الإهداءات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 06-27-2003, 02:06 PM
مؤسس شبكة بني عمرو
صالح آل سلمان غير متصل
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 360
 تاريخ التسجيل : Jun 2003
 فترة الأقامة : 7640 يوم
 أخر زيارة : 02-21-2024 (11:27 PM)
 المشاركات : 15,930 [ + ]
 التقييم : 18
 معدل التقييم : صالح آل سلمان is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي بَيت يطير.. بُيوت تبقى



قصه للاديب حسن حميد فلسطيني الجنسيه




في مخيّم جباليا..

وقبيل المساء بقليل، سرت همهمة في المخيّم، تناقلها الكبار والصغار، قالوا:

ـ «الخواجات، سينسفون بيت عوض السواحري»!

وسرعان ما شاع الخبر!

فالتفَّ الجميع حول عوض السواحري، داخل بيته وخارجه، والغصّة حشو ذواتهم، يواسونه، ويذكرونه بالحوادث المماثلة!

كانوا حزانى لأن (الدور) وقع عليه!

في تلك الليلة ساهروه، وساهروا البيت حتى الصباح لكأنهم كانوا يودّعون الجدران، والزوايا، والنباتات. وبيوت العناكب، والعتبة، والباب، والنافذتين، ومساحات السوّاد التي تركتها المدفأة، وكتابات أولاده، وخطوطهم، ورسومهم المتداخلة، المتعددة الألوان، قطع اللباد، وحصيرة البلاستيك التي يجلسون عليها والكاسات، وإبريق الشاي الصيني، الأزرق اللون، والسلسلة الصغيرة المتدلية من غطائه.. وصحون السيكارة النحاسية. لقد غصّوا أو كادوا، حين طلب عوض السواحري من زوجته أن تقطف وريقات من نبتة (العُطرة) وتضعها مع الشاي، قبل أن يُنسف البيت، وقبل أن تموت العطرة التي تمتد، مع نباتات أخرى، في مدخل البيت!

تلك الليلة.. كانت نديّة بالأحاديث، والذكريات، والحزن!



* * *

عند الصباح، كانت أبصار المخيّم نافرة إلى دورية الخواجات وقوات الطوارئ والتفجير، التي شرعت في التحضير لنسف البيت!

لقد استصدر قائدهم قراراً من المحكمة العسكرية يقضي بنسف بيت عوض السواحري، بعد أن صوّروه من جهاته كافة، لأن شعارات باللون الأسود مكتوبة على جدرانه، تقول:

ـ «لا, لا, يا محتل، غير الثورة ما في حل»!

ـ «من غزة إلى بيروت، شعب حي لا يموت»!

بدا عوض السواحري، أمام بيته، أطول قامة، وصوته يلحّ على أولاده وأمّهم بالكف عن البكاء.. فما سيذهب.. يعوض!

كان قسم من أبناء المخيّم مجتمعين حولهم، يطلبون منهم الصبر والمصابرة! وقسم آخر حول قائد الخواجات يسألونه أن يسمح للسواحري بإخراج أثاث بيته، وكتب أولاده، وثيابهم.. قبل نسفه!

إلا أن الخواجة رفض مرات عدة!

فانفضوا عنه، وهم يتمتمون:

ـ «ستين عمرك ما تسمح»!

بدا صدر البيت ممتلئاً بنباتات الحبق، والنعناع، والعطرة، وأشجار الكينا، التي بنت رقصها على مرأى من الجميع، كانت الأنسام مشبعة برائحة البارود، والغاز، وكانت الكلاب في هياج حقيقي تنبح نبحاً مرّاً، موجعاً!

أما النساء، ـ وفي غفلة من قائد الدورية ـ فكن مشغولات بتفريغ (النمليات) من الأواني الزجاجية خوفاً عليها من الكسر!

أسطحة المنازل المجاورة لبيت عوض السواحري، امتلأت بالناس، الذين هيأوا أنفسهم لسماع إنذار الخواجات لهم بالابتعاد والتواري.. ساعة تطيير البيت!

شامان الحسن، ابن العشرين عاماً، اقترب من أولاد السواحري، مسّد على رؤوسهم، وهو ينظر إلى وقفتهم المنكسرة، ويسمع بكاءهم الخافت والعالي، وصوت أمّهم.. وهي تنشج! فدمعت عيناه، لأنه هو الذي كتب الشعارات على حيطان بيتهم!

وقد كان لابدَّ من ذلك!

مضت دقائق فقط، وعلا إنذار مكبر الصوت من سيارة الخواجات.. منذراً الناس بالابتعاد والتواري، فالبيت، يستعد للطيران!

لحظات، وابتعد الخواجات! وابتعد الناس! توارى الذين افترشوا الأسطحة!

هربت الكلاب بعيداً بعيداً.. ونبحت!

ابتعد أولاد عوض السواحري!

ابتعدت زوجته! وبقي هو واقفاً.. ينتظر الطيران! وبقيت نباتات النعناع والحبق والعطرة، وأشجار الكينا.. تنتظر أيضاً!!

وحين أبعدوه قسراً، بقي نظره معلّقاً على البيت، ثم ارتفع إلى الأعلى مع ارتفاع البيت، والغبار، والضجة!

لقد.. طار أخيراً!

سيارات الخواجات، أشعلت هديرها ومضت بناسها، بعد أن خلّفوا وراءهم الخراب والناس، والصياح، واللعنات، والشتائم!

عوض السواحري، وأولاده، وزوجته، وأهل المخيّم.. عادوا والتفّوا مرة ثانية حول البيت!

أصوات، تعالت:

ـ «يعوض الله يا سواحري، بيوتنا مفتوحة لك.. يا مرحبا»!

عوض، قال لهم:

ـ «يا جماعة، البيت نائم! ولابدّ أنه سيستيقظ عما قليل.. انتظروا»!

بدا المشهد حزيناً، يوجع القلب!

وبدت قطع أثاث البيت، وحجارته.. في حالة عناق غير اعتيادية! قسم من أبناء المخيّم وبعد مشاهدة ما حدث.. حاولوا إنقاذ أي شيء من داخل البيت، إلا أن الأمر بدا محاولة للعبث ليس غير.. فكل شيء محترق، ومقطَّع!

لذلك.. وبعد محاولات مخفقة، أخذوا ينفضون عن المكان!

نفرٌ، من جيران عوض السواحري، اقتادوا أولاده وزوجته إلى بيوتهم، وبقي هو حائماً حول البيت، يتمعن في خرابه, وقد كان منذ لحظات فقط.. بيتاً جميلاً، حلواً في ناظريه!

طاف حوله طويلاً، ورأى أواني الطبخ المقطَّعة، وكتب الأولاد المحترقة، والنباتات وقد غطّاها التراب، وقطع الحجارة، وأشجار الكينا وقد فقدت عدداً كبيراً من أغصانها.. وغصّ!

فجأة، تغيّرت حاله. ارتعش الرجل. توردّ وجهه. فجلس كأن حملاً ثقيلاً انزاح عن ظهره!

كان الرجل يحدّق ـ تماماً ـ إلى ما بقي من صدر البيت، إلى حيث نصف المرآة المتبقي!

تلك المرآة، التي ثبّتها يوماً بالإسمنت في واجهة البيت الأمامية! بدت صفحة المرآة السليمة ـ أمامه ـ ملأى ببيوت الحارة المقابلة لها، وبأشجارها ونباتاتها وهي تهتز وتتمايل بهدوء ومرح.. جميلين!

لقد أعجب المنظر عوض السواحري، وأدهشه!

لذلك.. أخرج علبة دخانه، وشرع يدخن!

ومع أول سحابة لدخانه، هزَّ رأسه، وغمغم:

ـ «بيت يطير.. بيوت تبقى»!!

* * *




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كيف تبقى شاباً كلي ذوق ونظرتي فوق الطب والعـلوم 14 01-30-2012 12:59 AM
..,,’’ تبقى هنآ ذكرآه -Sms - ’’,,.. بقايا حلم الإتصالات والفضائيات 8 07-17-2010 02:33 PM
تبقى أمنية عايش بغربة عطر الكلمات 13 03-30-2006 11:25 AM
تبقى أمنبة عايش بغربة عطر الكلمات 4 03-24-2006 08:11 PM


الساعة الآن 06:14 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.0 PL2 (Unregistered) TranZ By Almuhajir