كيف تكون شخصية إيجابية ؟(تخلص من آلام الماضي)

كيف تكون شخصية إيجابية ؟(تخلص من آلام الماضي)

مصطفى كريم

(السعيد هو المستفيد من ماضيه، المتحمس لحاضره، المتفائل بمستقبله).

د.صلاح صالح الراشد.

روي أن رجلًا سأل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مالًا، فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال الرجل: نعم، قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال الرجل: نعم، فقال له عبد الله: فأنت من الأغنياء، فقال الرجل: فإن لي خادمًا، فقال: فأنت من الملوك [رواه مسلم].
وما أظنه ـ عزيزي القارئ ـ أنك إما من الأغنياء أو من الملوك على حد وصف عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
فرقة الموت:
ولكن لا يفكر الكثيرون بطريقة عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، بل يعيش الواحد منهم في ظلال الماضي بصورة سلبية، وحينها سيكون ضحية لفرقة الموت، وهي فرقة تشتمل على ثلاثة أعضاء رئيسين، وهم: (اللوم والنقد والمقارنة).
فيبدأ في لوم نفسه وتقريعها على ما ارتكبت من أخطاء في الماضي، وهذا اللوم يصفه الدكتور إبراهيم الفقي فيقول: (وهذا ـ أي اللوم ـ هو السم الداخلي الذي يحدث للإنسان ويجري في عروقه ويخزن بعمق في عقله الباطن).
وبعد أن يعيش المرء في ظلال لوم نفسه، يبدأ في إلقاء التبعة على الآخرين، ويسيطر عليه العضو الثاني في فرقة الموت، فيشرع في نقد الآخرين وتعليق أخطائه على شماعتهم، ولن يكسب المرء شيئًا من نقد الآخرين، فلا ذاك يعيد الماضي، ولن يجعلك تتعلم منه، فضلًا أن انتقادك للآخرن سيبني عقبة كئود تقف في وجه علاقتك بهم.
وبين اللوم والنقد، تسيطر المقارنة وهي العضو الثالث في فرقة الموت على من يعيش في ظلال الماضي؛ ليصبغ حياته بلون قاتم، فيبدأ في المقارنة بين نفسه وبين الآخرين، بصورة لا تذكي همتة ولا تشعل رغبته.
فيذكر لك كيف كان هو وصديقه في نفس المستوى الدراسي، ثم كيف استطاع صديقه هذا أن يتفوق، بينما فشل هو في تحقيق ذلك، ويدخل في حلقة مفرغة، إن لم تنتهي بحقده على صديقه هذا، فسوف تنتهي لا محالة بحزن عميق دون أن يتخذ موقفًا إيجابيًّا.
استثمر ما تملكه:
ولكن حتى تمتلك متاع الأغنياء أو الملوك كما امتلكه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فعليك أولًا أن تحوز ذلك المتاع الذي جعله الله نعمة لجميع البشر، إنه متاع كل واحد منا في الكون من الدقائق والثواني، والساعات والأيام، والشهور والسنين، وإن اليوم الذي تحياه واللحظة التي تعيشها الآن هي حقيقة ما تملكه في الوجود، ولذا؛ ركِّز على استغلالها، واستثمارها أعظم استثمار.
وهذه هي الحقيقة التي يعبر عنها جون سي ماكسويل في كتابه "لليوم أهميته"، حين يقول: (إن الناس يحققون النجاح في حياتهم بواسطة التركيز على يومهم، وقد تبدو هذه الفكرة بسيطة للغاية، ولكن اليوم هو كل ما تملكه، فقد فات أوان الأمس، ولا يمكنك التعويل على الغد، لهذا؛ فإن اليوم له أهميته).
وحينما ينشغل الواحد منا عن حاضره بماضيه ومستقبله؛ فإنه لا يقدم لنفسه سوى الهم والحزن، ولذلك يقول الشيخ محمد الغزالي: (من أخطاء الإنسان أن ينوء في حاضره بأعباء مستقبله الطويل... فعش في حدود يومك؛ فذاك أجدر بك وأصلح لك).
رأس مال الغد:
ولكن ليس معنى أن تعيش حاضرك هو أن تهمل التخطيط لمستقبلك، فهذا الشيخ محمد الغزالي أيضًا يجلي لنا هذه الحقيقة؛ حتى لا تلعب بنا الظنون، فيقول: (وهناك فارق بين الاهتمام بالمستقبل والاغتمام به، بين الاستعداد له والاستغراق فيه، بين التيقظ في استغلال اليوم الحاضر، وبين التوجس المربك المحير مما قد يفد به الغد).
إذًا علينا أن نعيش حاضرنا بأحسن وسيلة ممكنة، وفي الوقت ذاته نجعل هذا الحاضر الذي نعيشه يقودنا إلى مستقبلٍ أفضل، مُخطَّطٌ ومُعَدٌّ له جيدًا.
حقيبة الخبرات:
إن الماضي يمثل فقط حقيبة تحوي الخبرات التي يستفيد منها المرء، سواءً كانت تجارب الماضي ناجحة فيكررها، أو فاشلة فيتعلم منها، ولذا؛ يحكي الدكتور إبراهيم الفقي فيقول:
(في برنامجي عن قوة الطاقة البشرية سألت الحاضرين إن كان أحدهم يعاني من شيء سلبي حدث له في الماضي؟ فوجدت الجميع يرفع اليدين وعلى وجههم ابتسامة عريضة!
فسألت أحدهم وكان رجلًا في الأربعينيات من عمره أن يحدثنا عن التحدي الذي عانى منه في الماضي، فرد قائلًا: خسـرت كل أموالي في الاستثمار في مشـروع كان من المفروض أن ينجح، وقد قام شركائي بالاحتيال عليَّ ومن يومها وأنا لا أثق في أي إنسان.
فسألته: هل ممكن أن تقول لي ما الذي تعلمته من هذه التجربة؟ فقال: تعلمت أن أخطط بطريقة أفضل، وأن تكون المعاملة مع أي شريك واضحة مع أخذ كافة الضمانات الشخصية، وأن أكون حريصًا جدًا في التكاليف والمصروفات، وأن يكون التسويق على يد مختصين في مجالهم).
فإن هذا الرجل في القصة السابقة، قد عانى من عدم الثقة في جميع الناس، وأحجم عن تكرار المحاولة مرة أخرى؛ لأنه عاش في تجربة الماضي بطريقة سلبية، ولكن لو سأل نفسه هذا السؤال: ما الذي تعلمته من هذه التجربة؟ لأصبح الماضي حقيبة من التجارب والخبرات الإيجابية.
حديث جامع:
وها هو سيد المرسلين صلي الله عليه وسلم يُلخِّص لنا تلك الوسيلة في حديثٍ جامعٍ لكل تلك المعاني في قوله صلي الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا فى سربه، معافىً فى جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا) [رواه الترمذي وحسنه الألباني]، فاهنأ عزيزي القارئ، يا من أسبغ الله عليك نعمه، وشملتك رحمته، وعمَّك فضله، فقد حيزت لك الدنيا لتنعم فيها بالسعادة والهناء.
وماذا بعد الكلام؟
1. اصنع سجلًّا لخبرات الماضي وتجاربه، وقسم صفحات ذلك السجل إلى عمودين رئيسيين، أحدهما تدون فيه أخطاءك، والثاني تضع فيه مقترحاتك لعلاج هذه الأخطاء وتلافيها في المستقبل.
2. استشر ذوي الخبرة فيما وقعت فيه من الأخطاء واطلب منهم أن يرشدوك إلى الحل الأمثل لها، واشرع في تنفيذ تلك الحلول مباشرة.
3. إن كانت أخطاء الماضي تشتمل على إيذاء الآخرين، فاطلب منهم أن يسامحوك، وعاملهم بأحسن ما تكون المعاملة.
أهم المراجع:
1. السعادة النفسية، د.صلاح الراشد.
2. قوة التفكير، د.إبراهيم الفقي.
3. لليوم أهميته، جون سي ماكسويل.
4. جدد حياتك، الشيخ محمد الغزالي.

موضوع متميز
كل الشكر على مجهودك الطيب