فتى الأزد
11-18-2009, 02:18 PM
كيف نتعاطى مع التاريخ العسيري ، أي تاريخ منطقة عسير في ظل ما تعرف به هذه المنطقة من اكتظاظ قبلي نادر من نوعه ؟؟؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من التأكيد على أن التعاطي مع التاريخ العسيري من خلال خلفية قبلية خطأ فادح ، ذلك أنه يثير الكثير من الإشكاليات ، ويفتقد الموضوعية والمنهجية ، ويؤثر عليها في مسألة التدوين التاريخي العسيري .
ويمكن إبراز أهم هذه الإشكاليات على النحو التالي :
أولاً : التعاطي مع التاريخ العسيري على خلفية قبلية يؤدي بالضرورة إلى وضع الفرد العسيري في صف عمودي وفئوي جائر بدلاً من أن يكون في صف أفقي شمولي عادل ، وذلك بالتركيز على فئة بشرية معينة – القبيلة – على حساب فئة بشرية أخرى .
ثانياً : التعاطي مع التاريخ العسيري من خلال خلفية قبلية – هو بالضرورة – يؤدي إلى الانحدار بالتاريخ العسيري من تاريخ الملك والدولة إلى تاريخ القبيلة ، وبالتالي فهو ينسف جوانب ورؤى تاريخية عديدة في التاريخ العسيري .
إن هذا التعاطي يلغي فكرة الدولة والكيان السياسي الذي دانت له قبائل المنطقة ، أو على الأقل هو يفضي بالضرورة إلى البراءة والامتعاض من الكيان السياسي السابق ، ومحاولة حصره في عسير القبيلة أو مدينة أبها ، هذا إن كان المؤرخ – إن جاز هذا الوصف فيه - من خارج عسير القبيلة ( مثال على ذلك ، انظر : منتديات شهران وكيف يحاول مؤرخو هذا المنتدى إنكار تبعية بيشة لحكم آل عائض ، والامتعاض من هذا الحكم ) .
المؤرخ من خارج عسير القبيلة على أقل تقدير يتجاهل دوماً الوضع السياسي في عسير ، ويحاول تدوين تاريخ قبيلته بذكر أنسابها ، وتعديد فرسانها ، والإحاطة بشعرائها ، وربطها مباشرة بالوضع السياسي الحالي ، في حين يتجاهل ما قبله من أوضاع سياسية ، ولا يحاول إبراز دور قبيلته في بناء الكيانات السياسية المتعاقبة في عسير ، ككيان آل يزيد بدوريه ، وكيان آل المتحمي . ( مثال على ذلك : انظر كتاب :الدليل والبرهان في أنساب قبائل قحطان ، لابن شداد الحبابي القحطاني ، وكتاب نافذة الفكر في نسب رجال الحجر ، والأواس بن الحجر لابن ردّاد الأسمري ) .
هذا فيما يختص بمؤرخي بعض القبائل في عسير ، أما إن كان من داخل قبيلة عسير ويمارس ذات التعاطي ، فإن تدوينه التاريخي سيكون مرتكزاً على عسير القبيلة ، بل ويرتكز حصرياً على الفرع القبلي المنتمي إلى عسير القبيلة كمحور رئيس في الأحداث التاريخية ، وذلك على حساب الأدوار التاريخية الأخرى ، التي ساهمت فيها القبائل الأخرى بذات الأهمية التي مارستها عسير القبيلة .
ثالثاً : التعاطي مع التاريخ العسيري من خلال الخلفية القبلية يلغي أو على الأقل لا يهتم أبداً بالصمود الموحد الذي قامت به الكيانات السياسية المحلية وأمراءها وقبائلها أمام الجيوش العسكرية الخارجية هذا إن كان المؤرخ من خارج عسير القبيلة ، لأنه لا يعترف أساساً بهذه الكيانات وأمراءها ، كما أن هذا الموضوع خارج عن نطاق خلفيته القبلية والتي يحاول تكريسها !! ، أما إن كان من داخلها ، ويملك التعاطي ذاته فسيذكر هذا الصمود منسوباً إلى عسير القبيلة ، وهذا أيضاً على حساب القبائل الأخرى .
رابعاً : التعاطي مع التاريخ العسيري من خلال الخلفية القبلية يسحق التاريخ اللامع – تاريخ الدولة - لمنطقة عسير ، ويضعها في موضع الشتات القبلي ، ويصوّر الحياة العسيرية وفق هذا التعاطي قبل الحكم السعودي بالحياة البدائية التي يسودها العديد من مناحي التخلف مثل الجهل والفقر والغزو والسلب القبلي ، وهذا أمر سلبي ، فضلاً عن افتقاده للصحة .
خامساً : التعاطي مع التاريخ العسيري من خلال الخلفية القبلية يؤدي بالضرورة إلى إثارة النعرات وشحن النفوس والكفر بغير الانتماء القبلي الضيق .
هذه هي أهم إشكاليات التعاطي مع التاريخ العسيري من خلال الخلفية القبلية ، أما عن الإجابة على السؤال السابق ، وهو عن الكيفية الصحيحة في التعاطي مع التاريخ العسيري ، أو بصيغة أخرى ما هي الخلفية الصحيحة التي يمكن من خلالها الاتكاء عليها في تدوين التاريخ العسيري بموضوعية ونزاهة ؟؟؟
من وجهة نظري ينبغي النظر في التاريخ العسيري من خلال نظرة أكثر عمومية ، من خلال عسير المحددة بزهران في الشمال إلى ظهران في الجنوب ومن تخوم الصحراء الشرقية حتى البحر الأحمر .
هذا التحديد على وجه التقريب يمثل إقليم عسير من الناحية التاريخية ، كما أن القبائل المدرجة فيه ذات خصائص ثقافية واجتماعية واحدة ومتشابهة جداً ، فضلاً عن أن هذه القبائل كانت طوال سائدها التاريخي ذات مصير مشترك ، وكان لها دور مؤثر على الكيانات السياسية المتعاقبة في عسير .
إذا كانت قبائل هذا الإقليم بهذه الوصفية الثقافية والجغرافية والتاريخية والاجتماعية الواحدة ، فلماذا نختزل التاريخ العسيري ونتعامل معه من خلال تكريس تاريخ قبلي ضيق ، يضر ولا ينفع ، يفرق ولا يجمع ، يسر الأعداء ، ويحزن الأصدقاء ، ويثير النعرات ، ويسود بياض صحيفة التاريخ العسيري .
إذا اتفقنا على ضرورة التعاطي مع تاريخ عسير من خلال هذه النظرة الشمولية العامة ، فما هي النظرة التاريخية الثاقبة والعادلة في تقييم الأحداث التاريخية التي حدثت في عسير ؟؟ بل وكيف نحكم حكماً صحيحاً على أراء المؤرخين المعنيين بالتاريخ العسيري حول هذه الأحداث ؟؟؟
في رأيي يجب النظر إلى الأحداث التاريخية من خلال تأثيرها على الإنسان العسيري نفسه ، ذلك الإنسان القاطن في حدود تحديدنا السابق .
يجب النظر في هذه الأحداث من خلال البعد الإنساني ، ومدى استفادة الإنسان العسيري من هذه الأحداث .
الكيانات السياسية في عسير ، والجانب الثقافي في مرحلة ما ، والجانب الاجتماعي ، والاقتصادي ، كل هذه الجوانب يجب أن تقيم وأن يحكم عليها من خلال أبعاد إنسانية .
ففترة الوجود العثماني في عسير ( 1288هـ / 1337هـ -1871م / 1918م ) كنموذج ستكون وفق القياس السابق فترة سلبية تعرض لها إقليم عسير بالكامل إلى مصادرة حريته واستقلاله ، وكان الجانب الثقافي فيها يمر بركود وجمود وضعف غير مسبوق ، هذا هو الأمر الذي يستحق تكريسه وليس تكريس الغزوات القبلية البائسة !! .
كيان آل يزيد الثاني المستقل ( 1238هـ / 1288م ) والذي بدأ بثورة الأمير سعيد بن مسلط اليزيدي على الوجود العثماني تعد وفقاً للقياس السابق أيضاً فترة تاريخية ذهبية عاشتها عسير وعاشها الإنسان العسيري .
فالإنسان العسيري في هذه الفترة كان مستقلاً سياسياً وفكرياً ، وكان يمر في أوضح مراحله التاريخية من حيث الاستقرار ، وتحقيق الذات العسيرية ، فبرزت هويته الثقافية ، وظهر رخاء حاله الاقتصادي .
ما نريد أن نؤصل له هنا هو أن هذا الكيان إذا كان بهذه الصورة فيجب أن نؤكد من خلاله إلى أنه لم تبنه عسير القبيلة ، بل بناه الشرفاء والأحرار من كافة إقليم عسير ، وآية ذلك أن هذا الكيان كان توسعه العسكري يقوم على تجنيد كافة القبائل بلا استثناء ، كما أن مقاومة هذا الكيان للجحافل العثمانية كانت هي الأخرى تستند على هذه القبائل .
سننظر إلى قبائل قحطان كمثال بسيط على صحة ما ذكر من أن الكيان السياسي اليزيدي لم تبنه عسير القبيلة وحدها ، وإنما ساهمت فيه أيضاً هذه القبيلة بشكل كبير وكان لها الولاء الكامل له .
يشير ابن مسفر في كتابه ( السراج المنير في تاريخ عسير ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ،1398هـ / 1978م ، ص89 ) إلى أن هذه القبيلة قد ارتجزت بأبيات ترحيبية بالأمير عائض بن مرعي اليزيدي وبجيشه أثناء منصرفه إلى عسير بعد أن أخمد بعض قبائل الريث ، وعاد منها عن طريق سروات قحطان وجاء في بعض أبياتهم ما يلي :
إن قحطان سيفك في يدك ........مثل شومان ماله عينـة
شومان الوارد في البيت : هو أحد سيوف آل عائض المشهورة .
كما أن هذه القبيلة كانت لها مواقفها الإيجابية مع الكيان اليزيدي في إخماد الثورات القبلية ضده ، فقبيلة رجال ألمع والتي هي من عسير القبيلة ، وصنو قبيلة عسير السراة عند ثورتها على هذا الكيان في العام 1282هـ كان إخماد هذه الثورة قد تم عن طريق قبائل عسير السراة ورجال الحجر وقحطان ، بل إن قحطان كانت أكثر من تكبد بالخسائر البشرية في ثنايا إخماد هذه الثورة ، وذلك على خلفية حماسة هذه القبيلة وولاءها للأمير محمد بن عائض اليزيدي . ( انظر : هاشم النعمي ، تاريخ عسير في الماضي والحاضر ، ص270 ) .
وعند سقوط هذا الكيان كان من بين قتلاه العديد من زعامات قحطان القبلية من آل جلالة ومن آل بن سليم وغيرهم ، وكان من بين أسراه المقاتلين من الزعامات القبلية الأخرى الشيخ فايز العسبلي كما يذكر ذلك صاحب كتاب نفحات من عسير ، كما أن شيخي بللحمر وبللسمر كانا من ضمن هؤلاء الأسرى ، وقد ذكر ذلك عاطف باشا في مذكراته وهو أحد الضباط العثمانيين المشتركين في الحملة العثمانية التي أسقطت هذا الكيان .
وعلى ضوء ذلك فالتاريخ العسيري الأبيض ، وأمراءه المشهورين بالمقاومة ليسوا محل فخر لعسير القبيلة فحسب – وإن كانوا منها – بل هم محل فخر واعتزاز لكافة من انتمى إلى إقليم عسير .
عسير وتاريخها ليست ملكاً لعسير القبيلة بل هي لأبناء الإقليم العسيري ، ذاك الإقليم التاريخي الشهير بصموده وسطوة رجاله .
من الخطأ الفادح والظلم الواضح أن تحصرنا الخلفية القبلية إلى حد الفخر برموز قبلية لم تشتهر إلا بحماية مراعيها ، ونهبها مراعي غيرها في حدود غزوات بائسة وضيقة ، ونترك أولئك الصناديد السياسيين والقادة العسكريين الذين استعلوا على تاريخهم القبلي إلى تاريخ بناء الممالك والدول ، أولئك الذين كانوا في أيامهم وجوهاً لإقليم عسير بالكامل ، ورجالهم الذين بنوا مفاهيم الدول في عسير .
عبد الوهاب بن عامر أبو نقطة المتحمي ، وطامي بن شعيب المتحمي ، ومحمد بن أحمد المتحمي ، وسعيد بن مسلط اليزيدي ، وعائض بن مرعي اليزيدي ، وعلي بن مجثل اليزيدي ، وعلي بن محمد بن عائض ، وإبراهيم بن عبد المتعالي ، ويحي الحياني ، وأحمد بن عبد الخالق الحفظي ، وبخروش بن علاس الزهراني ، وفايز العسبلي ، وغرم العسبلي ، وابن محيا الأحمري، وابن مسبل ، وابن مارد الأسمري ، وغشام بن عامر الرفيدي ، وشاهر بن راسي السنحاني ، وابن سليم ، وابن فردان ، وسالم بن شكبان ، ومشيط بن سالم وابنه حسين ، وابن حموض ، وأحمد بن ضبعان المغيدي، ولاحق أبو سراح ، ومحمد بن مفرح المغيدي وغيرهم وغيرهم الكثير يجب أن نذكرهم من خلال مساهمتهم في بناء الدولة والمقاومة الموحدة ، وليس من خلال انتماءاتهم القبلية الضيقة .
هؤلاء جميعاً هم رجال عسير ، عسير التاريخية من ظهران إلى زهران ، هؤلاء هم مفخرة للفرد العسيري القاطن في سائر أرجاء عسير التاريخية .
منقول/للكاتب المغوثي
قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من التأكيد على أن التعاطي مع التاريخ العسيري من خلال خلفية قبلية خطأ فادح ، ذلك أنه يثير الكثير من الإشكاليات ، ويفتقد الموضوعية والمنهجية ، ويؤثر عليها في مسألة التدوين التاريخي العسيري .
ويمكن إبراز أهم هذه الإشكاليات على النحو التالي :
أولاً : التعاطي مع التاريخ العسيري على خلفية قبلية يؤدي بالضرورة إلى وضع الفرد العسيري في صف عمودي وفئوي جائر بدلاً من أن يكون في صف أفقي شمولي عادل ، وذلك بالتركيز على فئة بشرية معينة – القبيلة – على حساب فئة بشرية أخرى .
ثانياً : التعاطي مع التاريخ العسيري من خلال خلفية قبلية – هو بالضرورة – يؤدي إلى الانحدار بالتاريخ العسيري من تاريخ الملك والدولة إلى تاريخ القبيلة ، وبالتالي فهو ينسف جوانب ورؤى تاريخية عديدة في التاريخ العسيري .
إن هذا التعاطي يلغي فكرة الدولة والكيان السياسي الذي دانت له قبائل المنطقة ، أو على الأقل هو يفضي بالضرورة إلى البراءة والامتعاض من الكيان السياسي السابق ، ومحاولة حصره في عسير القبيلة أو مدينة أبها ، هذا إن كان المؤرخ – إن جاز هذا الوصف فيه - من خارج عسير القبيلة ( مثال على ذلك ، انظر : منتديات شهران وكيف يحاول مؤرخو هذا المنتدى إنكار تبعية بيشة لحكم آل عائض ، والامتعاض من هذا الحكم ) .
المؤرخ من خارج عسير القبيلة على أقل تقدير يتجاهل دوماً الوضع السياسي في عسير ، ويحاول تدوين تاريخ قبيلته بذكر أنسابها ، وتعديد فرسانها ، والإحاطة بشعرائها ، وربطها مباشرة بالوضع السياسي الحالي ، في حين يتجاهل ما قبله من أوضاع سياسية ، ولا يحاول إبراز دور قبيلته في بناء الكيانات السياسية المتعاقبة في عسير ، ككيان آل يزيد بدوريه ، وكيان آل المتحمي . ( مثال على ذلك : انظر كتاب :الدليل والبرهان في أنساب قبائل قحطان ، لابن شداد الحبابي القحطاني ، وكتاب نافذة الفكر في نسب رجال الحجر ، والأواس بن الحجر لابن ردّاد الأسمري ) .
هذا فيما يختص بمؤرخي بعض القبائل في عسير ، أما إن كان من داخل قبيلة عسير ويمارس ذات التعاطي ، فإن تدوينه التاريخي سيكون مرتكزاً على عسير القبيلة ، بل ويرتكز حصرياً على الفرع القبلي المنتمي إلى عسير القبيلة كمحور رئيس في الأحداث التاريخية ، وذلك على حساب الأدوار التاريخية الأخرى ، التي ساهمت فيها القبائل الأخرى بذات الأهمية التي مارستها عسير القبيلة .
ثالثاً : التعاطي مع التاريخ العسيري من خلال الخلفية القبلية يلغي أو على الأقل لا يهتم أبداً بالصمود الموحد الذي قامت به الكيانات السياسية المحلية وأمراءها وقبائلها أمام الجيوش العسكرية الخارجية هذا إن كان المؤرخ من خارج عسير القبيلة ، لأنه لا يعترف أساساً بهذه الكيانات وأمراءها ، كما أن هذا الموضوع خارج عن نطاق خلفيته القبلية والتي يحاول تكريسها !! ، أما إن كان من داخلها ، ويملك التعاطي ذاته فسيذكر هذا الصمود منسوباً إلى عسير القبيلة ، وهذا أيضاً على حساب القبائل الأخرى .
رابعاً : التعاطي مع التاريخ العسيري من خلال الخلفية القبلية يسحق التاريخ اللامع – تاريخ الدولة - لمنطقة عسير ، ويضعها في موضع الشتات القبلي ، ويصوّر الحياة العسيرية وفق هذا التعاطي قبل الحكم السعودي بالحياة البدائية التي يسودها العديد من مناحي التخلف مثل الجهل والفقر والغزو والسلب القبلي ، وهذا أمر سلبي ، فضلاً عن افتقاده للصحة .
خامساً : التعاطي مع التاريخ العسيري من خلال الخلفية القبلية يؤدي بالضرورة إلى إثارة النعرات وشحن النفوس والكفر بغير الانتماء القبلي الضيق .
هذه هي أهم إشكاليات التعاطي مع التاريخ العسيري من خلال الخلفية القبلية ، أما عن الإجابة على السؤال السابق ، وهو عن الكيفية الصحيحة في التعاطي مع التاريخ العسيري ، أو بصيغة أخرى ما هي الخلفية الصحيحة التي يمكن من خلالها الاتكاء عليها في تدوين التاريخ العسيري بموضوعية ونزاهة ؟؟؟
من وجهة نظري ينبغي النظر في التاريخ العسيري من خلال نظرة أكثر عمومية ، من خلال عسير المحددة بزهران في الشمال إلى ظهران في الجنوب ومن تخوم الصحراء الشرقية حتى البحر الأحمر .
هذا التحديد على وجه التقريب يمثل إقليم عسير من الناحية التاريخية ، كما أن القبائل المدرجة فيه ذات خصائص ثقافية واجتماعية واحدة ومتشابهة جداً ، فضلاً عن أن هذه القبائل كانت طوال سائدها التاريخي ذات مصير مشترك ، وكان لها دور مؤثر على الكيانات السياسية المتعاقبة في عسير .
إذا كانت قبائل هذا الإقليم بهذه الوصفية الثقافية والجغرافية والتاريخية والاجتماعية الواحدة ، فلماذا نختزل التاريخ العسيري ونتعامل معه من خلال تكريس تاريخ قبلي ضيق ، يضر ولا ينفع ، يفرق ولا يجمع ، يسر الأعداء ، ويحزن الأصدقاء ، ويثير النعرات ، ويسود بياض صحيفة التاريخ العسيري .
إذا اتفقنا على ضرورة التعاطي مع تاريخ عسير من خلال هذه النظرة الشمولية العامة ، فما هي النظرة التاريخية الثاقبة والعادلة في تقييم الأحداث التاريخية التي حدثت في عسير ؟؟ بل وكيف نحكم حكماً صحيحاً على أراء المؤرخين المعنيين بالتاريخ العسيري حول هذه الأحداث ؟؟؟
في رأيي يجب النظر إلى الأحداث التاريخية من خلال تأثيرها على الإنسان العسيري نفسه ، ذلك الإنسان القاطن في حدود تحديدنا السابق .
يجب النظر في هذه الأحداث من خلال البعد الإنساني ، ومدى استفادة الإنسان العسيري من هذه الأحداث .
الكيانات السياسية في عسير ، والجانب الثقافي في مرحلة ما ، والجانب الاجتماعي ، والاقتصادي ، كل هذه الجوانب يجب أن تقيم وأن يحكم عليها من خلال أبعاد إنسانية .
ففترة الوجود العثماني في عسير ( 1288هـ / 1337هـ -1871م / 1918م ) كنموذج ستكون وفق القياس السابق فترة سلبية تعرض لها إقليم عسير بالكامل إلى مصادرة حريته واستقلاله ، وكان الجانب الثقافي فيها يمر بركود وجمود وضعف غير مسبوق ، هذا هو الأمر الذي يستحق تكريسه وليس تكريس الغزوات القبلية البائسة !! .
كيان آل يزيد الثاني المستقل ( 1238هـ / 1288م ) والذي بدأ بثورة الأمير سعيد بن مسلط اليزيدي على الوجود العثماني تعد وفقاً للقياس السابق أيضاً فترة تاريخية ذهبية عاشتها عسير وعاشها الإنسان العسيري .
فالإنسان العسيري في هذه الفترة كان مستقلاً سياسياً وفكرياً ، وكان يمر في أوضح مراحله التاريخية من حيث الاستقرار ، وتحقيق الذات العسيرية ، فبرزت هويته الثقافية ، وظهر رخاء حاله الاقتصادي .
ما نريد أن نؤصل له هنا هو أن هذا الكيان إذا كان بهذه الصورة فيجب أن نؤكد من خلاله إلى أنه لم تبنه عسير القبيلة ، بل بناه الشرفاء والأحرار من كافة إقليم عسير ، وآية ذلك أن هذا الكيان كان توسعه العسكري يقوم على تجنيد كافة القبائل بلا استثناء ، كما أن مقاومة هذا الكيان للجحافل العثمانية كانت هي الأخرى تستند على هذه القبائل .
سننظر إلى قبائل قحطان كمثال بسيط على صحة ما ذكر من أن الكيان السياسي اليزيدي لم تبنه عسير القبيلة وحدها ، وإنما ساهمت فيه أيضاً هذه القبيلة بشكل كبير وكان لها الولاء الكامل له .
يشير ابن مسفر في كتابه ( السراج المنير في تاريخ عسير ، مؤسسة الرسالة ، ط1 ،1398هـ / 1978م ، ص89 ) إلى أن هذه القبيلة قد ارتجزت بأبيات ترحيبية بالأمير عائض بن مرعي اليزيدي وبجيشه أثناء منصرفه إلى عسير بعد أن أخمد بعض قبائل الريث ، وعاد منها عن طريق سروات قحطان وجاء في بعض أبياتهم ما يلي :
إن قحطان سيفك في يدك ........مثل شومان ماله عينـة
شومان الوارد في البيت : هو أحد سيوف آل عائض المشهورة .
كما أن هذه القبيلة كانت لها مواقفها الإيجابية مع الكيان اليزيدي في إخماد الثورات القبلية ضده ، فقبيلة رجال ألمع والتي هي من عسير القبيلة ، وصنو قبيلة عسير السراة عند ثورتها على هذا الكيان في العام 1282هـ كان إخماد هذه الثورة قد تم عن طريق قبائل عسير السراة ورجال الحجر وقحطان ، بل إن قحطان كانت أكثر من تكبد بالخسائر البشرية في ثنايا إخماد هذه الثورة ، وذلك على خلفية حماسة هذه القبيلة وولاءها للأمير محمد بن عائض اليزيدي . ( انظر : هاشم النعمي ، تاريخ عسير في الماضي والحاضر ، ص270 ) .
وعند سقوط هذا الكيان كان من بين قتلاه العديد من زعامات قحطان القبلية من آل جلالة ومن آل بن سليم وغيرهم ، وكان من بين أسراه المقاتلين من الزعامات القبلية الأخرى الشيخ فايز العسبلي كما يذكر ذلك صاحب كتاب نفحات من عسير ، كما أن شيخي بللحمر وبللسمر كانا من ضمن هؤلاء الأسرى ، وقد ذكر ذلك عاطف باشا في مذكراته وهو أحد الضباط العثمانيين المشتركين في الحملة العثمانية التي أسقطت هذا الكيان .
وعلى ضوء ذلك فالتاريخ العسيري الأبيض ، وأمراءه المشهورين بالمقاومة ليسوا محل فخر لعسير القبيلة فحسب – وإن كانوا منها – بل هم محل فخر واعتزاز لكافة من انتمى إلى إقليم عسير .
عسير وتاريخها ليست ملكاً لعسير القبيلة بل هي لأبناء الإقليم العسيري ، ذاك الإقليم التاريخي الشهير بصموده وسطوة رجاله .
من الخطأ الفادح والظلم الواضح أن تحصرنا الخلفية القبلية إلى حد الفخر برموز قبلية لم تشتهر إلا بحماية مراعيها ، ونهبها مراعي غيرها في حدود غزوات بائسة وضيقة ، ونترك أولئك الصناديد السياسيين والقادة العسكريين الذين استعلوا على تاريخهم القبلي إلى تاريخ بناء الممالك والدول ، أولئك الذين كانوا في أيامهم وجوهاً لإقليم عسير بالكامل ، ورجالهم الذين بنوا مفاهيم الدول في عسير .
عبد الوهاب بن عامر أبو نقطة المتحمي ، وطامي بن شعيب المتحمي ، ومحمد بن أحمد المتحمي ، وسعيد بن مسلط اليزيدي ، وعائض بن مرعي اليزيدي ، وعلي بن مجثل اليزيدي ، وعلي بن محمد بن عائض ، وإبراهيم بن عبد المتعالي ، ويحي الحياني ، وأحمد بن عبد الخالق الحفظي ، وبخروش بن علاس الزهراني ، وفايز العسبلي ، وغرم العسبلي ، وابن محيا الأحمري، وابن مسبل ، وابن مارد الأسمري ، وغشام بن عامر الرفيدي ، وشاهر بن راسي السنحاني ، وابن سليم ، وابن فردان ، وسالم بن شكبان ، ومشيط بن سالم وابنه حسين ، وابن حموض ، وأحمد بن ضبعان المغيدي، ولاحق أبو سراح ، ومحمد بن مفرح المغيدي وغيرهم وغيرهم الكثير يجب أن نذكرهم من خلال مساهمتهم في بناء الدولة والمقاومة الموحدة ، وليس من خلال انتماءاتهم القبلية الضيقة .
هؤلاء جميعاً هم رجال عسير ، عسير التاريخية من ظهران إلى زهران ، هؤلاء هم مفخرة للفرد العسيري القاطن في سائر أرجاء عسير التاريخية .
منقول/للكاتب المغوثي