سعد بن حسين
02-06-2006, 10:31 PM
( لا تحسـبوهُ شـراً لكـم ... وقصة ثلاثة شباب مع المقاطعة..)
الموضوع طويل تحملوني شويه وحتسبوا كتب الله أجركم ..
قال الراوي بنبرة مشبعة نوراً تجد صداها واضحاً في قلبك قال :
النار تكشف زيف المعادن، وفي الوقت نفسه فهي تجلّي حقيقة الذهب ..!
فإذا هو يتلألأ تحت لهيب تلك النار ، التي تُسلط عليه ..!!
وما نراهُ من شرٍ ظاهرٍ ، قد يكونُ بعينه هو الخير الذي كنا نحلم به ،
ونتمناه ونرجوه ، ولم نستطع الوصولَ إليه ، رغم المحاولات من أجل ذلك !
وصدق الله العظيم :
( .. فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا ،، وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ..) ..
لاحظوا هذه الآية العجيبة .. لم يقل : ويجعل الله فيه خير فقط .. بل خير كثير !!
وسكت صاحبنا قليلاً ، ثم تنهد ، وأخذ يردد : ( لا إله إلا الله ) مرتين أو ثلاثاً .
وبقيت عيوننا متعلقة بفمه ، كنا قد عهدناه إذا تكلم فإنما هي شحنة قلب يحترق ،
وليست كلمات شفاه تتحرك !
ومن هنا كنا نجد أثر كلامه على قلوبنا ، إنارة مباشرة ، يحسها الواحد منا بوضوح !
وعاد يواصل حديثه .. وطوّف بنا ما يزيد على الساعة حول الأحداث الأخيرة ،
بداياتها ، ومضامينها ، وفحوى رسالتها ، بل عرج ليتحدث عن الحقد الدفين لهذا الدين ،
في قلوب أعداء الله جميعاً ، وما الدنمارك سوى نموذجٍ مصغر ..
وضرب أمثلة ، وساق شواهد ، وذكر أقوالاً .. ليقرر هذه الحقيقة الكبيرة ..
ولم يغفل عن إيراد شواهد القرآن والسنة ..
ثم ختم بمجموعة من البشارات بانتصار هذا الدين على رغم ما يمكر الماكرون ..
كان حديثا فريداً ، استغل به تلك الحادثة ، ليقرر مجموعة من المعاني الكبيرة ،
والحقائق الضخمة التي تغيب عن كثير من أبناء وبنات المسلمين ..
- -
وألتقطُ هاهنا قصةً ذكرها في ثنايا حديثه الشائق ، ليصل بها إلى تقرير رسالة هامة
إلى قلوب هذه الجموع التي تصغي إليه ..
- -
أسوق تلك القصة مع شيء من التصرف في طريقة عرضها ..
قال : عرفتُ ثلاثةً من الشباب ، لا يربطهم رابط ، فكلٌ منهم له دنياهُ ، وله بيئته ،
وله صحبته الخاصة ، ومحيطه الذي يتقلب فيه ..
أما أولهم فقد كان شاباً مائعاً ، يكادُ يسيلُ على الطريقِ لشدة ميعوته !!
لا تراه إلا فاتراً ، يمط الكلام مطاً إذا تكلم ، تكاد مفاصله تئن إذا مشى !!
أما الثاني فقد كان على النقيض من صاحبه ! ..
كان شاباً جلداً ، كأنما حُشيت عضلاته بالفولاذ ! غير أنه كان يمضي في حياته حائراً
كالتائه في الصحراء بلا دليل ، يخبط في كل اتجاه !!
وكان ثالث الثلاثة وسطاً بين هذا وذاك ..
غير أنه أقرب إلى الجلادة منه إلى الميوعة ، وأقرب إلى الاستقامة منه إلى الانحراف ..
لكنه لم يجد اليد التي تمتد إليه ، لتقوده إلى حيث يجد روح روحه ، وأنس قلبه ، وحقيقة سعادته ،
حيث يتعلم كيف يركع ويسجد بين يدي الله سبحانه ، ثم يوطن النفس ليعيش معه ومن أجله ..!
قال : عرفت هؤلاء عن بعد ، لم تكن تربطني بهم رابطة ، غير أن أخبار الحي ، الذي أعيش فيه ،
رغم اتساعه ، لا تكاد تخفى على أحد منه خافية ..!
وتمضي بهم الحياة كما هم ، يخبطون في كل اتجاه ، وربما نظروا إلى المقبلين على الله
نظرة استخفاف ورثاء ، بزعم أن هؤلاء لا يستمتعون بالحياة _زعموا _ !!
قال ..
وجاءت الأحداث الأخيرة التي تتعلق بالرسومات وما صاحبها من ضجة ودوي ،
وهب الناس ، وزلزلتِ الأرض زلزالها ، وتحرك من كانت الدماء متخثرة في عروقه !
وانقلب الحال بمن كان بالأمس ميتاً ، فإذا هو ينتفض بالحياة !!
قال :
وبلغني أن هؤلاء الثلاثة كان لكل منهم قصة مع هذه الأحداث ..
فكأنما نفضتهم الحادثةُ نفضاً ، وأفاقوا بعد غيبوبة ،
وهبت حرارة الإيمان في عروقهم ، تقول لهم : والآن ..قفوا !!
حتى ذلك الشاب " المرتخي المفاصل " !! أخبروا عنه كيف تغير ،
وأصبح لا يتحدث إلا عن هذه الجريمة النكراء ، ويحرض كل ما يلقاه على ضرورة المقاطعة ،
وكان في حديثه ظاهر الانفعال ، تتجلى في كلماته الحرقة ، وكان كثيرا ما يكرر مثل هذه الجملة :
اذا لم ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم .. فمتى سننصره !!
وحول هذه القضية يدندن ، ولا يمل الدندنة !!
بل ولم يكتفِ بالكلام ، فاشترك في إرسال الرسائل القصير ة ، وتوزيع النشرات ، والاتصال بالهاتف ،
والمرور على جميع أقاربه ومعارفه واصدقائه ، بل وكلما مر ببقالة مهما كانت صغيرة ،
دخل يتجول فيها ، فإن رأى بضاعة لتلك الدولة ، شرع ينصح البائع هناك ويذكره بما فعل هؤلاء ..
ونحو هذا ..!!
واتضح لكل ذي عينين ، أن هذه الحادثة صنعت من هذا الشاب ، شيئاً جديدا لم يكن أهل الحي يعرفونه !
غير أنه لم يتعدّ هذه الدائرة ...!!
أعني .. لم يتعد دائرة الحماس والانفعال للمقاطعة بكل صورها ،
لكن حياته بعد ذلك بقيت كما هي ، لم يتغير فيها شيء ..!!
فلا زال بعيداً عن درب الله سبحانه !
أما الشاب الثاني ، فكما أنه على النقيض الجسدي من صاحبنا الأول ،
فقد كذلك على النقيض منه مع هذه القضية ..!!
سمع بالقصة من بعض جلسائه فهاج وماج ، ولعن وسخط ، وشب كالحريق ،
وود لو يفعل شيئا ذا بال ..
كانت قناعته أن سلاح المقاطعة لن يثمر ، ولن يصمد طويلاً ، ولهذا لم يتحمس له ،
مع أنه قرر أن لا يشتري تلك البضائع ، لكنه كان يرى أنه سلاح غير فاعل ،
لقد ود أن يفعل ما هو أكبر ، وأكثر جدوى ، وأبقى على المدى.
كان يغلي في كل مجلس ..
كان منفعلا إلى درجة يخيل إليك أنه سينفجر حمماً وبراكين في أية لحظة!
لكنه لا يدري ماذا عليه أن يفعل بالضبط ..!!
وفي بعض مجالسه تعرف عليه شيخ مسن كان هناك يسمع ويرى ،
فأدرك أن الشاب في حيرة من أمره وهو يود أن يصنع الكثير .. فاختلى به وجلس إليه ،
وأطال الجلوس معه ، وحدثه عن أبعاد هذه القضية ، وعن حقد أعداء الدين لهذا الدين ،
وساق إليه شواهد ، وحقائق كثيرة ، منها أن مراد هؤلاء أن يعيش الإنسان المسلم ممسوخاً
بلا دين ولا هوية ، بل كالبهيمة يأكل ويشرب وينام ثم يموت ..!!
فأعداء الله سبحانه لا يغيظهم شيء أكثر من أن يعود المسلمون إلى دينهم ، و
يتحمسون له ، ويحملون رايته ..! فإن شئت فاسلك هذا الطريق تغيظ هؤلاء !
وكان الحديث ذا شجون ..
في نهايته قرر في عقل وقلب هذا الشاب ، أن خير عمل تعمله ليرضى عنك رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وهو خير من ( مجرد ) المقاطعة :
أن تعرف سيرته ، وأن تلزم هديه ، وأن تقبل على الله سبحانه ، وأن تتحلى بصفاته وسماته ،
وتعيش مع الله ، ومن أجل الله ، تحمل راية الله على منهج هذا الحبيب الذي يحاول هؤلاء الصعاليك
تشويه صورته .. فلتكن نسخة منه صلى الله عليه وسلم ..!!
استطاع ذلك الشيخ أن يوجه الشلال المتدفق الوجهة الصحيحة ..!
فقد قرر الشاب أن يقبل على الله ، ويجاهد نفسه ليتحلى بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
في جميع خطوات حياته ، وعاهد الشيخ أنه سيلتحق بصحبة مسجد ، يتعلم منهم ،
ويستعين بهم ، ويتواصى معهم ، ويفتح صفحة جديدة مع الله سبحانه ،
لعل رسوله الكريم يرضى عنه ..!
وقد كان ... !!
أقبل صاحبنا هذا بكل همة وعزم وقوة على الله ..
وعلى دروس العلم ، وحلقات الوعظ ،
وصحبة الخير ، وحمل هم دعوة الله سبحانه .. ونحو هذا ..
محاولاً أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في مأكله ومشربه ،
وحركته وسكونه ، ونومه ويقظته ، وكلامه وسكوته ، ومدخله ومخرجه ..!!
ورأت المنطقة ذلك الفتى على غير ما عهدته عليه من قبل ..!
صحيح أنه لا زال على قناعته بعدم فاعلية سلاح المقاطعة ، على اعتبار أنه سلاح مؤقت ،
وستعود الأمور إلى ما كانت عليه ، وكأنك يا بو زيد ما غزيت !!
غير أن فكرة ذلك الشيخ فعلت به العجب ..
ومنذ أن أقبل على الله بهمة .. تغيرت عاداته .. وتبدلت نظرته للحياة ، واعتدلت موازينه ..
وعرف الطريق إلى السماء!وأصبح لا يخشى في الله لومة لائم ..!!
وأما الثالث .. فمختصر قصته أنه جمع بين الأمرين معاً ..!
همة متوثبة مع حملة المقاطعة ..وحركة لا تهدأ ..
وفي خط موازٍ ..
عرف الطريق إلى المسجد ، وصحبة المسجد ، وحلقات المسجد ،
وأنوار المسجد .. فاستحال نورا يمشي بين الناس ..!!
وسكت بعد أن سرد هذه القصة .. ثم قال ..
أما الثالث فلن أسألكم عنه .. فهو الهدف المراد .. والقمة التي نرجو ونأمل ..
ولكني اسألكم عن أي الشابين هو الأفضل والأكمل والأرقى عند الله :
ذلك الذي اكتفى بالمقاطعة .. وجعلها هي الهدف ..
أما ذلك الذي رأى أن يراجع حساباته مع الله ، ليقبل عليه ، ويعيش معه ، ويجهد نفسه
ليكون نسخة من محمد صلى الله عليه وسلم _ على قدر طاقته _ ..
ولم ينتظر جواباً ... وطلب منا أن نفكر .. غير أنه قال :
ومن هنا أريد أن ألفت أنظاركم أن : اعملوا على تنبيه الناس إلى هذه القضية ..
أن المقاطعة ليست هدفاً بحد ذاته ..
فلنجعلها خطوة على الطريق من أجل العودة الحقيقية إلى الله سبحانه ،
ليرضى عنا ربنا ، ويرضى عنا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ..
ولكم أن تتخيلوا هذا المشهد :
يقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
أن فلاناً من الناس ، غضب وانفعل وحزن وقاطع حين سخروا منك .. فيتهلل وجه رسول الله ...
ثم يقال له : ولكنه يا رسول الله لا يصلي !!! ويفعل كذا وكذا من المحرمات ،
وهذه تصر على كشف جسدها ، ولا تبالي بكشف شعرها وتعريها أمام الرجال ، ونحو هذا ...
ألا تظنوا أن هذا سيتغير له وجه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ..وربما قال : سحقا سحقا ..!! بعداً بعدا ..!!
وحول هذه القضية دندن طويلا .. ليقرر :
أن سلاح المقاطعة لا ينبغي أن يكون هو الهدف وحده ..
بل لابد من استغلال هذه العاطقة الجياشة لدى الناس ،
من أجل توجيه أصحابها إلى طريق الله سبحانه ..., لينالوا رضاه ..وليفرح بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم..
= = =
وبالله وحده التوفيق ..
الموضوع طويل تحملوني شويه وحتسبوا كتب الله أجركم ..
قال الراوي بنبرة مشبعة نوراً تجد صداها واضحاً في قلبك قال :
النار تكشف زيف المعادن، وفي الوقت نفسه فهي تجلّي حقيقة الذهب ..!
فإذا هو يتلألأ تحت لهيب تلك النار ، التي تُسلط عليه ..!!
وما نراهُ من شرٍ ظاهرٍ ، قد يكونُ بعينه هو الخير الذي كنا نحلم به ،
ونتمناه ونرجوه ، ولم نستطع الوصولَ إليه ، رغم المحاولات من أجل ذلك !
وصدق الله العظيم :
( .. فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا ،، وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ..) ..
لاحظوا هذه الآية العجيبة .. لم يقل : ويجعل الله فيه خير فقط .. بل خير كثير !!
وسكت صاحبنا قليلاً ، ثم تنهد ، وأخذ يردد : ( لا إله إلا الله ) مرتين أو ثلاثاً .
وبقيت عيوننا متعلقة بفمه ، كنا قد عهدناه إذا تكلم فإنما هي شحنة قلب يحترق ،
وليست كلمات شفاه تتحرك !
ومن هنا كنا نجد أثر كلامه على قلوبنا ، إنارة مباشرة ، يحسها الواحد منا بوضوح !
وعاد يواصل حديثه .. وطوّف بنا ما يزيد على الساعة حول الأحداث الأخيرة ،
بداياتها ، ومضامينها ، وفحوى رسالتها ، بل عرج ليتحدث عن الحقد الدفين لهذا الدين ،
في قلوب أعداء الله جميعاً ، وما الدنمارك سوى نموذجٍ مصغر ..
وضرب أمثلة ، وساق شواهد ، وذكر أقوالاً .. ليقرر هذه الحقيقة الكبيرة ..
ولم يغفل عن إيراد شواهد القرآن والسنة ..
ثم ختم بمجموعة من البشارات بانتصار هذا الدين على رغم ما يمكر الماكرون ..
كان حديثا فريداً ، استغل به تلك الحادثة ، ليقرر مجموعة من المعاني الكبيرة ،
والحقائق الضخمة التي تغيب عن كثير من أبناء وبنات المسلمين ..
- -
وألتقطُ هاهنا قصةً ذكرها في ثنايا حديثه الشائق ، ليصل بها إلى تقرير رسالة هامة
إلى قلوب هذه الجموع التي تصغي إليه ..
- -
أسوق تلك القصة مع شيء من التصرف في طريقة عرضها ..
قال : عرفتُ ثلاثةً من الشباب ، لا يربطهم رابط ، فكلٌ منهم له دنياهُ ، وله بيئته ،
وله صحبته الخاصة ، ومحيطه الذي يتقلب فيه ..
أما أولهم فقد كان شاباً مائعاً ، يكادُ يسيلُ على الطريقِ لشدة ميعوته !!
لا تراه إلا فاتراً ، يمط الكلام مطاً إذا تكلم ، تكاد مفاصله تئن إذا مشى !!
أما الثاني فقد كان على النقيض من صاحبه ! ..
كان شاباً جلداً ، كأنما حُشيت عضلاته بالفولاذ ! غير أنه كان يمضي في حياته حائراً
كالتائه في الصحراء بلا دليل ، يخبط في كل اتجاه !!
وكان ثالث الثلاثة وسطاً بين هذا وذاك ..
غير أنه أقرب إلى الجلادة منه إلى الميوعة ، وأقرب إلى الاستقامة منه إلى الانحراف ..
لكنه لم يجد اليد التي تمتد إليه ، لتقوده إلى حيث يجد روح روحه ، وأنس قلبه ، وحقيقة سعادته ،
حيث يتعلم كيف يركع ويسجد بين يدي الله سبحانه ، ثم يوطن النفس ليعيش معه ومن أجله ..!
قال : عرفت هؤلاء عن بعد ، لم تكن تربطني بهم رابطة ، غير أن أخبار الحي ، الذي أعيش فيه ،
رغم اتساعه ، لا تكاد تخفى على أحد منه خافية ..!
وتمضي بهم الحياة كما هم ، يخبطون في كل اتجاه ، وربما نظروا إلى المقبلين على الله
نظرة استخفاف ورثاء ، بزعم أن هؤلاء لا يستمتعون بالحياة _زعموا _ !!
قال ..
وجاءت الأحداث الأخيرة التي تتعلق بالرسومات وما صاحبها من ضجة ودوي ،
وهب الناس ، وزلزلتِ الأرض زلزالها ، وتحرك من كانت الدماء متخثرة في عروقه !
وانقلب الحال بمن كان بالأمس ميتاً ، فإذا هو ينتفض بالحياة !!
قال :
وبلغني أن هؤلاء الثلاثة كان لكل منهم قصة مع هذه الأحداث ..
فكأنما نفضتهم الحادثةُ نفضاً ، وأفاقوا بعد غيبوبة ،
وهبت حرارة الإيمان في عروقهم ، تقول لهم : والآن ..قفوا !!
حتى ذلك الشاب " المرتخي المفاصل " !! أخبروا عنه كيف تغير ،
وأصبح لا يتحدث إلا عن هذه الجريمة النكراء ، ويحرض كل ما يلقاه على ضرورة المقاطعة ،
وكان في حديثه ظاهر الانفعال ، تتجلى في كلماته الحرقة ، وكان كثيرا ما يكرر مثل هذه الجملة :
اذا لم ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم .. فمتى سننصره !!
وحول هذه القضية يدندن ، ولا يمل الدندنة !!
بل ولم يكتفِ بالكلام ، فاشترك في إرسال الرسائل القصير ة ، وتوزيع النشرات ، والاتصال بالهاتف ،
والمرور على جميع أقاربه ومعارفه واصدقائه ، بل وكلما مر ببقالة مهما كانت صغيرة ،
دخل يتجول فيها ، فإن رأى بضاعة لتلك الدولة ، شرع ينصح البائع هناك ويذكره بما فعل هؤلاء ..
ونحو هذا ..!!
واتضح لكل ذي عينين ، أن هذه الحادثة صنعت من هذا الشاب ، شيئاً جديدا لم يكن أهل الحي يعرفونه !
غير أنه لم يتعدّ هذه الدائرة ...!!
أعني .. لم يتعد دائرة الحماس والانفعال للمقاطعة بكل صورها ،
لكن حياته بعد ذلك بقيت كما هي ، لم يتغير فيها شيء ..!!
فلا زال بعيداً عن درب الله سبحانه !
أما الشاب الثاني ، فكما أنه على النقيض الجسدي من صاحبنا الأول ،
فقد كذلك على النقيض منه مع هذه القضية ..!!
سمع بالقصة من بعض جلسائه فهاج وماج ، ولعن وسخط ، وشب كالحريق ،
وود لو يفعل شيئا ذا بال ..
كانت قناعته أن سلاح المقاطعة لن يثمر ، ولن يصمد طويلاً ، ولهذا لم يتحمس له ،
مع أنه قرر أن لا يشتري تلك البضائع ، لكنه كان يرى أنه سلاح غير فاعل ،
لقد ود أن يفعل ما هو أكبر ، وأكثر جدوى ، وأبقى على المدى.
كان يغلي في كل مجلس ..
كان منفعلا إلى درجة يخيل إليك أنه سينفجر حمماً وبراكين في أية لحظة!
لكنه لا يدري ماذا عليه أن يفعل بالضبط ..!!
وفي بعض مجالسه تعرف عليه شيخ مسن كان هناك يسمع ويرى ،
فأدرك أن الشاب في حيرة من أمره وهو يود أن يصنع الكثير .. فاختلى به وجلس إليه ،
وأطال الجلوس معه ، وحدثه عن أبعاد هذه القضية ، وعن حقد أعداء الدين لهذا الدين ،
وساق إليه شواهد ، وحقائق كثيرة ، منها أن مراد هؤلاء أن يعيش الإنسان المسلم ممسوخاً
بلا دين ولا هوية ، بل كالبهيمة يأكل ويشرب وينام ثم يموت ..!!
فأعداء الله سبحانه لا يغيظهم شيء أكثر من أن يعود المسلمون إلى دينهم ، و
يتحمسون له ، ويحملون رايته ..! فإن شئت فاسلك هذا الطريق تغيظ هؤلاء !
وكان الحديث ذا شجون ..
في نهايته قرر في عقل وقلب هذا الشاب ، أن خير عمل تعمله ليرضى عنك رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وهو خير من ( مجرد ) المقاطعة :
أن تعرف سيرته ، وأن تلزم هديه ، وأن تقبل على الله سبحانه ، وأن تتحلى بصفاته وسماته ،
وتعيش مع الله ، ومن أجل الله ، تحمل راية الله على منهج هذا الحبيب الذي يحاول هؤلاء الصعاليك
تشويه صورته .. فلتكن نسخة منه صلى الله عليه وسلم ..!!
استطاع ذلك الشيخ أن يوجه الشلال المتدفق الوجهة الصحيحة ..!
فقد قرر الشاب أن يقبل على الله ، ويجاهد نفسه ليتحلى بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
في جميع خطوات حياته ، وعاهد الشيخ أنه سيلتحق بصحبة مسجد ، يتعلم منهم ،
ويستعين بهم ، ويتواصى معهم ، ويفتح صفحة جديدة مع الله سبحانه ،
لعل رسوله الكريم يرضى عنه ..!
وقد كان ... !!
أقبل صاحبنا هذا بكل همة وعزم وقوة على الله ..
وعلى دروس العلم ، وحلقات الوعظ ،
وصحبة الخير ، وحمل هم دعوة الله سبحانه .. ونحو هذا ..
محاولاً أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في مأكله ومشربه ،
وحركته وسكونه ، ونومه ويقظته ، وكلامه وسكوته ، ومدخله ومخرجه ..!!
ورأت المنطقة ذلك الفتى على غير ما عهدته عليه من قبل ..!
صحيح أنه لا زال على قناعته بعدم فاعلية سلاح المقاطعة ، على اعتبار أنه سلاح مؤقت ،
وستعود الأمور إلى ما كانت عليه ، وكأنك يا بو زيد ما غزيت !!
غير أن فكرة ذلك الشيخ فعلت به العجب ..
ومنذ أن أقبل على الله بهمة .. تغيرت عاداته .. وتبدلت نظرته للحياة ، واعتدلت موازينه ..
وعرف الطريق إلى السماء!وأصبح لا يخشى في الله لومة لائم ..!!
وأما الثالث .. فمختصر قصته أنه جمع بين الأمرين معاً ..!
همة متوثبة مع حملة المقاطعة ..وحركة لا تهدأ ..
وفي خط موازٍ ..
عرف الطريق إلى المسجد ، وصحبة المسجد ، وحلقات المسجد ،
وأنوار المسجد .. فاستحال نورا يمشي بين الناس ..!!
وسكت بعد أن سرد هذه القصة .. ثم قال ..
أما الثالث فلن أسألكم عنه .. فهو الهدف المراد .. والقمة التي نرجو ونأمل ..
ولكني اسألكم عن أي الشابين هو الأفضل والأكمل والأرقى عند الله :
ذلك الذي اكتفى بالمقاطعة .. وجعلها هي الهدف ..
أما ذلك الذي رأى أن يراجع حساباته مع الله ، ليقبل عليه ، ويعيش معه ، ويجهد نفسه
ليكون نسخة من محمد صلى الله عليه وسلم _ على قدر طاقته _ ..
ولم ينتظر جواباً ... وطلب منا أن نفكر .. غير أنه قال :
ومن هنا أريد أن ألفت أنظاركم أن : اعملوا على تنبيه الناس إلى هذه القضية ..
أن المقاطعة ليست هدفاً بحد ذاته ..
فلنجعلها خطوة على الطريق من أجل العودة الحقيقية إلى الله سبحانه ،
ليرضى عنا ربنا ، ويرضى عنا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ..
ولكم أن تتخيلوا هذا المشهد :
يقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
أن فلاناً من الناس ، غضب وانفعل وحزن وقاطع حين سخروا منك .. فيتهلل وجه رسول الله ...
ثم يقال له : ولكنه يا رسول الله لا يصلي !!! ويفعل كذا وكذا من المحرمات ،
وهذه تصر على كشف جسدها ، ولا تبالي بكشف شعرها وتعريها أمام الرجال ، ونحو هذا ...
ألا تظنوا أن هذا سيتغير له وجه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ..وربما قال : سحقا سحقا ..!! بعداً بعدا ..!!
وحول هذه القضية دندن طويلا .. ليقرر :
أن سلاح المقاطعة لا ينبغي أن يكون هو الهدف وحده ..
بل لابد من استغلال هذه العاطقة الجياشة لدى الناس ،
من أجل توجيه أصحابها إلى طريق الله سبحانه ..., لينالوا رضاه ..وليفرح بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم..
= = =
وبالله وحده التوفيق ..