صدريد
10-04-2003, 03:53 PM
نسبتهم 69% من ايتام دور الايواء في جدة
اللقطاء ابناء العزوبية والمخدرات وضعف الايمان
السبت 27 سبتمبر 2003 13:34
جدة - منى المنجومي - نيروز بكر: عندما فوجئ المواطن عبد الله، وصديقه، بطفلة، لا يتجاوز عمرها يومين، ملفوفة في قطعة من الصوف، فوق سيارته في ساعة متأخرة من الليل, لم يكن يعلم أن مثل هذه الحالات تتكرر بمعدل يتراوح بين 4 إلى 6 حالات شهرياً في مدينة جدة وحدها.
وكان من الطبيعي أن يتجه بها عبدالله إلى قسم الشرطة، الذي تسلم منه الطفلة، وسمح له بالانصراف بعد إعداد محضر بالحالة، ووعد بمراجعة القسم بعد أسبوع لإتمام الإجراءات بعد التأكد من عدم وجود علاقة له بالواقعة.
أما فيما يتعلق بمصير الطفلة، فأشار الشمراني إلى أن كل ما يعرفه أنهم أرسلوها إلى مستشفى الولادة والأطفال، لفحصها صحياً، ثم سلمت إلى جمعية البر بجدة.
البداية من مستشفى الولادة
وللوقوف على مدى انتشار مثل هذه الحالات وتشخيصها، كان لابد من نقطة بداية، وكان من الطبيعي أن تكون هذه البداية من مستشفى الولادة والأطفال، حيث التقينا مدير الطوارئ بالمستشفى الدكتور عبد الله الشمراني، الذي أشار إلى أن المستشفى يستقبل الأطفال، اللقطاء من الأحياء التابعة للمستشفى، حسب تعليمات الجهات المختصة, وأوضح أن عدد الحالات غير ثابت، ولكنه على أي حال يتراوح في المتوسط بين 4 و6 حالات شهرياً، ولا ترتبط زيادة الحالات أو قلتها بأوقات معينة في السنة، وقد يمر عدد من الشهور دون تلقي أي حالة.
ارتفاع نسبة اللقطاء
وأفاد أستاذ علم الاجتماع المشارك بكلية الآداب في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، الدكتور إبراهيم الجوير، "أنه خلال العشر السنوات الماضية، ارتفعت نسبة اللقطاء بشكل لافت للنظر، ففي زيارتي الأولى لدور رعاية الأيتام قبل 12 سنة كان 75% من سكان الدار من الأيتام الذين فقدوا أحد الوالدين، أما عند زيارتي الأخيرة للدور وجدت أن 96% منهم من فئة اللقطاء، وهذا يدل على عوامل استحدثت في مجتمعنا من ضمنها الفساد وانتشار الرذيلة، لدى بعض أفراد المجتمع، بالإضافة إلى وجود العمالة الوافدة والمتخلفين بشكل كبير, وظهور الفضائيات, وسهولة الاتصالات وكثرة سكان المدن، وانتشار المخدرات والمسكرات بين الشباب, وقلة الوازع الديني".
ويؤكد الجوير "أن الاهتمام بالتربية الدينية الإيمانية السلوكية الحقيقية، وتقليل معدلات العمالة الوافدة للحد الأدنى، يحد من انتشار الفساد ونستطيع تحديد الحلول بصورة واضحة وواقعية".
إجراءات المستشفى
ويضيف مدير الطوارئ الدكتور الشمراني "أن إدارة المستشفى تقوم عادة باستلام الطفل أو الطفلة بعد عمل محضر استلام، تدون فيه معلومات كاملة عن الطفل من كافة الجوانب، وتتلخص في نوعية ولون ملابس الطفل، بالإضافة إلى أوصافه وعمره، حسب تشخيص طبيب أطفال مختص، وفي العادة تتراوح أعمارهم من يوم إلى أسبوع، ومن ثم تجرى لهم كافة الفحوصات للتأكد من خلوهم من الأمراض، فإن كان الطفل سليماً، يتم إيداعه في الحضانة الخاصة بالمستشفى لإكمال الإجراءات المطلوبة، وتحويله فيما بعد إلى إحدى الجمعيات أو دور الإيواء, أما في حالة وجود مرض، ولو التهاب بسيط فإن المستشفى يعالجه أولاً، قبل إرساله".
إجراءات احترازية
ويشير الدكتور الشمراني إلى أنه في حالة دخول أي حالة ولادة فإن المستشفى يقوم بالتأكد من أوراق إثبات شخصية الأم الحامل والزوج، وعادة ما يطلب دفتر العائلة أو عقد النكاح إذا لم يتوافر الأول، وإلا يتم احتجاز المريضة إلى أن يتم إحضار ما يثبت هوية الجنين.
ويؤكد الشمراني أن المستشفى لم يواجه أي حالة هروب لأم بعد الولادة, وأن مثل هذه الولادات تتم في المنازل دائماً.
العلاج قبل التحويل
وأوضح مدير قسم العناية الخاصة للمواليد بالمستشفى استشاري الأطفال الدكتور علي فتيحي أن هذه الفئة من الأطفال عرضة للأمراض أكثر من غيرهم من الأطفال بسبب عوامل نفسية واجتماعية تمر بها الأم فترة الحمل.
ويضيف الدكتور فتيحي أن هؤلاء الأطفال، يتعرضون للإصابة بالالتهاب والتشنجات أكثر من غيرهم، بسبب تعرضهم للظروف القاسية التي تؤثر على استقرار حالتهم أو ارتفاع درجة الحرارة التي قد تكون قاتلة بسبب إلقائه في الطريق أو الأماكن القذرة، خاصة أن الأطفال في حاجة للرعاية في الأيام الأولى من ولادتهم.
التحول إلى ذوي احتياجات خاصة
وأكد استشاري جراحة الأعصاب والأطفال الدكتور يوسف أبوطالب "أن هناك العديد من اللقطاء يتحولون إلى ذوي احتياجات خاصة لعدة أسباب منها ترك الأم لطفلها في أماكن قذرة، مثل صناديق النفايات، وعادة ما يكون ذلك بعد ولادتهم بساعات أو يوم أو يومين مما يؤثر على الطفل حديث الولادة، نتيجة لتعرضه لعوامل منها أشعة الشمس والطقس غير المناسب لحالته غير المستقرة، حيث في الغالب ما يمر وقت طويل قبل أن يجده أحد، ويتم نقله إلى المستشفى.
صعوبات الولادة
ويضيف اختصاصي طب أعصاب الأطفال الدكتور أحمد فدعق "أن اللقيط معرض للإصابة بأمراض أكثر من غيره من الأطفال، حيث غالباً ما تكون عملية الولادة في المنزل وبعيدة عن العناية الطبية، كما أن هناك العديد من المشكلات والأوضاع المادية والنفسية والاجتماعية التي تحيط بالأم، والتي تؤثر على صحة الطفل بالضرورة".
ويضيف فدعق "أن الافتقاد إلى الرعاية الخاصة تعرض الطفل إلى الكثير من المشكلات الصحية، كالحول والإعاقة في الرأس، نتيجة ولادته في ظروف قاسية، وإلقائه على الأجسام القذرة أو القاسية، ما يؤثر على رأسه، وإصابته بحالات جسيمة، كما تصاب أيضاً أعضاؤه التناسلية نتيجة عدم إجراء فحوصات دقيقة، خاصة عند ولادته بعيب خلقي، وينتج عن هذه الأمور كبت نفسي للطفل، ثم معاناة نفسية يتعرض لها حين يشتد عوده ويعلم أنه لقيط أو مجهول الهوية.
افتقاد الأمن والتقدير
وأشارت الاختصاصية النفسية ببيت الطفل لإيواء الأيتام بمكة المكرمة هند عبد الرزاق الهوساوي "أن الافتقاد إلى الأمن والتقدير الاجتماعي والانتماء، يدفع هذه الشريحة من الأطفال إلى اللجوء إلى السلوك العدواني أو المضطرب للتغلب على بيئته وإرغامها على تحقيق مطالبه، كما يكتسب صفة العناد والتي تسبب إزعاجاً مستمراً للعاملين في الدور الايوائية، وهذا ينتج عن عوامل اجتماعية مختلفة، كالقسوة في المعاملة أو الضرب والتجريح وإهانة الطفل والنقد أمام الآخرين".
وتستدرك الهوساوي "وهذا ينعكس على الطفل كذلك حيث يعاني من التبول اللاإرادي وهو مؤشر مهم لعدم شعور الطفل بالأمن، مما ينتج لديه خوفا وقلقا، ولجوء للكذب، تقليداً للكبار أو الخوف من العقاب والرغبة في الحصول على الاهتمام".
وتضيف الهوساوي "أن اللقطاء غالباً ما يصابون بعدد من الأمراض النفسية والتوترات العصبية نتيجة القلق والغضب والإحساس بعدم الأمان، وتكثر بينهم الأمراض الجسدية مثل الربو الشعبي والأنيميا المنجلية واضطرابات الشهية أو العزوف عن الأكل والكتمة والارتفاع في درجة الحرارة وغير ذلك، كما يصابون بحالات فقدان ثقة بالنفس، بسبب الخبرات السيئة وسوء المعاملة ورفض دوره والمقارنة المستمرة بينه وبين الآخرين.
لهم حقوق على المجتمع
ويقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور إبراهيم الجوير "إن مثل هؤلاء اللقطاء، لهم حق علينا ومن واجبنا الاعتناء بهم، وهم أبناء هذا المجتمع ولابد ألا يظلموا كما ظلموا في بداية حياتهم من أهليهم وأمهاتهم، لذنب لم يرتكبوه, وأرى أن أسلوب الكفالة الشخصية، عن طريق الأسر البديلة، هو الأنسب لرعايتهم، خاصة إذا قامت تلك الأسر بإرضاعهم ويصبحون أولاداً لهم حيث إنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب, وأنشأتهم على أسس قويمة مستمدة من التعاليم الإسلامية السليمة".
ويضيف الجوير "أن الدولة وفرت لهم العديد من دور الرعاية الاجتماعية التي تقوم على رعايتهم منذ نعومة أظفارهم في الحضانات التابعة لها. أو بيوت الضيافة, التي تقوم على رعايتهم وتربيتهم حتى يكونوا أفراداً لهم دور فعال في مجتمعهم".
ويؤكد الجوير على أهمية وضع برامج دورية دائمة، حيث تتم تنشئتهم تنشئة سليمة، وجعل كل أسرة تتكون من 5 إلى 10 أشخاص لهم عم اعتباري وخال اعتباري، بحيث يقوم هذا العم والخال بالسؤال الدائم عنهم وتتبع أخبارهم ودروسهم, ويقدم لهم النصح والإرشاد, وكذلك مراقبة نشاطهم وعلاقاتهم وترتيب اللقاءات التي تهدف لتعريف المجتمع بهم وتعريفهم بالمجتمع كاللقاءات الرياضية والاجتماعية مع مدارس قريبة منهم كذلك تنظيم زيارات للمدارس لدور الإيواء والرعاية الاجتماعية وإقامة مخيمات صيفية يمارسون فيها مختلف النشاطات.
تحذير من المبالغة في العطف
ويحذر الجوير من مسألة المبالغة في العطف، ويؤكد على ضرورة تنشئتهم بصورة طبيعية وواقعية، وتعويدهم الاعتماد على النفس والتضحية، وتحمل تبعات الحياة بما فيها من مشقة وصعوبات.
ويؤكد الجوير على مبدأ الصراحة في التعامل معهم دون جرح لمشاعرهم، وتقديم نماذج كان لها دور فعال في مجتمعهم، وزرع الثقة في النفس ونزع الشعور بالدونية في نفوسهم.
المعاناة داخل الأسر البديلة
وأوضح مصدر مسؤول بإحدى دور الإيواء أن الأسر البديلة تعد من أهم الوسائل لرعاية الأيتام "مجهولي الهوية"، أو اللقطاء، لتعويضهم عن أسرهم الطبيعية التي حرموا منها، ليكتسبوا منها ما ينقصهم من الاحتياجات الفردية الضرورية لتكوينهم التكوين الاجتماعي والنفسي وبناء شخصياتهم، واستقاء المبادئ والقيم الأسرية والمفاهيم العامة للمجتمع، حتى تصبح شحصياتهم مستقرة وصالحة من جميع النواحي.
وأضاف "أن إيداع الطفل في دار الحضانة هو حل بديل في حالة عدم وجود أسرة مناسبة تحتضنه، ولا يستطيع أحد إدعاء أن المؤسسات الايوائية يمكنها أن تشبع حاجاته الضرورية ولو بجزءٍ يسيرٍ، بدلاً من أسرته الطبيعية التي يمكن أن توفر له أغلب الاحتياجات".
ويؤكد أنه "في ذات الوقت الذي تعد فيه الأسر البديلة من أهم برامج رعاية الأيتام "مجهولي الهوية"، إلا أنها لن تستطيع تحقيق النتائج الإيجابية والأهداف المرجوة لمن تحتضنهم والاستفادة من معطياتها إلا بقدر وعيها بما يواجهها من عقبات ومنعطفات حادة تعترض طريقها مع المحتضن، ومحاولة تخطيها فالأمر لا يتوقف على مجرد ضم الطفل المحتضن للعيش بداخلها، بل إن الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة للمحتضن، وليس للأسرة الحاضنة فحسب، حيث تواجه الأسر البديلة في فترة الاحتضان كثيرا من الإشكاليات الصعبة والعقبات التي تحتاج إلى أن تتعامل معها الأسر بعناية فائقة وبحكمة بالغة، حيث فشلت كثير من حالات الاحتضان بسبب هذه المشكلات التي تقع فيها الأسر البديلة التي لم تحسب أبعادها ومن هذه الإشكاليات التي تعاني منها الأسر البديلة والأيتام المحتضنون:
شعور الطفل المحتضن داخل الأسرة البديلة بحاجته إلى من يفهمه ويقدر شعوره الناتج عن حرمانه الأصلي من عطف الأسرة الطبيعية الذي يعوضه الحرمان العاطفي الناتج من عدم وجود أبوين حقيقيين، حيث من الممكن أن يكون التدليل المبالغ فيه من قبل الأسرة الحاضنة أو الإساءة المستمرة منها سبباً في انحراف المحتضن أو سوء أخلاقه.
غياب المتابعة والمسؤولية الضابطة لدى الأسر مما يؤثر على الطفل، إلى جانب الأفكار السيئة التي تؤثر على المحتضنين".
ويشير المصدر إلى أن هذه الإشكاليات التي تتعرض لها الأسر مع من تحتضنهم من الأيتام كانت سببا رئيسا في انهيار عملية الاحتضان لدى كثير من الأسر في الوقت الذي لم يوجد من يتابعها ويعمل على علاجها واستئصالها بالأسلوب الصحيح قبل أن تستشري، فكانت النتيجة إما التخلي عن المحتضن أو تدهور حالته النفسية والسلوكية أو فشله في دراسته أو إهمال الأسرة له مما يدفعه إلى الانحراف.
ولكي تنجح الأسر البديلة في تحقيق رسالتها تجاه هؤلاء الأيتام، يقول إنه يجب عليها عندما تواجهها أي مشكلة أو صعوبة مع المحتضن أن تتصل بالمختصين في الجهات المسؤولة عن الاحتضان لطلب المساعدة في علاجها فهم أكثر معرفة وخبرة للتعامل مع الموقف أو المشكلة.
وأوضح المصدر أن اليتيم يصطدم بالواقع الذي لم يتعرف عليه بالقدر الكافي وهو في مرحلة أحوج ما يكون فيها إلى من يرشده ويأخذ بيده خاصة وأن أحدهم يواجه هذه المرحلة وحده.
ويشير إلى أن شعور مجهول الهوية بأن ليس لديه أسرة وحرمانه من والديه يخلق لديه شعورا بعدم الاكتراث والتقدير لأحد، مما يؤدي إلى العديد من الاضطرابات السلوكية الناتجة عن شعوره بالضياع الاجتماعي والضياع النفسي، ويترتب على ذلك اصطدامه بالبيئة الاجتماعية في محاولة لإثبات وجوده وقد يلجأ بعضهم إلى الجريمة كالسرقة أو تعاطي الممنوعات والانحرافات الأخلاقية للانتقام من الذات أحيانا أو المجتمع، عندما لم يجدوا من أفراده التكافل الاجتماعي السليم والوقوف بجانبهم معنوياً ومادياً.
صعوبات حياتية
ومنهم من يعاني من صعوبة تأمين المستلزمات والاحتياجات الشخصية مثل إيجار السكن وأمور الزواج والسيارة وهناك أيضا الإحساس بالحرج من الاندماج مع الآخرين بسبب الأسئلة الحرجة من الفضوليين عن الانتماء العائلي والمكاني ومما يعانيه الأيتام الشعور بالوحدة فجأة بعد أن كانوا يعيشون في بيئة جماعية، هذا إلى جانب تدني المستوى التعليمي في الغالب وهذا يكون سببا في صعوبة الحصول على الوظيفة المناسبة للاستقرار الاجتماعي و يدفع ذلك بعضهم إلى البطالة ثم الانحراف كما أن أغلبهم يفشل في الزواج والاستقرار الاجتماعي والأسري لنقص خبرتهم في الحياة وعدم وجود من يقف بجانبهم من أفراد المجتمع ليكونوا لهم سندا في ظروف الحياة وتقلباتها، كما أن أغلبهم يظهر عليه ضعف الشخصية ويكون سهل الانقياد للقرناء والميل للانحراف والشعور بالدونية والنقمة على الذات، ومحاولة مضاهاة الآخرين في كل شيء دون جدوى والتعلق بالمظاهر والشكليات التي تظهر في المجتمع، والغرق في أحلام اليقظة، وتبدو عليهم سلبيات العيش داخل المؤسسات الإيوائية في مرحلة الطفولة والمراهقة مثل جهلهم بالواقع وضعف الثقة في النفس والاستمرار في الاتكالية على الآخرين وعدم الاعتماد على أنفسهم في تأمين احتياجهم.
معاناة فقد الهوية
ويشير المصدر إلى أن وجودهم داخل مؤسسات ايوائية معناه حرمانهم من بيئة الأسرة الطبيعية ومعطياتها على الرغم من الجهود المادية والمعنوية التي تبذل من أجلهم داخل هذه المؤسسات من قبل القائمين عليها، إلا أنها لا يمكن أن تعوضهم عما افتقدوه وحرموا منه ولو بقدر يسير, لعيشهم في بيئة جافة بعيدة عن بيئة الأسرة الطبيعية والجو الأسري المنشود, الذي تسوده الألفة والمحبة، خاصة وأنهم لم يخوضوا تجربة الاندماج في المجتمع، بل هم معزولون عنه داخل أسوار مؤسسات ليس لهم خيار فيها, موكل أمرهم إلى موظفين يعاملونهم جملة لا فرادى, في رعاية جماعية تتسم بالتقييد والإلزام بالنظام الذي لابد منه في تلك البيئات, مما يجعل اليتيم يبدو عليه الشعور بالوحشة والعزلة مفتقدا الاحتياجات الطبيعية مثل الحب والحنان والتقدير والأمن والاستقرار النفسي, والانتماء والحرية, والاستقلال الفردي والخصوصية, واكتساب الخبرات الجديدة وغيرها من الاحتياجات المكونة للشخصية السوية، مما ينعكس سلباً على توافق اللقطاء الشخصي, واستقرارهم الاجتماعي, فإذا لم يتعهدوا بتربية متكاملة الجوانب فإنهم سينتقمون من واقعهم ومجتمعهم بصور شتى, أدناها العزلة وعدم التفاعل, وأعلاها الجريمة بأنماطها المختلفة, معربين بذلك عن شعورهم نحو أنفسهم وبيئتهم.
وأوضح المصدر أن كل فرد له هويته التي يستمد منها تقديره لذاته, و لا يستطيع العيش دونها بين الآخرين, وإذا كانت مجهولة لديه أو اضطربت في ذهنه, سيدخل في حالة اضطراب, وعدم استقرار لا يخرج منها ما دام فاقدا لهويته، لذا يعيش مجهولو الهوية داخل المؤسسات الإيوائية في حيرة وقلق من حقيقة واقعهم, لأنهم لا يعرفون من أين أتوا و أين أسرهم وكيف فقدوا وما أصل وجودهم في هذا الحياة؟ وماذا عن صحة أسمائهم ؟ أسئلة كثيرة يسألونها ويكررونها، وهي أين أهلي؟ ما هو لقب عائلتي؟ من أين أتيت؟ كيف فقدت؟ كيف وضعت في هذا المكان؟ ولا يجدون لهذه الأسئلة جوابا شافياً، إلى أن يكبروا وتكبر معهم هذه الأسئلة المحيرة فينجرفوا نحو دائرة الشكوك والأوهام تجاه وجودهم ويعبرون عما في نفوسهم بالانطواء والسرحان و الحزن العميق واختلاق القصص الكاذبة عن أنفسهم فيظلون على حالة غير مستقرة من الناحية النفسية والاجتماعية والسلوكية التي تؤثر سلبا على حياتهم في المستقبل.
الوطن السعودية
اللقطاء ابناء العزوبية والمخدرات وضعف الايمان
السبت 27 سبتمبر 2003 13:34
جدة - منى المنجومي - نيروز بكر: عندما فوجئ المواطن عبد الله، وصديقه، بطفلة، لا يتجاوز عمرها يومين، ملفوفة في قطعة من الصوف، فوق سيارته في ساعة متأخرة من الليل, لم يكن يعلم أن مثل هذه الحالات تتكرر بمعدل يتراوح بين 4 إلى 6 حالات شهرياً في مدينة جدة وحدها.
وكان من الطبيعي أن يتجه بها عبدالله إلى قسم الشرطة، الذي تسلم منه الطفلة، وسمح له بالانصراف بعد إعداد محضر بالحالة، ووعد بمراجعة القسم بعد أسبوع لإتمام الإجراءات بعد التأكد من عدم وجود علاقة له بالواقعة.
أما فيما يتعلق بمصير الطفلة، فأشار الشمراني إلى أن كل ما يعرفه أنهم أرسلوها إلى مستشفى الولادة والأطفال، لفحصها صحياً، ثم سلمت إلى جمعية البر بجدة.
البداية من مستشفى الولادة
وللوقوف على مدى انتشار مثل هذه الحالات وتشخيصها، كان لابد من نقطة بداية، وكان من الطبيعي أن تكون هذه البداية من مستشفى الولادة والأطفال، حيث التقينا مدير الطوارئ بالمستشفى الدكتور عبد الله الشمراني، الذي أشار إلى أن المستشفى يستقبل الأطفال، اللقطاء من الأحياء التابعة للمستشفى، حسب تعليمات الجهات المختصة, وأوضح أن عدد الحالات غير ثابت، ولكنه على أي حال يتراوح في المتوسط بين 4 و6 حالات شهرياً، ولا ترتبط زيادة الحالات أو قلتها بأوقات معينة في السنة، وقد يمر عدد من الشهور دون تلقي أي حالة.
ارتفاع نسبة اللقطاء
وأفاد أستاذ علم الاجتماع المشارك بكلية الآداب في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، الدكتور إبراهيم الجوير، "أنه خلال العشر السنوات الماضية، ارتفعت نسبة اللقطاء بشكل لافت للنظر، ففي زيارتي الأولى لدور رعاية الأيتام قبل 12 سنة كان 75% من سكان الدار من الأيتام الذين فقدوا أحد الوالدين، أما عند زيارتي الأخيرة للدور وجدت أن 96% منهم من فئة اللقطاء، وهذا يدل على عوامل استحدثت في مجتمعنا من ضمنها الفساد وانتشار الرذيلة، لدى بعض أفراد المجتمع، بالإضافة إلى وجود العمالة الوافدة والمتخلفين بشكل كبير, وظهور الفضائيات, وسهولة الاتصالات وكثرة سكان المدن، وانتشار المخدرات والمسكرات بين الشباب, وقلة الوازع الديني".
ويؤكد الجوير "أن الاهتمام بالتربية الدينية الإيمانية السلوكية الحقيقية، وتقليل معدلات العمالة الوافدة للحد الأدنى، يحد من انتشار الفساد ونستطيع تحديد الحلول بصورة واضحة وواقعية".
إجراءات المستشفى
ويضيف مدير الطوارئ الدكتور الشمراني "أن إدارة المستشفى تقوم عادة باستلام الطفل أو الطفلة بعد عمل محضر استلام، تدون فيه معلومات كاملة عن الطفل من كافة الجوانب، وتتلخص في نوعية ولون ملابس الطفل، بالإضافة إلى أوصافه وعمره، حسب تشخيص طبيب أطفال مختص، وفي العادة تتراوح أعمارهم من يوم إلى أسبوع، ومن ثم تجرى لهم كافة الفحوصات للتأكد من خلوهم من الأمراض، فإن كان الطفل سليماً، يتم إيداعه في الحضانة الخاصة بالمستشفى لإكمال الإجراءات المطلوبة، وتحويله فيما بعد إلى إحدى الجمعيات أو دور الإيواء, أما في حالة وجود مرض، ولو التهاب بسيط فإن المستشفى يعالجه أولاً، قبل إرساله".
إجراءات احترازية
ويشير الدكتور الشمراني إلى أنه في حالة دخول أي حالة ولادة فإن المستشفى يقوم بالتأكد من أوراق إثبات شخصية الأم الحامل والزوج، وعادة ما يطلب دفتر العائلة أو عقد النكاح إذا لم يتوافر الأول، وإلا يتم احتجاز المريضة إلى أن يتم إحضار ما يثبت هوية الجنين.
ويؤكد الشمراني أن المستشفى لم يواجه أي حالة هروب لأم بعد الولادة, وأن مثل هذه الولادات تتم في المنازل دائماً.
العلاج قبل التحويل
وأوضح مدير قسم العناية الخاصة للمواليد بالمستشفى استشاري الأطفال الدكتور علي فتيحي أن هذه الفئة من الأطفال عرضة للأمراض أكثر من غيرهم من الأطفال بسبب عوامل نفسية واجتماعية تمر بها الأم فترة الحمل.
ويضيف الدكتور فتيحي أن هؤلاء الأطفال، يتعرضون للإصابة بالالتهاب والتشنجات أكثر من غيرهم، بسبب تعرضهم للظروف القاسية التي تؤثر على استقرار حالتهم أو ارتفاع درجة الحرارة التي قد تكون قاتلة بسبب إلقائه في الطريق أو الأماكن القذرة، خاصة أن الأطفال في حاجة للرعاية في الأيام الأولى من ولادتهم.
التحول إلى ذوي احتياجات خاصة
وأكد استشاري جراحة الأعصاب والأطفال الدكتور يوسف أبوطالب "أن هناك العديد من اللقطاء يتحولون إلى ذوي احتياجات خاصة لعدة أسباب منها ترك الأم لطفلها في أماكن قذرة، مثل صناديق النفايات، وعادة ما يكون ذلك بعد ولادتهم بساعات أو يوم أو يومين مما يؤثر على الطفل حديث الولادة، نتيجة لتعرضه لعوامل منها أشعة الشمس والطقس غير المناسب لحالته غير المستقرة، حيث في الغالب ما يمر وقت طويل قبل أن يجده أحد، ويتم نقله إلى المستشفى.
صعوبات الولادة
ويضيف اختصاصي طب أعصاب الأطفال الدكتور أحمد فدعق "أن اللقيط معرض للإصابة بأمراض أكثر من غيره من الأطفال، حيث غالباً ما تكون عملية الولادة في المنزل وبعيدة عن العناية الطبية، كما أن هناك العديد من المشكلات والأوضاع المادية والنفسية والاجتماعية التي تحيط بالأم، والتي تؤثر على صحة الطفل بالضرورة".
ويضيف فدعق "أن الافتقاد إلى الرعاية الخاصة تعرض الطفل إلى الكثير من المشكلات الصحية، كالحول والإعاقة في الرأس، نتيجة ولادته في ظروف قاسية، وإلقائه على الأجسام القذرة أو القاسية، ما يؤثر على رأسه، وإصابته بحالات جسيمة، كما تصاب أيضاً أعضاؤه التناسلية نتيجة عدم إجراء فحوصات دقيقة، خاصة عند ولادته بعيب خلقي، وينتج عن هذه الأمور كبت نفسي للطفل، ثم معاناة نفسية يتعرض لها حين يشتد عوده ويعلم أنه لقيط أو مجهول الهوية.
افتقاد الأمن والتقدير
وأشارت الاختصاصية النفسية ببيت الطفل لإيواء الأيتام بمكة المكرمة هند عبد الرزاق الهوساوي "أن الافتقاد إلى الأمن والتقدير الاجتماعي والانتماء، يدفع هذه الشريحة من الأطفال إلى اللجوء إلى السلوك العدواني أو المضطرب للتغلب على بيئته وإرغامها على تحقيق مطالبه، كما يكتسب صفة العناد والتي تسبب إزعاجاً مستمراً للعاملين في الدور الايوائية، وهذا ينتج عن عوامل اجتماعية مختلفة، كالقسوة في المعاملة أو الضرب والتجريح وإهانة الطفل والنقد أمام الآخرين".
وتستدرك الهوساوي "وهذا ينعكس على الطفل كذلك حيث يعاني من التبول اللاإرادي وهو مؤشر مهم لعدم شعور الطفل بالأمن، مما ينتج لديه خوفا وقلقا، ولجوء للكذب، تقليداً للكبار أو الخوف من العقاب والرغبة في الحصول على الاهتمام".
وتضيف الهوساوي "أن اللقطاء غالباً ما يصابون بعدد من الأمراض النفسية والتوترات العصبية نتيجة القلق والغضب والإحساس بعدم الأمان، وتكثر بينهم الأمراض الجسدية مثل الربو الشعبي والأنيميا المنجلية واضطرابات الشهية أو العزوف عن الأكل والكتمة والارتفاع في درجة الحرارة وغير ذلك، كما يصابون بحالات فقدان ثقة بالنفس، بسبب الخبرات السيئة وسوء المعاملة ورفض دوره والمقارنة المستمرة بينه وبين الآخرين.
لهم حقوق على المجتمع
ويقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور إبراهيم الجوير "إن مثل هؤلاء اللقطاء، لهم حق علينا ومن واجبنا الاعتناء بهم، وهم أبناء هذا المجتمع ولابد ألا يظلموا كما ظلموا في بداية حياتهم من أهليهم وأمهاتهم، لذنب لم يرتكبوه, وأرى أن أسلوب الكفالة الشخصية، عن طريق الأسر البديلة، هو الأنسب لرعايتهم، خاصة إذا قامت تلك الأسر بإرضاعهم ويصبحون أولاداً لهم حيث إنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب, وأنشأتهم على أسس قويمة مستمدة من التعاليم الإسلامية السليمة".
ويضيف الجوير "أن الدولة وفرت لهم العديد من دور الرعاية الاجتماعية التي تقوم على رعايتهم منذ نعومة أظفارهم في الحضانات التابعة لها. أو بيوت الضيافة, التي تقوم على رعايتهم وتربيتهم حتى يكونوا أفراداً لهم دور فعال في مجتمعهم".
ويؤكد الجوير على أهمية وضع برامج دورية دائمة، حيث تتم تنشئتهم تنشئة سليمة، وجعل كل أسرة تتكون من 5 إلى 10 أشخاص لهم عم اعتباري وخال اعتباري، بحيث يقوم هذا العم والخال بالسؤال الدائم عنهم وتتبع أخبارهم ودروسهم, ويقدم لهم النصح والإرشاد, وكذلك مراقبة نشاطهم وعلاقاتهم وترتيب اللقاءات التي تهدف لتعريف المجتمع بهم وتعريفهم بالمجتمع كاللقاءات الرياضية والاجتماعية مع مدارس قريبة منهم كذلك تنظيم زيارات للمدارس لدور الإيواء والرعاية الاجتماعية وإقامة مخيمات صيفية يمارسون فيها مختلف النشاطات.
تحذير من المبالغة في العطف
ويحذر الجوير من مسألة المبالغة في العطف، ويؤكد على ضرورة تنشئتهم بصورة طبيعية وواقعية، وتعويدهم الاعتماد على النفس والتضحية، وتحمل تبعات الحياة بما فيها من مشقة وصعوبات.
ويؤكد الجوير على مبدأ الصراحة في التعامل معهم دون جرح لمشاعرهم، وتقديم نماذج كان لها دور فعال في مجتمعهم، وزرع الثقة في النفس ونزع الشعور بالدونية في نفوسهم.
المعاناة داخل الأسر البديلة
وأوضح مصدر مسؤول بإحدى دور الإيواء أن الأسر البديلة تعد من أهم الوسائل لرعاية الأيتام "مجهولي الهوية"، أو اللقطاء، لتعويضهم عن أسرهم الطبيعية التي حرموا منها، ليكتسبوا منها ما ينقصهم من الاحتياجات الفردية الضرورية لتكوينهم التكوين الاجتماعي والنفسي وبناء شخصياتهم، واستقاء المبادئ والقيم الأسرية والمفاهيم العامة للمجتمع، حتى تصبح شحصياتهم مستقرة وصالحة من جميع النواحي.
وأضاف "أن إيداع الطفل في دار الحضانة هو حل بديل في حالة عدم وجود أسرة مناسبة تحتضنه، ولا يستطيع أحد إدعاء أن المؤسسات الايوائية يمكنها أن تشبع حاجاته الضرورية ولو بجزءٍ يسيرٍ، بدلاً من أسرته الطبيعية التي يمكن أن توفر له أغلب الاحتياجات".
ويؤكد أنه "في ذات الوقت الذي تعد فيه الأسر البديلة من أهم برامج رعاية الأيتام "مجهولي الهوية"، إلا أنها لن تستطيع تحقيق النتائج الإيجابية والأهداف المرجوة لمن تحتضنهم والاستفادة من معطياتها إلا بقدر وعيها بما يواجهها من عقبات ومنعطفات حادة تعترض طريقها مع المحتضن، ومحاولة تخطيها فالأمر لا يتوقف على مجرد ضم الطفل المحتضن للعيش بداخلها، بل إن الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة للمحتضن، وليس للأسرة الحاضنة فحسب، حيث تواجه الأسر البديلة في فترة الاحتضان كثيرا من الإشكاليات الصعبة والعقبات التي تحتاج إلى أن تتعامل معها الأسر بعناية فائقة وبحكمة بالغة، حيث فشلت كثير من حالات الاحتضان بسبب هذه المشكلات التي تقع فيها الأسر البديلة التي لم تحسب أبعادها ومن هذه الإشكاليات التي تعاني منها الأسر البديلة والأيتام المحتضنون:
شعور الطفل المحتضن داخل الأسرة البديلة بحاجته إلى من يفهمه ويقدر شعوره الناتج عن حرمانه الأصلي من عطف الأسرة الطبيعية الذي يعوضه الحرمان العاطفي الناتج من عدم وجود أبوين حقيقيين، حيث من الممكن أن يكون التدليل المبالغ فيه من قبل الأسرة الحاضنة أو الإساءة المستمرة منها سبباً في انحراف المحتضن أو سوء أخلاقه.
غياب المتابعة والمسؤولية الضابطة لدى الأسر مما يؤثر على الطفل، إلى جانب الأفكار السيئة التي تؤثر على المحتضنين".
ويشير المصدر إلى أن هذه الإشكاليات التي تتعرض لها الأسر مع من تحتضنهم من الأيتام كانت سببا رئيسا في انهيار عملية الاحتضان لدى كثير من الأسر في الوقت الذي لم يوجد من يتابعها ويعمل على علاجها واستئصالها بالأسلوب الصحيح قبل أن تستشري، فكانت النتيجة إما التخلي عن المحتضن أو تدهور حالته النفسية والسلوكية أو فشله في دراسته أو إهمال الأسرة له مما يدفعه إلى الانحراف.
ولكي تنجح الأسر البديلة في تحقيق رسالتها تجاه هؤلاء الأيتام، يقول إنه يجب عليها عندما تواجهها أي مشكلة أو صعوبة مع المحتضن أن تتصل بالمختصين في الجهات المسؤولة عن الاحتضان لطلب المساعدة في علاجها فهم أكثر معرفة وخبرة للتعامل مع الموقف أو المشكلة.
وأوضح المصدر أن اليتيم يصطدم بالواقع الذي لم يتعرف عليه بالقدر الكافي وهو في مرحلة أحوج ما يكون فيها إلى من يرشده ويأخذ بيده خاصة وأن أحدهم يواجه هذه المرحلة وحده.
ويشير إلى أن شعور مجهول الهوية بأن ليس لديه أسرة وحرمانه من والديه يخلق لديه شعورا بعدم الاكتراث والتقدير لأحد، مما يؤدي إلى العديد من الاضطرابات السلوكية الناتجة عن شعوره بالضياع الاجتماعي والضياع النفسي، ويترتب على ذلك اصطدامه بالبيئة الاجتماعية في محاولة لإثبات وجوده وقد يلجأ بعضهم إلى الجريمة كالسرقة أو تعاطي الممنوعات والانحرافات الأخلاقية للانتقام من الذات أحيانا أو المجتمع، عندما لم يجدوا من أفراده التكافل الاجتماعي السليم والوقوف بجانبهم معنوياً ومادياً.
صعوبات حياتية
ومنهم من يعاني من صعوبة تأمين المستلزمات والاحتياجات الشخصية مثل إيجار السكن وأمور الزواج والسيارة وهناك أيضا الإحساس بالحرج من الاندماج مع الآخرين بسبب الأسئلة الحرجة من الفضوليين عن الانتماء العائلي والمكاني ومما يعانيه الأيتام الشعور بالوحدة فجأة بعد أن كانوا يعيشون في بيئة جماعية، هذا إلى جانب تدني المستوى التعليمي في الغالب وهذا يكون سببا في صعوبة الحصول على الوظيفة المناسبة للاستقرار الاجتماعي و يدفع ذلك بعضهم إلى البطالة ثم الانحراف كما أن أغلبهم يفشل في الزواج والاستقرار الاجتماعي والأسري لنقص خبرتهم في الحياة وعدم وجود من يقف بجانبهم من أفراد المجتمع ليكونوا لهم سندا في ظروف الحياة وتقلباتها، كما أن أغلبهم يظهر عليه ضعف الشخصية ويكون سهل الانقياد للقرناء والميل للانحراف والشعور بالدونية والنقمة على الذات، ومحاولة مضاهاة الآخرين في كل شيء دون جدوى والتعلق بالمظاهر والشكليات التي تظهر في المجتمع، والغرق في أحلام اليقظة، وتبدو عليهم سلبيات العيش داخل المؤسسات الإيوائية في مرحلة الطفولة والمراهقة مثل جهلهم بالواقع وضعف الثقة في النفس والاستمرار في الاتكالية على الآخرين وعدم الاعتماد على أنفسهم في تأمين احتياجهم.
معاناة فقد الهوية
ويشير المصدر إلى أن وجودهم داخل مؤسسات ايوائية معناه حرمانهم من بيئة الأسرة الطبيعية ومعطياتها على الرغم من الجهود المادية والمعنوية التي تبذل من أجلهم داخل هذه المؤسسات من قبل القائمين عليها، إلا أنها لا يمكن أن تعوضهم عما افتقدوه وحرموا منه ولو بقدر يسير, لعيشهم في بيئة جافة بعيدة عن بيئة الأسرة الطبيعية والجو الأسري المنشود, الذي تسوده الألفة والمحبة، خاصة وأنهم لم يخوضوا تجربة الاندماج في المجتمع، بل هم معزولون عنه داخل أسوار مؤسسات ليس لهم خيار فيها, موكل أمرهم إلى موظفين يعاملونهم جملة لا فرادى, في رعاية جماعية تتسم بالتقييد والإلزام بالنظام الذي لابد منه في تلك البيئات, مما يجعل اليتيم يبدو عليه الشعور بالوحشة والعزلة مفتقدا الاحتياجات الطبيعية مثل الحب والحنان والتقدير والأمن والاستقرار النفسي, والانتماء والحرية, والاستقلال الفردي والخصوصية, واكتساب الخبرات الجديدة وغيرها من الاحتياجات المكونة للشخصية السوية، مما ينعكس سلباً على توافق اللقطاء الشخصي, واستقرارهم الاجتماعي, فإذا لم يتعهدوا بتربية متكاملة الجوانب فإنهم سينتقمون من واقعهم ومجتمعهم بصور شتى, أدناها العزلة وعدم التفاعل, وأعلاها الجريمة بأنماطها المختلفة, معربين بذلك عن شعورهم نحو أنفسهم وبيئتهم.
وأوضح المصدر أن كل فرد له هويته التي يستمد منها تقديره لذاته, و لا يستطيع العيش دونها بين الآخرين, وإذا كانت مجهولة لديه أو اضطربت في ذهنه, سيدخل في حالة اضطراب, وعدم استقرار لا يخرج منها ما دام فاقدا لهويته، لذا يعيش مجهولو الهوية داخل المؤسسات الإيوائية في حيرة وقلق من حقيقة واقعهم, لأنهم لا يعرفون من أين أتوا و أين أسرهم وكيف فقدوا وما أصل وجودهم في هذا الحياة؟ وماذا عن صحة أسمائهم ؟ أسئلة كثيرة يسألونها ويكررونها، وهي أين أهلي؟ ما هو لقب عائلتي؟ من أين أتيت؟ كيف فقدت؟ كيف وضعت في هذا المكان؟ ولا يجدون لهذه الأسئلة جوابا شافياً، إلى أن يكبروا وتكبر معهم هذه الأسئلة المحيرة فينجرفوا نحو دائرة الشكوك والأوهام تجاه وجودهم ويعبرون عما في نفوسهم بالانطواء والسرحان و الحزن العميق واختلاق القصص الكاذبة عن أنفسهم فيظلون على حالة غير مستقرة من الناحية النفسية والاجتماعية والسلوكية التي تؤثر سلبا على حياتهم في المستقبل.
الوطن السعودية