الفرق بين القرآن والمصحف
الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه: ممَّا لا شك فيه أن هناك فرقاً بين المصحف والقرآن, وذلك من حيث المعنى اللُّغوي والاصطلاحي, حيث يفترقان في كِلا المعنيين على النحو التالي:
أولاً: معنى القرآن:
«القرآن» لغة:
اتَّفق أهلُ اللُّغة - رحمهم الله - على أنَّ لفظ «قرآن» اسمٌ وليس بفعلٍ ولا حرف، لكنَّهم اختلفوا فيه من جهة الاشتقاق أو عدمه، ومن جهة كونه مهموزاً أو غير مهموز، ومن جهة كونه مصدراً أو وَصْفاً، على أقوالٍ عِدَّة، تُجْمَلُ فيما يلي [1]:
1- أنَّه «اسمٌ عَلَمٌ غير منقول» أي: جامد.
2- أنه «مهموز» [2] مُشْتَقٌ من: «قَرَأَ» بمعنى: «تلا».
3- أنه «مهموز» مشتق من: «القَرْء» بمعنى: «الجَمْع».
4- أنه «غير مهموز» مشتق من: «قَرَنْتُ الشَّيءَ بالشَّيء».
5- أنه «غير مهموز» مشتق من: «القَرائِن».
ويظهر - والله أعلم - أنَّ
أرجح هذه الأقوال هو القولُ الثَّاني؛ لِقُرْبِ اشتقاقه من كلمة القرآن لفظاً ومعنى [3].
فالقرآن مصدر «قَرَأَ» بمعنى: «تلا» كالرُّجحان والغفران، ثم نُقِلَ من المصدر وجُعِلَ اسماً للكلام المُنَزَّل على نبيِّنا محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم.
ويشهد له قوله تعالى: {
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]. أي: قراءَته.
وقول حسَّان بن ثابت يرثي عثمانَ -رضي الله عنهما-:
ضَحَّوا بأشْمَطَ عُنْوانُ السُّجودِ به * يُقَطِّعُ اللَّيلَ تَسْبِيحاً وقُرآناً
أي قراءةً [4].
«القرآن» اصطلاحاً:
ذَكَرَ العلماءُ - رحمهم الله - للقرآن الكريم تعريفاً اصطلاحياً يُقَرِّب معناه ويميِّزه عن غيره، فعرَّفوه بأنَّه: «
كَلامُ الله، المُنَزَّلُ على نبيِّه محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، المُعْجِزُ بِلَفْظِهِ، المُتَعَبَّدُ بِتِلاَوَتِه، المَكْتُوبُ في المَصَاحِفِ، المَنْقُولُ بالتَّواتُرِ».
وغاية العلماء من ذِكْرِ هذه القيود بشكل عام، هي تحديدُ المُعَرَّفِ، بحيث يكون التَّعريفُ دالاً عليه دلالةً واضحة، مانِعاً من دُخولِ غَيرِه فيه [5].
ثانياً: معنى المصحف:
«المصحف» لغة:
الأصل المشهور في ضبط كلمة: «مُصحف» بضم الميم، ويجوز «مِصْحَفُ» بكسرها، وهي لغة تميم.
والمصحف لغة: اسمٌ لكلِّ مجموعة من الصُّحُف المكتوبة ضُمَّت بين دفَّتين، وجاء في (اللِّسان) عن الأزهري - رحمه الله: «وإنَّما سُمِّي المصحفُ مصحفاً؛ لأنه أُصْحِفَ، أي جُعل جامعاً للصُّحُفِ المكتوبة بين الدَّفتَّين» [6].
ومقتضى كلام الفيروزآبادي - رحمه الله: أنَّ المُصحف (بالضم): اسم مفعول من أصْحَفَه إذا جمعه. والمَصحف (بالفتح): موضع الصُّحُف، أي: مجمع الصَّحائف. والمِصحف (بالكسر): آلة تَجْمع الصُّحف [7].
«المصحف» اصطلاحاً:
المصحف في اصطلاح العلماء - رحمهم الله: «
هو اسمٌ للمكتوب فيه كلام الله تعالى بين الدَّفتَّين» [8].
ويصدق المصحف على ما كان حاوياً للقرآن كلِّه، أو كان ممَّا يُسمَّى مصحفاً عُرفاً ولو قليلاً كحزب، على ما صرَّح به القليوبي - رحمه الله، أو أقلَّ من ذلك كورقة فيها بعض سورة، أو لوحاً، أو كتفاً مكتوبة [9].
«وقيل للقرآن مصحف؛ لأنَّه جُمِعَ من الصَّحائِف المتفرِّقة في أيدي الصَّحابة، وقيل: لأنَّه جَمَعَ وحَوَى - بطريق الإجمال - جميعَ ما كان في كتب الأنبياء، وصُحُفِهم، (لا) بطريق التَّفصيل» [10].
الفرق بين القرآن والمصحف:
من خلال الاستعراض اللُّغوي للفظ: «قرآن»، ولفظ: «مصحف». وما تبعه من تعريف اصطلاحيٍّ لهما، نستطيع أن ندرك الفرق بينهما، فيقال في الفرق بينهما:
إنَّ «المصحف»: اسمٌ للمكتوبِ من القرآن الكريم، المجموع بين الدَّفَّتين، و«القرآن»: اسمٌ لكلامِ الله تعالى المكتوبِ في المصاحف [11].
[1] انظر: معجم مقاييس اللغة (2/396)، المصباح المنير (ص259)، لسان العرب (1/128-131)، القاموس المحيط (ص62)، مختار الصحاح (ص249)، المفردات في غريب القرآن (ص400)، النهاية في غريب الحديث والأثر (4/30-31).
[2] معنى «مهموز»: أن الهمزة في لفظ «القرآن» أصلية، من: «قرأ».
[3] انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم، أ.د. محمد أبو شهبة (ص19-23).
[4] انظر: الإتقان في علوم القرآن (ص137).
[5] انظر: البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشي (1/441)؛ المستصفى (1/64)؛ مباحث في علوم القرآن (ص20)؛ فيض الرحمن في الأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن، د. أحمد سالم ملحم (21-29).
[6] انظر: لسان العرب (7/290-291)، مادة: (صحف).
[7] انظر: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (1/86).
[8] انظر: الموسوعة الفقهية، لمجموعة من الباحثين (38/5).
[9] انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/125)؛ حاشية القليوبي على منهاج الطالبين (1/35).
[10] بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (1/87).
[11] انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني (3/8-9).
الالوكة