جريدةالجزيرة الاربعاء 5/6/1428هـ
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمو
صالح بن فوزان الفوزان
الحمد لله رب العالمين، جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعار هذه الأمة المحمدية فقال سبحانه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}(110) سورة آل عمران، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد: فإن الله ميز هذه الأمة على غيرها من الأمم بأن جعلها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ...
...فلا يزال ذلك سمة لها بين الأمم من تركها حل به الدمار، كما حل بالأمم السابقة، ولكن لا يزال - ولله الحمد - منها أمة قائمة على هذه الشعيرة لا يضرها من خذلها ولا من خالفها حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب التمكين في الأرض والنصر على الأعداء، قال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (40-41) سورة الحج.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علامة الإيمان، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب النجاة عن نزول العذاب، قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} (165) سورة الأعراف.
وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المنافقين، قال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} (67) سورة التوبة. وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للعنة لله، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (78-79) سورة المائدة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق اطراء أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم).
وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل على زوال الإيمان من القلب أو ضعفه، قال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فيغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، وفي رواية (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)، فالذي لا ينكر المنكر أبداً ليس في قلبه إيمان، ولأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أقامت هذه الدولة المباركة جهازاً خاصاً ممثلاً بالهيئات يتولى هذه المهمة ووكلت ذلك إلى رجال مخلصين يقومون به على الوجه المشروع فكم قبضوا على فئات من المفسدين يترويج المخدرات والمسكرات والمقيمين لمصانع الخمور، وكم قبضوا على بيوت الدعارة والمفسدين للأخلاق المشيعين للفاحشة بين المسلمين. وكم قبضوا على السحرة الكفرة.
فيجب تشجيعهم وإعانتهم على مهمتهم العظيمة التي بها وقاية المجتمع وحمايته من الدمار بإذن الله وان حصل من أحد منهم خطأ غير مقصود فلا يجوز إشهاره وجعله مادة صحفية تملأ بها أعمدة الجرائد كما هو الحاصل في هذه الأيام. فهم بشر يخطئون ويصيبون ليسوا معصومين ولكن لهم مراجع تتولى معالجة ما يقع منهم من أخطاء كسائر الجهات المسؤولة، فكم يقع من غيرهم من أخطاء لا نرى من أولئك المنتقدين اهتماماً بها، كما يحصل منهم من الانتقاد في حق الهيئة، وما قد يحصل من جناية غير مقصودة يكون النظر فيها للمحاكم الشرعية، فقد لا تصح هذه الاتهامات بها، وان صح شيء منها فالنظر في أسبابه وملابساته يرجع فيه إلى المحاكم الشرعية، ولا نستعجل النتائج ونكون من أنفسنا حكاماً في قضايا لم يوكل إلينا شأنها، قال صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ولو حصل أو نسب أحد هؤلاء المتكلمين فيما ليس من شأنهم زلة أو خطأ أو جناية غير مقصودة كما قد يحصل من بعض الهيئة، هل يرضى من أحد أن يتدخل فيه ويشهر به ويجعله مادة صحفية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات. وقال تعالى معاتباً أمثال هؤلاء: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83) سورة النساء.
وهؤلاء الذين يطلقون الأحكام على الهيئة بدون تثبت وينشرون ذلك على الملأ داخلون في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (19) سورة النور، هؤلاء جعلوا من أعضاء الهيئة جناة وأعداء للمجتمع. وحتى من يتكلمون في حق الهيئة في المجالس داخلون في هذا الذم، قال تعالى: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (15) سورة النور. إنهم ينظرون إلى خطأ عضو الهيئة ان وقع ولا ينظرون إلى خطأ الطرف الآخر في القضية أو المجرم أو تسببه إلى إلحاق التهمة به. إن الله سبحانه أمر بالعدل حتى مع الأعداء من الكفار فقال سبحانه: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ} (8) سورة المائدة، فكيف بالمؤمن، ثم ان هؤلاء ينظرون إلى الأخطاء الجزئية لو وقعت، ولا ينظرون إلى ما يتحقق على أيدي أعضاء الهيئة من النتائج الطيبة والفوائد العظيمة للمجتمع التي تغتفر فيها الأخطاء الجزئية. أما تحديد مهام أعضاء الهيئة فقد بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، فاليد للسلطان ومن وكل إليه السلطان تلك المهمة وهم أعضاء الهيئة، وإذا لم يكن لهم يد لم يحصل الغرض المطلوب من إزالة المنكر. ولا يجوز سلب الصلاحية التي أعطاهم الرسول إياها، لأنه يعطل مهمتهم.
فالواجب علينا جميعاً أن نتعاون مع رجال الهيئة في أداء مهمتهم لأن ذلك من مصلحتنا جميعاً، والله أمر بالجلد في الحدود والتعزيرات فما ترتب على المأذون فهو غير مضمون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
* عضو هيئة كبار العلماء