المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فجرٌ في دُجَى الأحداث(*) عبدالرحمن صالح العشماوي


ابوعثمان
01-15-2003, 12:54 AM
فجر في دجى الاحداث
كلُّ ما صاغَه خيالُ الظُّنونِ = يتهاوى أمَام فجرِ اليقينِ
لغةُ الفجرِ ذاتُ معنىً صحيحٍ = ولسانٍ طَلْقٍ، ولفظٍ مبينِ
يتهاوى أمامها كلُّ ليل =سرمدي من العذاب المُهينِ
لغةٌ تمنح القلوبَ صفاءً= ونقاءً في عصرنا المفتونِ
ها هنا الفجرُ، ما يزال يُريني = كيف ينجو من الخِضَمِّ سَفيني
كيف أَلْقى بشائر الخيرِ، لمَّا = تتضاغى سِباغُ ذاتِ القرونِ
كيف نمضي وإنْ أُقيمتْ سدودٌ= من أكاذيب حاقد وخؤون
ها هنا الفجرُ مشرقاً فاطمئنِّي = يا قلوباً، ويا عيونُ استبيني
ها هنا الفجر، فاقرأوه كتاباً= سُطِّرتْ فيه ذكرياتُ الحنينِ
أيَّ فجر تعنيه؟، كان سؤالاً = جارحاً من مواجعي وشجوني
من ربوع الإسراء للرُّعب فيها= قصصٌ سُطِّرتْ بحبر المَنُونِ
من بناتٍ محصَّناتٍ يتامى = لا تقولوا: مَنْ هُنَّ لا تَجرحوني
لا تقولوا: مَنْ هُنَّ، هُنَّ دموعٌ = ذرفتْها جفونُ عرضٍ مَصُونِ
كان قبلَ الغاراتِ عرضاً مصوناً = وهو اليومَ، وصْمةٌ في الجبينِ
أي فجرٍ تعنيه، كان سؤالاً = من عجوز يعيش عِيشَةَ هُونِ
من ثكالى وَلَجْن بابَ المآسي = شاحباتٍ يبكينَ فقد البنينِ
من صغارٍ في القدس ذاقوا وبالاً = ولهذا بِحُرْقةٍ سألوني
أيَّ فجر تعنيه، والليلُ أعمى = مزَّق القَصْفُ فيه ثوبَ السُّكونِ؟
أيَّ فجرٍ تعنيه، هل هو فجرٌ = من ترانيم شعرك الموزونِ؟؟
من عباراتك الجميلة، إنَّا = لنراها بديعةَ التَّلحينِ؟
نحن يا شاعرَ التفاؤلِ نَحيا = مُنْذُ دهرٍ في ليلنا «الصهيوني»
كيف تشدو بالفجر والناسُ تشكو = من ظلام مُعَتَّقٍ بالأنينِ؟!
أي فجر رأيته؟ هل تناءَى = بك وعيٌ عن صرخة من سجينِ؟!
عن دموع الأيتام في كل أرضٍ= والثكالى ومُسْقِطاتِ الجنينِ؟!
عن قتيل في القدس من غير ذنبٍ = عمره في الشهور، قبل السنينِ؟!
عن بيوت الأفغان صارتْ ركاماً = أكْسَبَتْهُ الدماءُ حمرةَ طينِ؟!
عن ألوف المشردين الضحايا=يتمنون حَفْنَةً من طحينِ؟!
لغة الفجر عذبة غير أنَّا = لم نُمَتَّعْ بلحنها منذ حين
أيَّ فجر تعنيه، هل هو فجرٌ= لانتصارات ألْفِنا المليون؟!
أيَّ فجر تعنيه؟، يا لسؤال= مرَّ كالسهم نحو قلبي الحزين؟!
هزَّني ذلك السؤال، وكادتْ = حسرتي تحت وقعه تَجْتَويني
غيرَ أني نفضتُ وَهْمَ انكساري = حين لاحت أنواره تدعوني
إنه الفجر، كيف تنسون فجراً=ساطعَ النور، في الكتاب المبين؟!
في هُدَى الأنبياء من عهد نوح = وختاماً بالصادق المأمون؟
منذ أن عاش في حراء وحيداً = ثم نادى في أهله: دثروني
ثم أحيا القلوب بعدَ مواتٍ = وحماها من وسوسات اللعين
ها هنا الفجر، فاركضي يا قوافي= في ميادين لهفتي واتبعيني
وابعثي لحنك الجميل نداءً = من صميم الفؤاد، لا تَخْذُليني:
يا ابن أرض الهُدَى، أرى العصر يشكو = من دعاة التيئيس والتوهينِ
وأرى السَّامريَّ يصنع عجلاً = وينادي برأيه المأْفون
وأرى صَوْلةَ البُغاة علينا = روَّعتْنا في قُدسنا المحزون
وأرى فتنةً تلاحق أخرى = وجنوناً للحرب بعد حنون
وأرى القوة العظيمة صارتْ = آلةَ الموت في يد «التِّنينِ»
وأرى الوهم مُمْسِكاً بالنواصي = مُستخفّاً بكل عقل رزينِ
يا أبا متعب أرى الغربَ يرمي = بدعاوى ممهورة بالظنون
هم أراقوا دَمَ العدالة لمَّا = واجهوا أمتي بحقد دفين
أهدروا «دُرَّةَ» الصِّغار وصانوا = دَمَ سفاح قُدسنا «شارون»
رسموا العنف لوحةً لوَّنوها = بدماء الضعيف والمسكين
نسبوها زُوراً إلينا ولسنا =في يَسارٍ من أمرها أو يمين
عجباً، غيَّروا الحقائق حتى =منحوا للهزيل وصف السمين
ألبسونا الإرهاب ثوباً غريباً = ورمونا بكلِّ فعلٍ مَشينِ
أيكونُ الإرهابَ في صَدِّ باغٍ = مستبد وظالم مُستهينِ؟؟
أيكونُ الإرهاب في نصر حقٍ = واحتكام إلى تعاليم دينِ؟!
إنها الحربُ أشعلوها، فماذا = يَصْنَع السيفُ في يدِ المستكين؟!
يا أبا متعب أرى الأرض عَطْشى = تطلب الماء من شحيح ضنين
تتلوَّى جوعاً على باب أفعى= ونريد الإنقاذ من حَيْزَبُونِ
لو أصَخْنا سمعاً إليها رهيفاً = لسمعنا نداءها: أنقذوني
أنقذوني من ظالم مستبد = لم تزلْ نارُ ظُلمه تُصْليني
أنقذوني من الفساد، تمادى = وسرى في النفوس كالطاعون
يا أبا متعب، هي الأرض تشكو = وتنادي يا قوم لا تتركوني
عندنا نحن أمنُها وهُداها = ولدينا وسائل التأمينِ
من حمى بيتنا الحرام انطلقنا = نُنقِذُ الناس من ظلام السجون
أنتَ أعلنتَها بياناً صريحاً= ما به حاجةٌ إلى تَبْييِن:
دينُنا الرُّوحُ لا نساومُ فيه = أو نُحابي به دُعاة الفُتون
نحن أهل القرآن منه ابتدأنا= ومضينا بنوره في يقين
وتلوناه للوجود، فأجرى = للقلوب الظماء أصفى مَعين
وسكنَّا من آيهِ في حصونٍ = شامخات الذُّرى وحرزٍ مكينِ
وفتحنا نوافذَ الكونِ حتى = صار سِفْراً لنا بديع الفنون
ورفعنا الأَذانَ حياً فتاقتْ = كلُّ نفسٍ إلى جميل اللُّحون
عندنا الكنزُ، كنزُ دين حنيفٍ = نحن أغنى بفضله المخزون
عندنا حكمة الشيوخِ، وفينا= همَّةٌ للشباب ذاتُ شؤون
إن خسرنا، والكنزُ فينا، فبُعداً = ثم بعداً لنا، ولا تعذلوني
يا ابنَ أرض الهُدى، عُلانا هُدانا =وهدانا هدى النبيِّ الأمينِ
أرضنا الواحة العظيمة تُدني = من يد المجتني ثمارَ الغصونِ
أرضنا للعباد صدرٌ حنونٌ= يا رعى اللهُ كلَّ صدرٍ حنونِ
نحن في هذه البلاد اتَّخذنا = منهجاً واضحاً منيعَ الحصونِ
ومددنا أواصر الحق فينا= واتصلنا منها بحبل متينِ
وسقينا بواسقَ النخل حباً =فسعدنا بطلعها الميمون
ومحالٌ أن يصبح التمر جمراً= ويكون الأصيل مثل الهجين
يا أخا الفهد، عصرنا لا يُبالي = بضعيف يحيا على التخمين
لا يبالي بأمة تتساقى = بكؤوس من الخضوع المَشين
عَصْرُنا عصرُ ذَرَّةٍ وفضاءٍ = واكتشاف المجمهول والمكنون
فافتحوا الباب للشموخ، فإنا = قد وَرِثنا بالدين وَعْيَ القرون
رَسَمَ الغربُ للحضارة وجهاً= دموياً مشوَّه التكوين
ملأوا الأرض بالعلوم ولكن = أثخنوها بفسقهم والمجون
ورَسَمْنا وجهَ الحضارة طَلْقاً= ومدَدْنا لها ظلال الغصون
مُنْذُ فاضت بطحاء مكَّةَ بِشْرًا= وانتشى بالضياء «رِيْعُ الحُجون»
إن ضَعُفْنا في عصرنا فلأنَّا = قد ركنَّا للغرب أقسى رُكونِ
يا ابنَ أرضِ الهُدى سيرعى خُطانا = مَنْ رعى في محيطهِ «ذا النُّونِ»
إنما الأمرُ في يدِ اللهِ يُمضي = ما طوى علمُه بكافٍ ونونِ
دَعْوَةُ الكُفر تنتهي وستبقى =دعوةُ الحقِّ دعوةَ التمكينِ



(*) ألقيت القصيدة في افتتاح مهرجان الجناردية يوم الأربعاء الموافق 8/11/1422هـ

saeed
01-17-2003, 02:24 AM
مشكور مجيب الرحمن على الانتقا الرائع