر أنه ليس مثلي ، أنا لا أبحث عن عيوبه لأجل ابنة أختي ، بل لأجلي أنا !
هنا يختلط الحسد بالحقد بالغيرة فينتج خليطاً غريباً من المشاعر !
يحضرني قول الشاعر الروسي إيفتوشنكو ( أحسد طفلاً سوف يحقق كل الأشياء التي فشلت أنا في تحقيقها ) !
الغريب أنك تستطيع أن ترى عيوب الآخرين بوضوح شديد حتى ولو كنت أعمى ،
لأنك تنطلق من فرضية أن الآخرين لا بد أن يكون لهم عيوب ،
لكنك تحتاج إلى قوة لرؤية عيوبك ،
ببساطة لأنك لا تؤمن بوجودها ..
علي أن أعترف أيضاً بأنني ( والله العظيم ) لا أعرف إيفتوشنكو ولم أقرأ له من قبل ،
ولا أعرف إن كان شاعراً أم حارس مرمى فريق سسكا موسكو ..
لكنني قرأت هذا الجزء بالصدفة ، فوجدت أنه لا مانع من الاستشهاد به من باب الأشياء فقط ..
المهم أنني عدت وقلت لها :
هذا شاب محترم ، ميسور الحال ..
يحافظ على الصلاة بالرغم من أن مظهره لا يدل على ذلك ،
لا تسألوني كيف يجب أن يكون مظهره فهذا ليس موضوعنا ..
لكنني ـ ومن باب الحيطة ـ قلت بأن عليهم التمهل وعدم الاستعجال ، والحذر ..
والسبب الوحيد
هو خوفي من أن تكتشف في يومٍ من الأيام شعرة نسائية على كتف البدلة ـ حتى لو كان يرتدي ثوباً فهي قادرة على اكتشاف شعرة نسائية على البدلة التي لم يرتديها أصلاً ـ أو تشم رائحة عطر نسائي ..
أو تأتيه مكالمة خاطئة من سيدة على هاتفه ..
لا أعرف إن كانت هذه الأمور تحدث في الحقيقة ،
لكنهن يفعلن ذلك دائماً في المسلسلات العربية الرديئة ،
يكتشفن أحمر الشفاه على المنديل أو الشعرة على كتف البدلة ..
أقول : لو حصل هذا الأمر مستقبلاً ، فعلي أن أكون حاضراً لأقول : أنا ياما حذرتكم !!
...
هكذا وجدنا أنفسنا نستعد ..
الكثير من الحديث عن الجهاز ، والعفش ، وتفصيل النقد ، والشبكة ..
وهذه أمور أجهل كل شيء عنها تماماً ،
الكل انشغل بهذه القضية ، وكالعادة كان لي نصيب الأسد ..
المهام الجوهرية والمفصلية يتكفل بها العبد الفقير طبعاً ..
أما ما هي هذه المهام !
شراء صبغة شعر ( غارنييه ) باللون الباذنجاني !!
..
دخلت إلى الصيدلية ،
سلمت على الصيدلاني الذي كان يجلس على كرسي بمسند ظهر ضخم ،
وكان يبتسم في بلاهة لكرسي ضخم أمامه ..
رد علي السلام دون أن يلتفت ..
سألته عن صبغة الشعر غارنييه باللون الباذنجاني ..
ضحك ساخراً وهو يصدر بفمه صوت ( بففف ) ـ وهو يعبث بأصابعه على لابتوب وضعه أمامه ـ
وقال : مافي شي اسمه لون بيتجاني !
إذن كان يبتسم لمحدثه على الإنترنت وليس للكرسي ..
قلت في حرج : عفواً ، هم أخبروني بذلك ..
أشار بيده إلى رف ضخم في آخر الصيدلية ـ دون أن يلتفت أيضاً ـ وقال : تقصد اللون الأسود بنفسجي ، هناك ..
ذهبت إلى الرف الضخم ،
صبغات شعر باللون الأشقر ، والرمادي ، والأشقر الرمادي ، والرمادي الأشقر ، والأزرق ، والخرنوبي !
وعدسات بكل الألوان ، ورموش كذلك ..
باختصار كل شيء موجود
لتلبية رغبة أي فتاة تريد أن تكون أخرى بأي شكل من الأشكال !
وجدت اللون الأسود البنفسجي بجانب اللون ( عرقسوس ) !
أي والله العظيم هناك لون ( عرقسوس ) وهكذا كتب على العبوة !!
قلت له ـ وأنا أدفع الحساب ـ : إذن ضحكت من طلبي اللون ( الباذنجاني ) وأنت لديك بالفعل لون ( عرقسوس ) !!
يعني ما هو المنطق ؟
قال:
وقد احتقن وجهه من هذا الزبون المزعج : ببساطة لأنه هناك لون عرقسوس وليس هناك لون باذنجاني !
هكذا إذن ، هو تعامل معي على اعتبار أن هذه معلومة بديهية يجب أن يعرفها كل أحمق غيره ..
شركة غارنييه ـ الفرنسية ـ وجدت أنه لا بأس إن أنتجت اللون ( عرقسوس )
لكن من غير اللائق أن تنتج اللون ( باذنجاني ) !
منطق قوي ، وسليم طبعاً ..
من حقك أن تسخر من أي إنسان غابت عنه معلومة ، لمجرد أنها تعتبر من البديهيات بالنسبة لك ..
...
صديق لي ـ وهو سوداني ـ يحكي أن أحد الأشخاص كان دائم السخرية منه ،
قائلاً : آآآي يا عصمان !
بالرغم من أن صديقي اسمه إدريس ..
حتى حضر هذا الرجل مع زوجته مرة إلى السوق ،
وسمعها وهي تخاطبه بقولها : شليويح !
فقال له : عليييك الله ، اسمك شليويح وبتضحك في عثمان !
هكذا كنت أستغرب لماذا يضحك ( سعيد ) الجنوبي من اسم ( صقر ) الشمالي ..
بالرغم من أن معنى الاسمين واضح ، بل وجميل !
ولماذا يسخر ( محماس ) من ( عبدربة ) !!
هكذا تجد أن كل شيء يخصك ـ مهما كان غريباً ـ فهو منطقي ، وجميل ، ومتناسق ، ويستحق أن تدافع عنه ،
بل وتموت في سبيل ذلك !
وكل ما يخص الآخرين مستهجن ، ومستنكر ، ويستحق السخرية ..
لمجرد أنه غريب عنك ، وليس من أبجدياتك المعتادة ..
مع أن المسألة لا تعدو عن كونها مسألة هوبا، و ( أفلام هندية ) !
ـ ـ ـ
إحترآمي ,
خآلد البقمي(: