ابوصاهودالعمري
12-11-2010, 12:52 PM
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين . وبعد
عن أبن عباس_ رضي الله عنهما_ قال: كنت خلف النبي صلي الله عليه وسلم يوما فقال: (( يا غلام، إني أعلمك كلمات: أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فأسال الله، وإذا أستعنت فاستعن بالله، واعلم: ان الأمة لو اجتمعت علي إن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وان اجتمعوا علي إن يضروك بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف))([93]). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية غير الترمذي: ((أحفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم إن ما أخطاءك لم يكن ليصيبك، وما أصابك أم يكن ليخطئك، واعلم إن النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وان مع العسر يسرا)).
الشرح
قوله: (( كنت خلف النبي صلي الله عليه وسلم)) أي راكبا معه. قوله: (( فقال لي يا غلام... احفظ الله يحفظك)) قال له: يا غلام، لان ابن عباس_ رضي الله عنهما_ كان صغيرا فان النبي صلي الله عليه وسلم توفي وهو قد ناهز الاحتلال، يعني من الخامسة العشرة إلى السادسة عشرة أو اقل. فكان راكبا خلف الرسول صلي الله عليه وسلم فوجه إليه النبي صلي الله عليه وسلم هذا النداء: (( يا غلام، احفظ الله يحفظك)) كلمة جليلة عظيمة، احفظ الله، وذلك بحفظ شرعه ودينه، بان تمتثل لأوامره وتجتب نواهيه، وكذلك بان تتعلم من دينه ومن شريعته_ سبحانه وتعالى_ ما تقوم به عباداتك ومعاملاتك، وتدعوا به إلى الله _ عز وجل_ لان كل هذا من حفظ الله، فالله_ سبحانه وتعالى_ نفسه ليس بحاجة إلى أحد حتى يحفظ، ولكن المراد حفظ دينه وشريعته، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ )(محمد: من الآية7) وليس المعني : تنصرون ذات الله ، لان الله_ سبحانه وتعالى _ غني عن كل أحد، ولهذا قال في آية أخرى: ( ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ )(محمد: من الآية4)، ولا يعجزونه: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ )(فاطر: من الآية44). إذا: (( احفظ الله يحفظك)) جملة تدل علي إن الإنسان كلما حفظ دين الله حفظه الله تعالى في بدنه، وحفظه في ماله و أهله، وفي دينه، وهذه أهم الأشياء، إن يحفظك الله في دينك، وهو إن يسلمك من الزيغ والضلال، لان الإنسان كلما اهتدي زاده الله هدي، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)(محمد:17)، وكلما ضل_ والعياذ بالله_ فانه يزداد ضلالا، كما جاء في الحديث: (( إن العبد فإذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فان هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه)) ([94]) وان اذنب ثانية انضم إليها نكتة ثانية وثالثة ورابعة، حتى يطبع علي قلبه. نسأل الله العافية. إذا: يحفظك في دينك وفي بدنك ومالك واهلك، أهمها حفظ الدين، نسأل الله تعالى إن يحفظ علينا وعلكم ديننا.
وقوله: (( أحفظ الله تجده تجاهك)) وفي لفظ آخر: (( تجده أمامك)). احفظ الله أيضا بحفظ شريعته، بالقيام بأمره واجتناب نهيه تجده تجاهك وأمامك، ومعناهما واحد، يعني تجد الله أمامك يدلك علي كل خير ويذود عنك كل شر ، ولا سيما إن حفظت الله بالاستعانة به، فان الإنسان إذا استعان بالله وتوكل علي الله كان الله حسبه، أي كافية، ومن كان الله حسبه فانه لا يحتاج إلى أحد بعد الله. قال الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(لأنفال:64) أي: وحسب من اتبعك من المؤمنين. (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ) (لأنفال: من الآية62)، فإذا كان الله حسب الإنسان، أي كافية، فانه لن يناله سوء، ولهذا قال: (( احفظ الله تجده تجاهك)) أو (( تجده أمامك )) والمراد بحفظه حفظ شريعته، ولا سيما بالتوكل عليه والاستعانة به.
ثم قال له: (( إذا سالت فأسال الله)) أي لا تعتمد علي أحد مخلوق، إذا سالت فأسال الله . مثلا: إنسان فقير ليس عنده مال، يسال الله يقول: اللهم ارزقني، اللهم هيئ لي رزقا. فيأتيه الرزق من حيث لا يحتسب. لكن لو سال الناس فربما يعطونه أو يمنعونه، ولهذا جاء في الحديث: (( لان يأخذ أحدكم حبله فيحتطب علي ظهره، خير له من إن يأتي رجلا، أعطاه أو منعه))([95]). فكذلك أنت، إذا سالت فأسال الله، قل: (( اللهم ارزقني)) اللهم أغنني بفضلك عمن سواك)) وما أشبه ذلك من الكلمات التي تتجه بها إلى الله عز وجل.
وقوله: (( إذا استعنت فاستعن بالله)) الاستعانة طلب العون، فلا تطلب العون من أي إنسان إلا للضرورة القصوى، ومع ذلك إذا اضطررت إلى الاستعانة بالمخلوق فاجعل ذلك وسيلة وسببا لا ركنا تعتمد عليه! اجعل الركن الأصيل هو الله عز وجل، إذا سالت فأسال الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. وفي هاتين الجملتين دليل علي انه من نقص التوحيد إن الإنسان يسال غير الله، ولهذا تكره المسالة لغير الله_ عز وجل_ في قليل أو كثير. لا تسال إلا الله عز وجل، ولا تستعن إلا بالله. والله سبحانه إذا أراد عونك يسر لك العون، سواء كان بأسباب معلومة أو بأسباب غير معلومة. قد يعنيك الله بسبب غير معلوم لك، فيدفع عنك من الشر ما لا طاقة لاحد به، وقد يعنيك الله علي يد أحد من الخلق يسخره لك ويذلًلة لك حتى يعينك، ولكن مع ذلك لا يجوز لك_ إذا أعانك الله علي يد أحد_ إن تنسي المسبب وهو الله عز وجل، كما يفعله بعض الجهلة الآن من تعلقهم بالسب وضعف اعتمادهم علي الله سبحانه وتعالى لما حصل عون ظاهر من دول كافرة، وما علموا إن الكفرة هم أعداء لهم إلى يوم القيامة سواء أعانوهم أم لا؟.
بل النافع الضار هو الله عز وجل وهذا من تسخيره_ سبحانه وتعالى_ لعباده المؤمنين، كما جاء في الحديث: (( إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر))([96]) فيجب علينا إن لا ننسي فضل الله الذي سخرهم لنا، ويجب علينا إن ننبه العامة، إذا سمعنا أحدا يركن إليهم ويقول هم الذين نصرونا مائة بالمائة، وهم الأول والآخر، فيجب علينا إن نبين لهم إن هذا خلل في التوحيد. والله اعلم.
وقوله: (( واعلم إن الأمة لو اجتمعت علي إن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك)). فبين النبي_ عليه الصلاة والسلام_ في هذه الجملة إن الأمة لو اجتمعت كلها علي إن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك! فإذا وقع منهم نفع لك فاعلم انه من الله، لأنه هو الذي كتبه، فلم يقل النبي صلي الله عليه وسلم: لو اجتمعت علي إن ينفعوك بشيء لم ينفعوك. بل قال: (( لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك)). فالناس بلا شك ينفع بعضهم بعضا، ويعين بعضهم بعضا، ويساعد بعضهم بعضا، لكن كل هذا مما كتبه الله للإنسان، فالفضل لله فيه أولا عز وجل، هو الذي سخر لك من ينفعك ويحسن إليك ويزيل كربتك، وكذلك بالعكس، لو اجتمعوا علي إن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. والإيمان بهذا يستلزم إن يكون الإنسان متعلقا بربه ومتكلا عليه لا يهتم بأحد، لأنه يعلم انهم لو اجتمع كل الخلق علي إن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه. وحيئذ يعلق رجاءه بالله ويعتصم به، ولا يهمه الخلق ولو اجتمعوا عليه، ولهذا نجد الناس في سلف هذه الأمة لما اعتمدوا علي الله وتوكلوا عليه لم يضرهم كيد الكائدين ولا حسد الحاسدين: ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران: من الآية120).
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (( رفعت الأقلام وجفت الصحف)) يعني إن ما كتبه الله فقد انتهي، والصحف جفت من المداد، ولم يبقه مراجعة. فما أصابك لم يكن ليخطئك، كما في اللفظ الثاني: (( وما أخطاءك لم يكن ليصيبك)). وفي اللفظ الثاني قال عليه الصلاة والسلام: (( واعلم إن النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وان مع العسر يسرا)). يعني: اعلم علم يقين إن النصر مع الصبر، فإذا صبرت وفعلتما أمرك الله به من وسائل النصر فان الله تعالى ينصرك. والصبر هنا يشمل الصبر علي طاعة الله، وعن معصيته، وعلي أقداره المؤلمة، لان العدو يصيب الإنسان من كل جهة، فقد يشعر الإنسان انه لن يطيق عدوه فيتحسر ويدع الجهاد، وقد يشرع في الجهاد ولكن إذا أصابه الأذى استحسر وتوقف، وقد يستمر ولكنه يصيبه الألم من عدوه، فهذا أيضا يجب إن يصبر عليه. قال الله تعالى: ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ) (آل عمران: من الآية140)، وقال تعالى: ( وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) (النساء:104)، فإذا صبر الإنسان وصابر ورابط فان الله سبحانه وتعالى ينصره.
وقوله: (( واعلم إن الفرج مع الكرب)). كلما اكتربت الأمور وضاقت فان الفرج قريب، لان الله _ عز وجل_ يقول في كتابه: ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ الإله مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ) (النمل:62)، فكلما اشتدت الأمور فانتظر الفرج من الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (( إن مع العسر يسرا)) فكل عسر بعده يسر، بل إن العسر محفوف بيسرين، يسر سابق ويسر لاحق. قال الله تعالى: ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا ً)(5) ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) (الشرح:6،5)، وقال ابن عباس_ رضي الله عنهما_: (( لن يغلب عسر يسرين)). فهذا الحديث الذي أوصى به النبي صلي الله عليه وسلم عبد الله بن عباس_ رضي الله عنهما_ ينبغي للإنسان إن يكون علي ذكر له دائما، وان يعتمد علي هذه الوصايا النافعة التي أوصى بها النبي صلي الله عليه وسلم ابن عمه عبد الله بن عباس_ رضي الله عنهما_ والله الموفق.
المصدر : شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين
لفضيلة الشيخ العلامة / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
عن أبن عباس_ رضي الله عنهما_ قال: كنت خلف النبي صلي الله عليه وسلم يوما فقال: (( يا غلام، إني أعلمك كلمات: أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فأسال الله، وإذا أستعنت فاستعن بالله، واعلم: ان الأمة لو اجتمعت علي إن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وان اجتمعوا علي إن يضروك بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف))([93]). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية غير الترمذي: ((أحفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم إن ما أخطاءك لم يكن ليصيبك، وما أصابك أم يكن ليخطئك، واعلم إن النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وان مع العسر يسرا)).
الشرح
قوله: (( كنت خلف النبي صلي الله عليه وسلم)) أي راكبا معه. قوله: (( فقال لي يا غلام... احفظ الله يحفظك)) قال له: يا غلام، لان ابن عباس_ رضي الله عنهما_ كان صغيرا فان النبي صلي الله عليه وسلم توفي وهو قد ناهز الاحتلال، يعني من الخامسة العشرة إلى السادسة عشرة أو اقل. فكان راكبا خلف الرسول صلي الله عليه وسلم فوجه إليه النبي صلي الله عليه وسلم هذا النداء: (( يا غلام، احفظ الله يحفظك)) كلمة جليلة عظيمة، احفظ الله، وذلك بحفظ شرعه ودينه، بان تمتثل لأوامره وتجتب نواهيه، وكذلك بان تتعلم من دينه ومن شريعته_ سبحانه وتعالى_ ما تقوم به عباداتك ومعاملاتك، وتدعوا به إلى الله _ عز وجل_ لان كل هذا من حفظ الله، فالله_ سبحانه وتعالى_ نفسه ليس بحاجة إلى أحد حتى يحفظ، ولكن المراد حفظ دينه وشريعته، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ )(محمد: من الآية7) وليس المعني : تنصرون ذات الله ، لان الله_ سبحانه وتعالى _ غني عن كل أحد، ولهذا قال في آية أخرى: ( ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ )(محمد: من الآية4)، ولا يعجزونه: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ )(فاطر: من الآية44). إذا: (( احفظ الله يحفظك)) جملة تدل علي إن الإنسان كلما حفظ دين الله حفظه الله تعالى في بدنه، وحفظه في ماله و أهله، وفي دينه، وهذه أهم الأشياء، إن يحفظك الله في دينك، وهو إن يسلمك من الزيغ والضلال، لان الإنسان كلما اهتدي زاده الله هدي، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)(محمد:17)، وكلما ضل_ والعياذ بالله_ فانه يزداد ضلالا، كما جاء في الحديث: (( إن العبد فإذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فان هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه)) ([94]) وان اذنب ثانية انضم إليها نكتة ثانية وثالثة ورابعة، حتى يطبع علي قلبه. نسأل الله العافية. إذا: يحفظك في دينك وفي بدنك ومالك واهلك، أهمها حفظ الدين، نسأل الله تعالى إن يحفظ علينا وعلكم ديننا.
وقوله: (( أحفظ الله تجده تجاهك)) وفي لفظ آخر: (( تجده أمامك)). احفظ الله أيضا بحفظ شريعته، بالقيام بأمره واجتناب نهيه تجده تجاهك وأمامك، ومعناهما واحد، يعني تجد الله أمامك يدلك علي كل خير ويذود عنك كل شر ، ولا سيما إن حفظت الله بالاستعانة به، فان الإنسان إذا استعان بالله وتوكل علي الله كان الله حسبه، أي كافية، ومن كان الله حسبه فانه لا يحتاج إلى أحد بعد الله. قال الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(لأنفال:64) أي: وحسب من اتبعك من المؤمنين. (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ) (لأنفال: من الآية62)، فإذا كان الله حسب الإنسان، أي كافية، فانه لن يناله سوء، ولهذا قال: (( احفظ الله تجده تجاهك)) أو (( تجده أمامك )) والمراد بحفظه حفظ شريعته، ولا سيما بالتوكل عليه والاستعانة به.
ثم قال له: (( إذا سالت فأسال الله)) أي لا تعتمد علي أحد مخلوق، إذا سالت فأسال الله . مثلا: إنسان فقير ليس عنده مال، يسال الله يقول: اللهم ارزقني، اللهم هيئ لي رزقا. فيأتيه الرزق من حيث لا يحتسب. لكن لو سال الناس فربما يعطونه أو يمنعونه، ولهذا جاء في الحديث: (( لان يأخذ أحدكم حبله فيحتطب علي ظهره، خير له من إن يأتي رجلا، أعطاه أو منعه))([95]). فكذلك أنت، إذا سالت فأسال الله، قل: (( اللهم ارزقني)) اللهم أغنني بفضلك عمن سواك)) وما أشبه ذلك من الكلمات التي تتجه بها إلى الله عز وجل.
وقوله: (( إذا استعنت فاستعن بالله)) الاستعانة طلب العون، فلا تطلب العون من أي إنسان إلا للضرورة القصوى، ومع ذلك إذا اضطررت إلى الاستعانة بالمخلوق فاجعل ذلك وسيلة وسببا لا ركنا تعتمد عليه! اجعل الركن الأصيل هو الله عز وجل، إذا سالت فأسال الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. وفي هاتين الجملتين دليل علي انه من نقص التوحيد إن الإنسان يسال غير الله، ولهذا تكره المسالة لغير الله_ عز وجل_ في قليل أو كثير. لا تسال إلا الله عز وجل، ولا تستعن إلا بالله. والله سبحانه إذا أراد عونك يسر لك العون، سواء كان بأسباب معلومة أو بأسباب غير معلومة. قد يعنيك الله بسبب غير معلوم لك، فيدفع عنك من الشر ما لا طاقة لاحد به، وقد يعنيك الله علي يد أحد من الخلق يسخره لك ويذلًلة لك حتى يعينك، ولكن مع ذلك لا يجوز لك_ إذا أعانك الله علي يد أحد_ إن تنسي المسبب وهو الله عز وجل، كما يفعله بعض الجهلة الآن من تعلقهم بالسب وضعف اعتمادهم علي الله سبحانه وتعالى لما حصل عون ظاهر من دول كافرة، وما علموا إن الكفرة هم أعداء لهم إلى يوم القيامة سواء أعانوهم أم لا؟.
بل النافع الضار هو الله عز وجل وهذا من تسخيره_ سبحانه وتعالى_ لعباده المؤمنين، كما جاء في الحديث: (( إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر))([96]) فيجب علينا إن لا ننسي فضل الله الذي سخرهم لنا، ويجب علينا إن ننبه العامة، إذا سمعنا أحدا يركن إليهم ويقول هم الذين نصرونا مائة بالمائة، وهم الأول والآخر، فيجب علينا إن نبين لهم إن هذا خلل في التوحيد. والله اعلم.
وقوله: (( واعلم إن الأمة لو اجتمعت علي إن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك)). فبين النبي_ عليه الصلاة والسلام_ في هذه الجملة إن الأمة لو اجتمعت كلها علي إن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك! فإذا وقع منهم نفع لك فاعلم انه من الله، لأنه هو الذي كتبه، فلم يقل النبي صلي الله عليه وسلم: لو اجتمعت علي إن ينفعوك بشيء لم ينفعوك. بل قال: (( لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك)). فالناس بلا شك ينفع بعضهم بعضا، ويعين بعضهم بعضا، ويساعد بعضهم بعضا، لكن كل هذا مما كتبه الله للإنسان، فالفضل لله فيه أولا عز وجل، هو الذي سخر لك من ينفعك ويحسن إليك ويزيل كربتك، وكذلك بالعكس، لو اجتمعوا علي إن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. والإيمان بهذا يستلزم إن يكون الإنسان متعلقا بربه ومتكلا عليه لا يهتم بأحد، لأنه يعلم انهم لو اجتمع كل الخلق علي إن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه. وحيئذ يعلق رجاءه بالله ويعتصم به، ولا يهمه الخلق ولو اجتمعوا عليه، ولهذا نجد الناس في سلف هذه الأمة لما اعتمدوا علي الله وتوكلوا عليه لم يضرهم كيد الكائدين ولا حسد الحاسدين: ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران: من الآية120).
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (( رفعت الأقلام وجفت الصحف)) يعني إن ما كتبه الله فقد انتهي، والصحف جفت من المداد، ولم يبقه مراجعة. فما أصابك لم يكن ليخطئك، كما في اللفظ الثاني: (( وما أخطاءك لم يكن ليصيبك)). وفي اللفظ الثاني قال عليه الصلاة والسلام: (( واعلم إن النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وان مع العسر يسرا)). يعني: اعلم علم يقين إن النصر مع الصبر، فإذا صبرت وفعلتما أمرك الله به من وسائل النصر فان الله تعالى ينصرك. والصبر هنا يشمل الصبر علي طاعة الله، وعن معصيته، وعلي أقداره المؤلمة، لان العدو يصيب الإنسان من كل جهة، فقد يشعر الإنسان انه لن يطيق عدوه فيتحسر ويدع الجهاد، وقد يشرع في الجهاد ولكن إذا أصابه الأذى استحسر وتوقف، وقد يستمر ولكنه يصيبه الألم من عدوه، فهذا أيضا يجب إن يصبر عليه. قال الله تعالى: ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ) (آل عمران: من الآية140)، وقال تعالى: ( وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) (النساء:104)، فإذا صبر الإنسان وصابر ورابط فان الله سبحانه وتعالى ينصره.
وقوله: (( واعلم إن الفرج مع الكرب)). كلما اكتربت الأمور وضاقت فان الفرج قريب، لان الله _ عز وجل_ يقول في كتابه: ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ الإله مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ) (النمل:62)، فكلما اشتدت الأمور فانتظر الفرج من الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (( إن مع العسر يسرا)) فكل عسر بعده يسر، بل إن العسر محفوف بيسرين، يسر سابق ويسر لاحق. قال الله تعالى: ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا ً)(5) ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) (الشرح:6،5)، وقال ابن عباس_ رضي الله عنهما_: (( لن يغلب عسر يسرين)). فهذا الحديث الذي أوصى به النبي صلي الله عليه وسلم عبد الله بن عباس_ رضي الله عنهما_ ينبغي للإنسان إن يكون علي ذكر له دائما، وان يعتمد علي هذه الوصايا النافعة التي أوصى بها النبي صلي الله عليه وسلم ابن عمه عبد الله بن عباس_ رضي الله عنهما_ والله الموفق.
المصدر : شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين
لفضيلة الشيخ العلامة / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله