طالبة العلم
03-28-2016, 11:01 AM
تفسير الزركشي لآيات من سورة العلق
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]
قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾، فعمَّ بقوله: ﴿ خَلَقَ ﴾ جميع مخلوقاته، ثم خصّ فقال: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [العلق: 2] [1].
قال رحمه الله: قيل أول ما نزل للرسالة: ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثر: 1] [2]، وللنبوة ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾، فإن العلماء قالوا: قوله تعالى ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾، دالٌّ على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبوة عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان المَلَك بتكليف خاص، وقوله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1، 2] [3]، دليل على رسالته صلى الله عليه وسلم؛ لأنها عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان الملك بتكليف عام[4].
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾ [العلق: 6]
قوله صلى الله عليه وسلم في مثل الدنيا: "إنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا"[5] في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7] [6]، وقوله: ﴿ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ﴾ [محمد: 36] [7].
قال رحمه الله: تكون "كلّا" بمعنى "ألا" فيستفتح بها الكلام، وهي على هذا حرف، وهذا مذهب أبي حاتم[8]، واستدل على أنها للاستفتاح أنه روي أن جبريل نزل على النبي ع بخمس آيات من سورة العلق ولما قال: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5] [9]، طوى النمط، فهو وقف صحيح، ثم لما نزل بعد ذلك: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾ [العلق: 6] فدل على أن الابتداء بـ "كلّا" من طريق الوحي، فهي في الابتداء بمعنى "أَلَا" عنده[10].
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ﴾ [العلق: 9]
قال رحمه الله: إذا دخلت "الهمزة" على "رأيت" امتنع أن تكون من رؤية البصر أو القلب، وصارت بمعنى: أخبرني، كقولك: أرأيت زيدًا ما صنع! في المعنى تعدّى بحرف، وفي اللفظ تعدى بنفسه، ومنه قوله تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴾ [العلق: 9، 10] [11].
﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴾ [العلق: 15]
قوله تعالى: ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴾، فاللام في "لئن" مؤذنة، وقوله: نَسْفَعًا، جواب القسم المقدر، تقديره: والله لنسفعنّ[12].
﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ [العلق: 16]
قوله تعالى: ﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾، الخطأ صفة الكل، فوصف به الناصية، وأما الكاذبة فصفة اللسان[13].
وقوله تعالى: ﴿ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ ﴾ [العلق: 15، 16] [14]، فائدة الجمع بينهما، أن الأولى ذكرت للتنصيص على نَاصِيَةٍ ، والثانية على علة السفع، ليشمل بذلك ظاهر كلِّ ناصية هذه صفتها[15].
﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾ [العلق: 18]
قوله تعالى: ﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾، فيه سرعة الفعل، وإجابة الزبانية، وقوة البطش، وهو وعيد عظيم ذكر مبدؤه وحذف آخره، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ [القمر: 50] [16].
[1] سورة العلق:2. البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - ذكر الخاص بعد العام 2/ 289.
[2] سورة المدثر: 1.
[3] سورة المدثر: 1-2.
[4] البرهان: معرفة أول ما نزل من القرآن وآخر ما نزل 1/ 148.
[5] رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري ت، كتاب الزكاة - باب الصدقة على اليتامى، ص/ 356، رقم الحديث 1465، ومسلم، كتاب الزكاة- تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، ص/ 464، رقم الحديث 1052.
[6] سورة العلق: 6-7.
[7] سورة محمد:36. البرهان: معاضدة السنة للقرآن 2/ 92.
[8] مغني اللبيب لابن هشام 1/ 213.
[9] سورة العلق: 5.
[10] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - كلا 4/ 195
[11] سورة العلق: 9-10. البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - مسألة في دخول الهمزة على رأيت 4/ 114.
[12] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - اللام الغير عاملة 4/ 207.
[13] المصدر السابق: بيان حقيقته ومجازه - إطلاق اسم الكل على الجزء 2/ 167.
[14] سورة العلق: 15-16.
[15] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - البدل 2/ 280.
[16] سورة القمر:50. البرهان: علم مرسوم الخط - حذف الواو 1/ 276.
الالوكة
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]
قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾، فعمَّ بقوله: ﴿ خَلَقَ ﴾ جميع مخلوقاته، ثم خصّ فقال: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [العلق: 2] [1].
قال رحمه الله: قيل أول ما نزل للرسالة: ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثر: 1] [2]، وللنبوة ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾، فإن العلماء قالوا: قوله تعالى ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾، دالٌّ على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبوة عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان المَلَك بتكليف خاص، وقوله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1، 2] [3]، دليل على رسالته صلى الله عليه وسلم؛ لأنها عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان الملك بتكليف عام[4].
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾ [العلق: 6]
قوله صلى الله عليه وسلم في مثل الدنيا: "إنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا"[5] في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7] [6]، وقوله: ﴿ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ﴾ [محمد: 36] [7].
قال رحمه الله: تكون "كلّا" بمعنى "ألا" فيستفتح بها الكلام، وهي على هذا حرف، وهذا مذهب أبي حاتم[8]، واستدل على أنها للاستفتاح أنه روي أن جبريل نزل على النبي ع بخمس آيات من سورة العلق ولما قال: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5] [9]، طوى النمط، فهو وقف صحيح، ثم لما نزل بعد ذلك: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾ [العلق: 6] فدل على أن الابتداء بـ "كلّا" من طريق الوحي، فهي في الابتداء بمعنى "أَلَا" عنده[10].
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ﴾ [العلق: 9]
قال رحمه الله: إذا دخلت "الهمزة" على "رأيت" امتنع أن تكون من رؤية البصر أو القلب، وصارت بمعنى: أخبرني، كقولك: أرأيت زيدًا ما صنع! في المعنى تعدّى بحرف، وفي اللفظ تعدى بنفسه، ومنه قوله تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴾ [العلق: 9، 10] [11].
﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴾ [العلق: 15]
قوله تعالى: ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴾، فاللام في "لئن" مؤذنة، وقوله: نَسْفَعًا، جواب القسم المقدر، تقديره: والله لنسفعنّ[12].
﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ [العلق: 16]
قوله تعالى: ﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾، الخطأ صفة الكل، فوصف به الناصية، وأما الكاذبة فصفة اللسان[13].
وقوله تعالى: ﴿ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ ﴾ [العلق: 15، 16] [14]، فائدة الجمع بينهما، أن الأولى ذكرت للتنصيص على نَاصِيَةٍ ، والثانية على علة السفع، ليشمل بذلك ظاهر كلِّ ناصية هذه صفتها[15].
﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾ [العلق: 18]
قوله تعالى: ﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾، فيه سرعة الفعل، وإجابة الزبانية، وقوة البطش، وهو وعيد عظيم ذكر مبدؤه وحذف آخره، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ [القمر: 50] [16].
[1] سورة العلق:2. البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - ذكر الخاص بعد العام 2/ 289.
[2] سورة المدثر: 1.
[3] سورة المدثر: 1-2.
[4] البرهان: معرفة أول ما نزل من القرآن وآخر ما نزل 1/ 148.
[5] رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري ت، كتاب الزكاة - باب الصدقة على اليتامى، ص/ 356، رقم الحديث 1465، ومسلم، كتاب الزكاة- تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، ص/ 464، رقم الحديث 1052.
[6] سورة العلق: 6-7.
[7] سورة محمد:36. البرهان: معاضدة السنة للقرآن 2/ 92.
[8] مغني اللبيب لابن هشام 1/ 213.
[9] سورة العلق: 5.
[10] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - كلا 4/ 195
[11] سورة العلق: 9-10. البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - مسألة في دخول الهمزة على رأيت 4/ 114.
[12] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - اللام الغير عاملة 4/ 207.
[13] المصدر السابق: بيان حقيقته ومجازه - إطلاق اسم الكل على الجزء 2/ 167.
[14] سورة العلق: 15-16.
[15] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - البدل 2/ 280.
[16] سورة القمر:50. البرهان: علم مرسوم الخط - حذف الواو 1/ 276.
الالوكة