الإهداءات


رياض الصالحين على مذهب أهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-11-2003, 06:07 PM   #16


الصورة الرمزية أبوفارس
أبوفارس غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 49
 تاريخ التسجيل :  Sep 2002
 أخر زيارة : 12-27-2021 (10:06 AM)
 المشاركات : 4,596 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



******


 

التعديل الأخير تم بواسطة أبوفارس ; 12-11-2003 الساعة 09:33 PM

رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 06:28 PM   #17
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

واشترى سراويل والظاهر أنه إنما اشتراها ليلبَسها، وقد روي في غير حديث أنه لبس السراويل، وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه.

ولبس الخفين، ولبس النعل الذي يسمى التَّاسُومة.

ولبس الخاتم، واختلفت الأحاديث هل كان في يمناه أو يُسراه، وكلها صحيحة السند.

ولبس البيضة التي تسمى: الخوذة، ولبس الدرع التي تسمى: الزردية، وظاهر يومَ أُحد بين الدرعين.

وفي ((صحيح مسلم)) عن أسماء بنت أبي بكر قالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجت جبةَ طيالِسة كَسِروانية لها لبنةُ دِيباج. وفرجاها مكفوفان بالديباج، فقالت: هذِهِ كانت عند عائشة حتى قُبِضَت، فلما قبضت قبضتُها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبَسُها، فنحنُ نَغْسلهَا للمرضى تسْتَشفى بها.

وكان له بردان أخضران، وكِساء أسود، وكساء أحمر ملبد، وكساء من شعر.

وكان قميصه من قطن، وكان قصيرَ الطول، قصيرَ الكُمَّين، وأما هذه الأكمام الواسعة الطِّوال التي هي كالأخراج، فلم يلبسها هو ولا أحد من أصحابه البتة، وهي مخالفة لسنته، وفي جوازها نظر، فإنها من جنس الخيلاء.

وكان أحبَّ الثياب إليه القميصُ والحِبَرَةُ، وهي ضرب من البرود فيه حمرة.

وكان أحبَّ الألوان إليه البياضُ، وقال: ((هي مِنْ خَيْرِ ثِيَابكُمْ، فَالبسوها، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكمْ)) وفي ((الصحيح)) عن عائشة أنها أخرجت كِساءً ملبَّدا وإزاراَ غليظاً فقالت: قُبِضَ روح رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في هذين.

ولبس خاتماً من ذهب، ثم رمى به، ونهى عن التختم بالذهب، ثم اتخذ خاتماً من فضة، ولم ينه عنه. وأما حديث أبي دَاود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أشياء، وذكر منها: ونهى عن لبوس الخاتم إلا لذي سلطان، فلا أدري ما حال الحديث، ولا وجهه، والله أعلم.

وكان يجعل فص خاتمه مما يلي باطن كفه. وذكر الترمذي أنه كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه، وصححه، وأنكره أبو داود.

وأما الطيلسان، فلم ينقل عنه أنه لبسه، ولا أحدٌ من أصحابه، بل قد ثبت في ((صحيح مسلم)) من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدَّجَّال فقال: ((يخْرُجُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً مِنْ يَهُودِ أَصْبِهَانَ عَلَيْهِمُ الطَّيالِسَةُ)). ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة، فقال: ما أشبَههُم بيهود خيبر. ومن ها هنا كره لبسها جماعة من السلف والخلف، لما روى أبو داود، والحاكم في ((المستدرك)) عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)). وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ غَيْرِنَا)) وأما ما جاء في حديث الهجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي بكر مُتَقَنِّعاً بالهَاجِرَة، فَإنما فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم تلك الساعة ليختفي بذلك، ففعلهُ للحاجة، ولم تكن عادتُه التقنعَ، وقد ذكر أنس عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُكثر القِنَاعَ، وهذا إنما كان يفعله- والله أعلم- للحاجة من الحر ونحوه، وأيضاً ليس التقنع من التطيلس.


فصل

وكان غالبُ ما يلبس هو وأصحابُه ما نُسِجَ مِن القطن، وربما لبسوا ما نُسِجَ من الصوف والكتَّان، وذكر الشيخ أبو إسحاق الأصبهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب قال: دخل الصَّلْتُ بن راشد على محمد بن سيرين وعليه جُبة صوف، وإزارُ صوف، وعِمامة صوف، فاشمأزَّ منه محمد، وقال: أظن أن أقواماً يلبسون الصوف ويقولون: قد لبسه عيسى بن مريم، وقد حدثني من لا أتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لبس الكتان والصوف والقطن، وسُنَّةُ نبينا أحقُّ أن تُتَّبَعَ. ومقصود ابن سيرين بهذا أن أقواماً يرون أن لبس الصوف دائماً أفضلُ من غيره، فيتحرَّونه ويمنعون أنفسهم من غيره، وكذلك يتحرَون زِياً واحداً من الملابس، ويتحرَّون رسوماً وأوضاعاً وهيئات يرون الخروج عنها منكراً، وليس المنكرُ إلا التقيد بها، والمحافظة عليها، وترك الخروج عنها.

والصواب أن أفضل الطرق طريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سنها، وأمر بِها، ورغَّب فيها، وداوم عليها، وهي أن هديَه في اللباس: أن يلبس ما تيسر مِنَ اللباس، من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة.
ولبس البرود اليمانية، والبردَ الأخضر، ولَبسَ الجبة، والقَباء، والقميص، وا لسراويل، والإِزار، والرداء، والخف، والنعل، وأرخى الذؤابة من خَلْفِه تارة، وتركها تارة.

وكان يتلحى بالعمامة تحت الحنك.

وكان إذا استجدَّ ثوباً، سماه باسمه، وقال: ((اللَّهمَّ أَنتَ كَسَوتَنِي هذا القَمِيصَ أَو الرِّدَاءِ أَوِ العِمَامَةَ، أَسْألُكَ خَيرَهُ وَخَيرَ مَا صنعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ ما صنعَ لَهُ)).

وكان إذا لبس قميصه، بدأ بميامِنه. ولبس الشعر الأسود، كما روى مسلم في ((صحيحه)) عن عائشة قالت: خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّل مِنْ شَعَر أَسْوَدَ.

وفي ((الصحيحين)) عن قتادة قلنا لأنس: أيُّ اللباسِ كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ((الحِبَرَة)). والحبرة: برد من برود اليمن فإن غالب لباسهم كان مِن نسج اليمن، لأنها قريبة منهم، وربما لبسوا ما يُجلب مِن الشَّام ومصر، كالقباطي المنسوجة من الكتان التي كانت تنسجها القبطُ. وفي ((صحيح النسائي)) عن عائشة أنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم بُردة من صوف، فلبسها، فلما عَرِق، فوجد رِيحَ الصوف، طرحها، وكان يُحبُ الرّيحَ الطَّيِّب. وفي ((سنن أبي داود)) عن عبد اللّه بن عباس قال: لَقَدْ رأيتُ عَلَى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الحُلَلِ. وفي ((سنن النسائي)) عن أبي رِمْثَةَ قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَخطُبُ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخضَرَانِ. والْبُرد الأخضر: هو الذي فيه خطوط خضر، وهو كالحلة الحمراء سواء، فمن فهم مِن الحُلة الحمراء الأحمر البحت، فينبغي أن يقول: إِنَّ البرد الأخضر كان أخضرَ بحتاً، وهذا لا يقولُه أحد.

وكانت مِخَدَّتُه صلى الله عليه وسلم من أَدَمٍ حَشوُهَا لِيف، فالذين يمتنعون عما أباح اللَّهُ مِن الملابس والمطاعم والمناكح تزهُّداً وتعبُّداً، بإزائهم طائفةٌ قابلوهم، فلا يلبَسُون إلا أشرفَ الثياب، ولا يأكلون إلا ألينَ الطعام، فلا يرون لَبِسَ الخَشنِ ولا أكله تكبُّراً وتجبُّراً، وكلا الطائفتين هديُه مخالِفٌ لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال بعض السلف: كانوا يكرهون الشهرتين من الثياب: العالي، والمنخفضِ.

وفي ((السنن)) عن ابن عمر يرفعه إلى صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ، أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ، ثُمَّ تَلَهَّبُ فيه النَّارُ)) وهذا لأنه قصد به الاختيال والفخر، فعاقبه اللّه بنقيضِ ذلك، فأَذَلَّه، كما عاقب من أطال ثيابه خُيلاء بأَن خسف به الأرض، فهو يتجلجلُ فيها إلى يوم القيامة. وفي ((الصحيحين)) عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ)) وفي ((السنن)) عنه أيضاً صلى الله عليه وسلم قال: ((الإِسْبَالُ في الإِزَار، وَالقَمِيصِ وَالعِمَامَةِ، مَنْ جَرَ شَيْئَاً مِنْهَا خُيَلاَءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ)) وفي ((السنن)) عن ابن عمر أيضاً قال: مَا قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإِزَارِ، فَهُوَ فِي القَمِيصِ، وكذلك لُبس الدنيء من الثياب يُذَمُّ في موضع، ويُحمد في موضع، فيُذم إذا كان شُهرةً وخُيلاء ويمدح إذا كان تواضعاً واستكانة، كما أن لبس الرفيع من الثياب يُذم إذا كان تكبُّراً وفخراً وخيلاء، ويُمدح إذا كان تجملاً وإظهاراً لنعمة اللّه، ففي ((صحيح مسلم)) عن ابن مسعود قال: قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: ((لا يَدْخُلُ الجَنَةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كبْرِ، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ))، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُحِبُّ أَن يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنَاً، وَنَعْلِي حَسَنَةً، أفَمِنَ الكِبْرِ ذَاكَ؟ فَقَالَ: ((لا، إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ ا لنَاسِ)).


فصل

وكذلك كان هديُه صلى الله عليه وسلم، وسيرتُه في الطعام، لا يردُّ موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافَه نفسُه، فيتركَه من غير تحريم، وما عاب طعاماً قطُّ، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، كما ترك أكل الضَّبِّ لمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ ولم يحرمه على الأمة، بل أُكِلَ على مائدته وهو ينظر.

وأكل الحلوى والعسل، وكان يُحبهما، وأكل لحم الجزور، والضأن، والدجاج، ولحم الحُبارى، ولحم حِمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرُّطبَ والتمرَ، وشرب اللبنَ خالصاً ومشوباً، والسويق، والعسل بالماء، وشرب نقيع التمر، وأكل الخَزِيرَة، وهي حَسَاء يتخذ من اللبن والدقيق، وأكل القِثَّاء بالرُّطَبِ، وأكل الأَقِطَ، وأكل التمر بالخبز، وأكل الخبز بالخل، وأكل الثريد، وهو الخبز باللحم، وأكل الخبز بالإِهالة، وهى الودك، وهو الشحم المذاب، وأكل من الكَبِدِ المَشوِيَّةِ، وأكل القَدِيد، وأكلَ الدُّبَّاء المطبوخةَ، وكان يُحبُّها وأكلَ المسلُوقةَ، وأكلَ الثريدَ بالسَّمْن، وأكلَ الجُبنَ، وأكلَ الخبز بالزيت، وأكل البطيخ بالرُّطَبِ، وأكل التمر بِالزُّبْدِ، وكان يُحبه، ولم يكن يردُّ طَيِّباً، ولا يتكلفه.

بل كان هديه أكلَ ما تيسر، فإن أعوزه، صَبَرَ حتى إنه ليربِطُ على بطنه الحجر من الجوع، ويُرى الهلالُ والهلالُ والهلالُ، ولا يُوقد في بيته نارٌ. وكان معظمُ مطعمه يوضع على الأرض في السُّفرة، وهي كانت مائدَته، وكان يأكل بأصابعه الثلاث، ويلعَقُها إذا فرغ، وهو أشرفُ ما يكون من الأكلة، فإن المتكبِّرَ يأكل بأصبع واحدة، والجَشِعُ الحريصُ يأكل بالخمس، ويدفع بالراحة.

وكان لا يأكل مُتكِئاً، والاتكاء على ثلاثة أنواع، أحدها: الاتكاء على الجنب، والثاني: التربُّع، والثالث: الاتكاء على إحدى يديه، وأكله بالأخرى، والثلاث مذمومة.

وكان يسمى الله تعالى على أول طعامه ، ويحمده في آخره فيقول عند انقضائه: ((الْحَمْدُ للهِ حَمداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّع وَلاَ مُسْتَغْنَىَ عَنْه رَبُّنَا)). وربما قال: ((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلاَ يُطعَمُ، مَنَّ عَلَينَا فَهَدَانَا، وَأَطعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكلَّ بَلاَءٍ حَسَنٍ أَبْلاَنا، الحَمد للهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطًعَام، وَسَقَى مِنَ الشَّرابِ، وَكَسَا مِنَ الْعُريَ، وَهَدَى، منَ الضَّلاَلَةِ، وَبَصَّرَ مِنَ العَمَى، وَفضَّلَ عَلَى كَثِير مِمَّن خَلَقَ تَفْضِيلاً، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)).

وربما قال: ((الْحَمد للَّهِ الَّذِي أَطعَمَ وَسَقَى، وَسَوَّغَهُ)).

وكان إذا فرغ مِن طعامه لَعِقَ أصابعه، ولم يكن لهم مناديلُ يمسحون بها أيديهم، ولم يكن عادتهم غسلَ أيديهم كلما أكلوا.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 06:31 PM   #18
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وكان أكثرُ شربه قاعداً، بل زجر عن الشرب قائماً ((وشرب مرَّة قائماً)). فقيل: هذا نسخ لنهيه، وقيل: بل فعله لبيان جواز الأمرين، والذي يظهر فيه - واللّه أعلم - أنها واقعة عين شرب فيها قائماً لعذر، وسياق القصة يدل عليه، فإنه أتى زمزم وهم يستقون منها، فأخذ الدَّلو، وشرب قائماً.

والصحيح في هذه المسألة: النهى عن الشرب قائماً، وجوازه لعذر يمنع من القعود، وبهذا تجمع أحاديث الباب، واللّه أعلم.

وكان إذا شرب، ناول مَنْ على يمينه، وإن كان مَنْ على يساره أكبرَ منه.


فصل

في هديه في النكاح ومعاشرته صلى الله عليه وسلم أهله

صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي اللّه عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((حُبِّبَ إليَّ، مِن دُنْيَاكُم: النِّسَاءُ، والطِّيْبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاَةِ)) هذا لفظُ الحديث، ومن رواه ((حبب إليَّ من دنياكم ثلاث))، فقد وهم، ولم يقل صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث)) والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تُضاف إليها. وكان النساء والطيب أحبَّ شيء إليه، وكان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وكان قد أعطي قوة ثلاثين في الجماع وغيره، وأباح اللّه له من ذلك ما لم يُبحه لأحد من أمته.

وكان يقسم بينهن في المبيت والإِيواء والنفقة، وأما المحبة فكان يقول: ((اللَّهُمَ هذا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلاَ تَلُمْنِي فِيمَا لاَ أَمْلِكُ)) فقيل: هو الحب والجماع، ولا تجب التسوية في ذلك، لأنه مما لا يُملك.

وهل كان القَسْمُ واجباً عليه، أو كان له معاشرتهن من غير قسم؟ على قولين للفقهاء.

فهو أكثر الأمة نساءً، قال ابن عباس: تزوجوا، فَإنّ خيرَ هذه الاُمةِ أكثرها نساء.

وطلق صلى الله عليه وسلم، وراجع، والى إيلاءً مؤقتاً بشهر، ولم يظاهر أبداً، وأخطأ من قال: إنه ظاهر خطأً عظيماً، وإنما ذكرته هنا تنبيهاً على قبح خطئه ونسبته إلى ما برَّأه اللّه منه.

وكانت سيرته مع أزواجه حسنَ المعاشرة، وحسنَ الخلق.

وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها. وكان إذا هويت شيئاً لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقاً - وهو العَظْمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربما كانت حائضاً، وكان يأمرها وهي حائض فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب، ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر، وسابقها في السفر على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة.

وكان إذا أراد سفراً، أقرع بين نسائه، فأيتهنّ خرج سهمها، خرج بها معه، ولم يقضِ للبواقي شيئاً، وإلى هذا ذهب الجمهور.

وكان يقول: ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيرُكُم لأهلي)).

وربما مد يده إلى بعض نسائه في حضرة باقيهن.

وكان إذا صلى العصر، دار على نسائه، فدنا منهن واستقرأ أحوالهن، فإذا جاء الليل، انقلب إلى بيت صاحبة النَّوبة، فخصها بالليل. وقالت عائشة: كان لا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعضٍ في مُكْثِهِ عِنْدَهُنَّ في القَسمِ، وقلَّ يومٌ إلا كان يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغَ التي هو في نوبتها، فيبيت عندها.

وكان يقسم لثمان منهن دون التاسعة، ووقع في ((صحيح مسلم)) من قول عطاء أن التي لم يكن يقسم لها هي صفية بنت حيَيٍّ، وهو غلط مِن عطاء رحمه اللّه، وإنما هي سودة، فإنها لما كَبِرَت وهبت نوبتها لعائشة.

وكان صلى الله عليه وسلم يقسِم لعائشة يومها ويومَ سودة، وسبب هذا الوهم -والله أعلم- أنه كان قد وَجَدَ على صفيَّة في شيء، فقالت لعائشة: هل لَكِ أن تُرضي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وأَهبَ لَكِ يومي؟ قالت: نعم، فقعدت عائشةُ إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في يوم صفية، فقال: ((إلَيْكِ عَنِّي يَا عَائِشَةُ، فَإنَّه لَيسَ يَومَكِ)) فقالَت: ذَلِكَ فَضل اللَّهِ يُؤتيه من يَشاء وأخبرته بالخبرِ، فرضيَ عنها. وإنما كانت وهبتها ذلك اليومَ وتلك النَّوبَة الخاصة، ويتعين ذلك، وإلا كان يكون القسم لسبع منهن، وهو خلاف الحديث الصحيح الذي لا ريب فيه أن القسم كان لثمانٍ، واللّه أعلم. ولو اتفقت مثل هذه الواقعة لمن له أكثر من زوجتين، فوهبت إحداهن يومها للأخرى، فهل للزوج أن يُوالِيَ بين ليلة الموهوبة وليلتها الأصلية وإن لم تكن ليلة الواهبة تليها، أو يجب عليه أن يجعل ليلَتها هي الليلة التي كانت تستحقها الواهبة بعينها؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره.

وكان صلى الله عليه وسلم يأتي أهلَه آخرَ الليل، وأوله، فَكَانَ إذا جامع أول الليل، ربما اغتسل ونام، وربما توضأ ونام. وذكر أبو إسحاق السَّبيعي عن الأسود عن عائشة أنه كان ربما نام، ولم يمس ماء وهو غلط عند أئمة الحديث، وقد أشبعنا الكلام عليه في كتاب ((تهذيب سنن أبي داود)) وإيضاح علله ومشكلاته.

وكان يطوف على نسائه بغسل واحد، وربما اغتسل عند كل واحدة، فعل هذا وهذا.

وكان إذا سافر وَقَدِمَ، لم يطرُقْ أهله ليلاً، وكان ينهى عن ذلك.


فصل

في هديه وسيرته صلى الله عليه وسلم في نومه وانتباهه

كان ينامُ على الفراش تارة، وعلى النِّطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رِمَالهِ، وتارة على كِساء أسود. قال عبَّاد بن تميم عن عمه: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رِجليه على الأخرى.

وكان فراشه أَدَماً حشوُه لِيف. وكان له مِسْحٌ ينام عليه يثنى بثَنيتين، وثُني له يوماً أربع ثنيات، فنهاهم عن ذلك وقال: ((رُدُّوه إلَى حَالِهِ الأَوَلِ، فَإنَّه مَنَعَنِي صَلاَتِي اللَّيْلَة)). والمقصود أنه نام على الفراش، وتغطى باللحاف، وقال لنسائه: ((مَا أَتَانِي جِبْريلُ وَأَنَا في لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرَ عَائِشَة)).

وكانت وسادتُه أَدَماً حشوها ليف.

وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم قال: ((بِاسمِك اللَّهُمَّ أَحْيَا وَأَموتُ)).

وكان يجمع كفَّيْهِ ثم ينفُث فيهما، وكان يقرأ فيهما: {قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ } و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأُ بهما على رأسه، ووجهه، وما أقبلَ مِنْ جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.

وكان ينام على شِقه الأيمن، ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، ثم يقول: ((اللَّهُمَّ قِني عَذَابَكَ يَوْمَ تَبعَثُ عِبَادَكَ)). وكان يقول إذا أوى إلى فراشه: ((الحمدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ له وَلاَ مُؤْويَ)) ذكره مسلم. وذكر أيضاً أنه كان يقول إذا أوى الى فراشه: ((اللّهم رب السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، وَرَب العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كلِّ شَيءٍ، فَالِقَ الحَبَ وَالنَّوى، منزلَ التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ، وَالفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنتَ آخِذ بِنَاصِيتِهِ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وَأَنتَ الآخِرُ، فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ، فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ، اقضِ عَنَّا الدَّينَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفقْرِ)).

وكان إذا استيقظ من منامه في الليل قال: ((لاَ إلَه إِلاَّ أَنْتَ سبحَانَكَ، اللَّهمَ إنِّي أستغْفِركَ لِذَنبِي، وَأَسْأَلُكَ رَحمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْني عِلماً، وَلاَ تُزِغ قَلبي بَعْدَ إِذ هَدَيتَني، وَهَبْ لي مِن لَدنكَ رَحْمَةَ، إِنَّكَ أَنتَ الْوَهاب)).

وكان إذا انتبه من نومه قال: ((الْحَمْدُ لله الَّذِيَ أَحيَانَا بَعدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النّشُور)). ثم يتسوَّك، وربما قرأَ العشر الآيات من آخر (آل عمران ) من قوله: {إنَ في خَلْقِ السَّموَاتِ والأَرْضِ ... } إِلى آخرها [آل عمران:190-200] وقال: ((اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاواتِ والأَرْض وَمَنْ فِيهنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيَمُ السَّمَاوَاتِ والأَرضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْد، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقُّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبيّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ)).

وكان ينام أول الليل، ويقوم آخره، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين، وكان تنامُ عيناه، ولا ينامُ قلبُه. وكان إذا نام، لم يُوقظوه حتى يكونَ هو الذي يستقيظ. وكان إذا عرَّس بليل، اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عرَّس قبيل الصبح، نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه، هكذا قال الترمذي. وقال أبو حاتم في ((صحيحه)): كان إذا عرَّس بالليل، توسد يمينه، وإذا عرَس قبيل الصبح، نصب ساعده، وأظن هذا وهماً، والصواب حديث الترمذي.

وقال أبو حاتم: والتعريس إنما يكون قُبيل الصبح.

وكان نومه أعدلَ النوم، وهو أنفع ما يكون من النوم، والأطباء يقولون: هو ثلث الليل والنهار، ثمان ساعات.


فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في الركوب

ركب الخيلَ والإِبل والبغال والحمير، وركب الفرس مُسْرَجَةً تارة، وَعَرِيَّا أخرى، وكان يُجريها في بعض الأحيان، وكان يركب وحده، وهو الأكثر، وربما أردف خلفه على البعير، وربما أردف خلفه، وأركب أمامه، وكانوا ثلاثة على بعير، وأردف الرجال، وأردف بعضَ نسائه، وكان أكثرَ مراكبه الخيل والإِبل. وأمّا البغال، فالمعروف أنه كان عنده منها بغلة واحدة أهداها له بعضُ الملوك، ولم تكن البغال مشهورة بأرض العرب، بل لما أهديت له البغلة قيل: ألا نُنزي الخيل على الحمر؟ فقال: ((إِنَّمَا يَفْعَلُ ذِلِكَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)).


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 06:34 PM   #19
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

واتخذ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الغنم. وكان له مائة شاة، وكان لا يُحب أن تزيد على مائة، فإذا زادت بهمة، ذبح مكانها أخرى، واتخذ الرقيق من الإِماء والعبيد، وكان مواليه وعتقاؤه من العبيد أكثر من الإِماء. وقد روى الترمذي في ((جامعه)) من حديث أبي أمامة وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أيما امْرىءٍ أَعْتَقَ امرءَاً مسلِماَ، كَانَ فِكَاكَه مِنَ النَّار، كلُّ عضوِ مِنهُ عضواً مِنهُ، وَأَيّمَا امْرىءٍ مسلِم أَعتَقَ امْرَأَتين مسْلِمَتَين، كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ، يجَزِىءُ كل عضوين مِنهُمَا عُضواً منِهُ)) هذا حديث صحيح.

وهذا يدل على أن عتق العبد أفضل، وأن عتق العبد يَعْدِل عتق أمتين، فكان أكثر عتقائه صلى الله عليه وسلم من العبيد، وهذا أحد المواضع الخمسة التي تكون فيها الأنثى على النصف من الذكر، والثاني: العقيقة، فإنه عن الأنثى شاة، وعن الذكر شاتان عند الجمهور، وفيه عدة أحاديث صحاح وحسان. والثالث: الشهادة، فإن شهادة امرأتين بشهادة رجل. والرابع: الميراث والخامس: الدية.


فصل

وباع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم واشترى

وكان شراؤه بعد أن أكرمه اللّه تعالى برسالته أكثَر من بيعه، وكذلك بعد الهجرة لا يكاد يُحفظ عنه البيع إلا في قضايا يسيرة أكثرها لغيره، كبيعه القدح والحلس فيمن يزيد، وبيعه يعقوب المدبَّر غلام أبي مذكورة، وبيعه عبداً أسود بعبدين.

وأمّا شراؤه، فكثير، وآجر، واستأجر، واستئجاره أكثر من إيجاره، وإنما يُحفظ عنه أنه أجر نفسه قبل النبوة في رعاية الغنم، وأجر نفسه من خديجة في سفره بمالها إلى الشام.

وإن كان العقد مضاربة، فالمضارب أمين، وأجير، ووكيل، وشريك، فأمين إذا قبض المال، ووكيل إذا تصرف فيه، وأجير فيما يُباشره بنفسه من العمل، وشريك إذا ظهر فيه الربح. وقد أخرج الحاكم في ((مستدركه)) من حديث الربيع بن بدر، عن أبي الزبير، عن جابر قال: آجرَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نفسه مِن خديجة بنت خويلد سفرتين إلى جَرَشَ كل سَفرَةٍ بِقَلُوصٍ، وقال: صحيح الإِسناد.

قال في ((النهاية)): جُرَش، بضم الجيم وفتح الراء مِن مخاليف اليمن، وهو بفتحهما بلد بالشام.

قلت: إن صح الحديث، فإنما هو المفتوح الذي بالشام، ولا يَصِحُّ، فإن الربيع بن بدر هذا هو عُلَيْلَة، ضعفه أئمة الحديث. قال النسائي والدارقطني والأزدي: متروك، وكأن الحاكم ظنه الربيع بن بدر مولى طلحة بن عبيد اللّه.

وشارك رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولما قدم عليه شريكهُ قال: أما تَعرِفُني؟ قال: ((أما كُنْتَ شَرِيكي؟ فَنِعْمَ الشَّرِيكُ كُنْتَ لا تدَارِي ولا تُمَارِي)).

وتدارىء بالهمزة من المدارأة، وهي مدافعة الحق، صارت من المداراة، وهي المدافعة بالتي هي أحسن. ووكَّلَ وتَوَكَّل، وكان توكيلُه أكثرَ من توكّلِه.

وأهدى، وَقَبِلَ الهدية، وأثاب عليها، ووهب، واتّهَبَ، فقال لسلمة بن الأكوع، وقد وقع في سهمه جارية: ((هَبْهَا لِي)) فوهَبَها له، فَفَادَى بها مِنْ أهْلِ مكّة أُسَارَى مِنَ المُسلمين.

واستدان برهن، وبِغير رهن، واستعار، واشترى بالثمن الحالِّ والمؤجَّلِ.

[أحكام متعددة في العقود]

وضمن ضماناً خاصاً على ربِّه على أعمالٍ مَنْ عَمِلَها كان مضموناً له بالجنَة، وضمانا عاماً لديون من تُوفيَّ مِن المسلمين، ولم يدع وفاءً أنها عليه وهو يُوفيها وقد قيل: إن هذا الحكمَ عام للأئمة بعده، فالسلطان ضامن لديون المسلمين إذا لم يُخلفوا وفاءً، فإنها عليه يُوفيها من بيت المال، وقالوا: كما يرثه إذا مات، ولم يَدَعْ وارثاً، فكذلك يقضي عنه دينَه إذا مات ولم يَدَعْ وفاءً، وكذلك يُنْفِقُ عليه في حياته إذا لم يكن له مَنْ يُنْفِقُ عليه. ووقفَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم أرضاً كانت له، جعلها صدقةً في سبيل اللّه، وتشفَّع، وَشُفِّع إليه، وردَت بريرةُ شفاعتَه في مراجعتها مُغيثاً، فلم يغضب عليها، ولا عَتِبَ، وهو الأسوة والقدوة، وحلف في أكثرَ من ثمانين موضعاً، وأمره اللَّهُ سبحانه بالحلف في ثلاثة مواضع، فقال تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبّيَ إِنّهُ لَحَقّ} [يونس: 53] قال تعالى:{وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا السّاعَةُ قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتَأْتِيَنّكُمْ} [سبأ: 3] وقال تعالى: {زَعَمَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن لّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتُبْعَثُنّ ثُمّ لَتُنَبّؤُنّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7] وكان إسماعيل بن إسحاق القاضي يذاكِر أبا بكر محمد بن داود الظاهري، ولا يُسميه بالفقيه، فتحاكم إليه يوماً هو وخصمٌ له، فتوجهت اليمينُ على أبي بكر بن داود، فتهيأ للحلف، فقال له القاضي إسماعيل: أو تحلِفُ ومثلُك يحلف يا أبا بكر؟! فقال: وما يمنعني من الحلِف وقد أمر اللّه تعالى نبيه بالحلِف في ثلاثة مواضع من كتابه، قال: أين ذلك؟ فسردها له أبو بكر، فاستحسن ذلك منه جداً، ودعاه بالفقيه مِن ذلك اليوم.

وكان صلى الله عليه وسلم يَستثني في يمينه تارة، ويكفِّرها تارةً، ويمضي فيها تارةً، والاستثناء يمنع عقد اليمين، والكفارة تَحُلهَا بعد عقدها، ولهذا سماها الله تَحِلَّة.

وكان يُمازح، ويقول في مُزاحِه الحق، ويُوَرِّي، ولا يقول في توريته إلا بحق، مثل أن يُريد جهة يقصِدها فيسأل عن غيرها كيف طريقُها؟ وكيف مياهُها ومسلكها؟ أو نحو ذلك. وكان يُشير ويستشير.

وكان يعود المريض ويشهدُ الجِنازة، ويُجيب الدَّعْوَة، ويمشي مع الأرملة والمسكين والضعيف في حوائجهم، وسمع مديحَ الشعر، وأثاب عليه، ولكن ما قيل فيه من المديح، فهو جزء يسير جداً مِن محامده، وأَثاب على الحق. وأما مدحُ غيره من الناس، فأكثرُ ما يكون بالكذب، فلذلك أَمَرَ أن يُحثَى في وجُوه المداحينَ التُّرابُ


فصل

وسابق رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بنفسه على الأقدام، وصارعَ، وخَصَفَ نعله بيده، ورقَعَ ثوبه بيده، ورقَعَ دلوه، وحلب شاته، وَفَلَى ثوبَه، وخدم أهله ونفسه، وحمل معهم اللَّبِنَ في بناء المسجد، وربط على بطنه الحجر من الجوع تارة، وشبع تارة، واضافَ وأضيفَ، وأحتجم في وَسَط رأسه، وعلى ظهر قدمه، واحتجم في الأخدعين والكاهل وهو ما بين الكتفين، وتداوى، وكوىَ ولم يكتَوِ،ورقى ولم يَسْتَرْقِ، وحمى المريض ممَّا يؤذيه.

وأصول الطب ثلاثة: الحِمية، وحفظ الصحة، واستفراغ المادة المضرة ، قد جمعها اللّه تعالى له ولأمته في ثلاثةَ مواضع من كتابه، فحمى المريض مِن استعمال الماء خشيةَ من الضرر، فقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مّرْضَىَ أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمّمُواْ صَعِيداً طَيّباً} [النساء: 43] [المائدة: 6] فأباح التيمم للمريض حمية له، كما أباحه للعادم، وقال في حفظ الصحة: {فَمَن كَانَ مِنكُم مّرِيضاً أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ فَعِدّةٌ مّنْ أَيّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَأبَاحَ للمسافر الفطرَ في رمضان حفظاً لصحته، لئلا يجتمع على قوته الصوم ومشقةُ السفر، فَيضعَفُ القوة والصحة. وقال في الاستفراغ في حلق الرأس للمحرم : {فَمَن كَانَ مِنكُم مّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مّن رّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] فَأبَاح للمريض وَمَن به أذى من رأسه وهو مُحرِم أن يحلق رأسه، ويستفرِغ المواد الفاسدة، والأبخرة الرديئة التي تولد عليه القَملَ، كما حصَل لكعب بنْ عُجْرَةَ، أو تُولد عليه المرض، وهذه الثلاثة هي قواعد الطب وأصوله، فذكر من كل جنس منها شيئاً، وصورة، تنبيهاً بها على نعمته على عباده في أمثالها من حِميتهم، وحِفظِ صِحَّتهم، واستفراغ مواد أذاهم، رخصةً لعباده، ولطفاً بهم، ورأفة بهم. وهو الرّؤوف الرحيم.


فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في معاملته

كان أحسنَ النَّاسِ مُعاملةً. وكان إذا استلف سلفاً قضى خيراً منه. وكان إذا اسْتَسْلَفَ من رجل سَلَفاً، قضاه إياه، ودعا له، فقال: ((بَارَكَ اللَّهُ لَكَ في أَهلِكَ وَمَالِكَ، إنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ والأداءُ)).

واستسلف من رجل أربعين صاعاً، فاحتاج الأنصاريُّ، فأتاه، فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَا جَاءَنَا مِنْ شَيءٍ بَعد)) فقال الرجل: وأَرَادَ أن يتكلم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ((لاَ تَقُلْ إلا خَيراً، فَأَنَا خَيرُ مَن تَسَلَّفَ)) فأعطاه أربعين فضلاً، وأربعين سُلفة، فأعطاه ثمانين. ذكره البزار. واقترض بعيراً، فجاء صاحبه يتقاضاه، فأغلظ للنبي صلى الله عليه وسلم، فهمَ به أصحابُه، فقال: ((دَعُوهُ فَإنَّ لِصَاحِبِ الحَق مَقَالاً)) واشترى مرة شيئاً وليس عنده ثمنُه فأُرْبِحَ فيه، فباعه، وتصدَّق بالربح على أرامل بني عبد المطلب، وقال: ((لاَ أَشْتَرِى بَعْدَ هَذَا شيْئاً إلاَّ وَعِنْدِي ثمنُه)) ذكره أبو داود، وهذا لا يُناقض الشراء في الذمة إلى أجل، فهذا شيء، وهذا شيء. وتقاضاه غريم له ديناً، فأغلظ عليه، فهمَّ به عمرُ بن الخطاب فقال: ((مَهْ يَا عُمَرُ كُنْتُ أَحْوَجَ إَلى أَنْ تَأْمرني بِالْوَفَاءِ. وَكَانَ أَحْوَج إلَى أَنْ تَأْمُرَهُ بِالصَّبْرِ))، وباعه يهودي بيعاً إلى أجل، فجاءه قبل الأجل يتقاضاه ثمنَه، فقال: لم يَحِلَّ الأجلُ، فقال اليهوديُّ: إنكم لَمطْل يَا بنَي عبدِ المطلب، فهمَّ به أصحابُه، فنهاهم، فلم يَزِدْه ذلك إلا حِلماً، فقال اليهودي: كُلُّ شيء منه قد عرفته من علامات النبوة، وبقيت واحدةٌ، وهي أنه لا تزيدُه شدةُ الجهل عليه إلا حلماً، فأردتُ أن أعْرِفَها، فأسلم اليهودي.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 06:40 PM   #20
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في مشيه وحده ومع أصحابه

كان إذا مشى، تكفَّأ تكفُّؤاً، وكان أسرَعَ الناس مِشيةً، وأحسنَها وأسكنها قال أبو هريرة: ما رأيتُ شيئاً أحسنَ من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، كأن الشمسَ تجري في وجهه، وما رأيتُ أحداً أسرع في مِشيته من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، كأنما الأرضُ تُطوى له، وإنا لَنجْهَدُ أنفسَنا وإنه لغيرُ مُكْتَرِث. وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفَّأ تكفؤاً كأنما ينحطُّ مِنْ صَبَبٍ، وقال مرة: إذا مشى، تقلّع قلتُ: والتقلُع: الارتفاعُ من الأرض بجملته، كحال المنحط من الصبب، وهي مِشية أولي العزم والهِمة والشجاعة، وهي أعدلُ المِشيات وأرواحُها للأعضاء، وأبعدُها من مِشية الهَوَجِ والمهانة والتماوت، فإن الماشيَ، إمَّا أن يتماوت في مشيه ويمشي قطعة واحدة، كأنه خشبة محمولة، وهي مِشية مذمومة قبيحة، وإمّا أن يمشي بانزعاج واضطراب مشي الجمل الأهوج، وهي مِشيةٌ مذمومة أيضاً، وهي دالة على خِفَّة عقل صاحبها، ولا سيما إن كان يُكثرُ الالتفات حال مشيه يميناً وشمالاً، وإمّا أن يمشي هَوْناً، وهي مِشية عبادِ الرحمن، كما وصفهم بها في كتابه، فقال: {وَعِبَادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً} [الفرقان: 63] قال غيرُ واحد من السلف: بسكينة ووقار من غير تكبُّر ولا تماوت، وهي مِشية رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فإنه مع هذه المِشية كان كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرضُ تُطوى له، حتى كان الماشي معه يُجْهِدُ نفسَه ورسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم غيرُ مُكْتَرِثٍ، وهذا يدل على أمرين: أن مِشيته لم تكن مِشية بتماوت ولا بمهانة، بل مشية أعدل المشيات.

والمشيات عشرة أنواع، هذه الثلاثة منها، والرابع: السعي. والخامس: الرَّمَلَ، وهو أسرعُ المشي مع تقارب الخُطَا، ويسمى: الخَبب، وفي الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم خَبَّ في طَوافِهِ ثلاثاً، ومشى أربعاً.

السادس: النَّسَلان، وهو العَدْو الخفيف الذي لا يُزعج الماشي، ولا يَكْرِثُهُ. وفي بعض المسانيد أن المشاة شَكَوْا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من المشي في حجة الوداع، فقال: ((اسْتَعِينُوا بالنَّسَلاَنِ)).

والسابع: الخَوْزَلى، وهي مِشية التمايل، وهي مِشية، يقال: إن فيها تكسرا وتخنثاً.

والثامن: القهقرى، وهي المشية إلى وراء.

والتاسع: الجَمَزَى، وهي مِشية يَثِبُ فيها الماشي وثباً.

والعاشر: مِشية التبختر، وهي مِشية أُولي العجب والتكبُّر، وهي التي خَسَفَ اللَّهُ سبحانه بصاحبها لما نظر في عِطْفَيْهِ وأعجبته نفسُه، فهو يتجلجلُ في الأرض إلى يوم القيامة.

وأعدلُ هذه المِشيات مِشية الهَوْنِ والتكفُّؤ.

والمشيات عشرة أنواع، هذه الثلاثة منها، والرابع: السعي. والخامس: الرَّمَلَ، وهو أسرعُ المشي مع تقارب الخُطَا، ويسمى: الخَبب، وفي الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم خَبَّ في طَوافِهِ ثلاثاً، ومشى أربعاً.

السادس: النَّسَلان، وهو العَدْو الخفيف الذي لا يُزعج الماشي، ولا يَكْرِثُهُ. وفي بعض المسانيد أن المشاة شَكَوْا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من المشي في حجة الوداع، فقال: ((اسْتَعِينُوا بالنَّسَلاَنِ)).

والسابع: الخَوْزَلى، وهي مِشية التمايل، وهي مِشية، يقال: إن فيها تكسرا وتخنثاً.

والثامن: القهقرى، وهي المشية إلى وراء.

والتاسع: الجَمَزَى، وهي مِشية يَثِبُ فيها الماشي وثباً.

والعاشر: مِشية التبختر، وهي مِشية أُولي العجب والتكبُّر، وهي التي خَسَفَ اللَّهُ سبحانه بصاحبها لما نظر في عِطْفَيْهِ وأعجبته نفسُه، فهو يتجلجلُ في الأرض إلى يوم القيامة.

وأعدلُ هذه المِشيات مِشية الهَوْنِ والتكفُّؤ.


فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في جلوسه واتكائه

كان يجلِس على الأرض، وعلى الحصير، والبِساط، وقالت قَيْلَةُ بنت مَخْرَمَة: أتيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القُرفصاء، قالت: فلما رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كالمتخشِّع في الجلِسة، أُرعِدتُ من الفَرَق. ولما قدم عليه عديُّ بنُ حاتِم، دعاُه إلى منزله، فألقت إليه الجاريةُ وِسادة يجلِس عليها، فجعلها بينه وبين عدي، وجلس على الأرض. قال عدي: فعرفتُ أنه ليس بمَلِك. وكان يستلقي أحياناً، ورب وضع إحدى رجليه على الأخرى، وكان يتكىء على الوِسادة، وربما اتكأ على يساره، وربما اتكأ على يمينه. وكان إذا احتاج في خروجه، توكأ على بعض أصحابه من الضعف.


فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم عند قضاء الحاجة

كان إذا دخل الخلاء قال: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائِثِ)) ((الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)).

وكان إذا خرج يقول: ((غُفْرَانَكَ)).

وكان يستنجي بالماء تارة، ويستجمِر بالأحجار تارة، ويجمع بينهما تارة.

وكان إذا ذهب في سفره للحاجة، انطلق حتى يتوارَى عن أصحابه، وربما كان يبعُد نحو الميلين.

وكان يستتِر للحاجة بالهدف تارة، وَبِحَائِشِ النَّخل تارة، وبشجر الوادي تارة.

وكان إذا أراد أن يبول في عزَازٍ من الأرض - وهو الموضع الصلب - أخذ عوداً من الأرض، فنكت به حتى يُثَرَّى، ثم يبول.

وكان يرتاد لبوله الموضع الدَّمِثَ - وهو اللين الرخو من الأرض - وأكثر ما كان يبول وهو قاعد، حتى قالت عائشة: ((مَنْ حدَّثَكم أنه كان يُبول قائماً، فلا تُصدِّقوه، ما كان يبولُ إلا قاعدا)) وقد روى مسلم في ((صحيحه)) من حديث حذيفة أَنّهُ بَالَ قَائِماً. فقيل: هذا بيان للجواز وقيل: إنما فعله مِن وجع كان بِمَأْبِضَيْهِ. وقيل: فعله استشفاءً. قال الشافعي رحمه اللّه: والعرب تستشفي منِ وجع الصلب بالبول قائماً، والصحيح أنه إنما فعل ذلك تنزهاً وبُعداً من إصابة البول، فإنه إنما فعل هذا لما أتى سُباطة قوم وهو ملقى الكُناسة، وتسمى المزبلة، وهي تكون مرتفعة، فلو بال فيها الرجل قاعداً، لارتد عليه بولُه، وهو صلى الله عليه وسلم استتر بها، وجعلها بينه وبين الحائط، فلم يكن بدٌ من بوله قائماً، واللّه أعلم.

وقد ذكر الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: رآني النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائماً، فقال: ((يا عمر لا تَبُلْ قائماً))، قال، فما بلت قائماً بعدُ. قال الترمذي: وإنما رفعه عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف عند أهل الحديث.

وفي ((مسند البزار)) وغيره، من حديث عبد اللّه بن بُريدة عن أبيه، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: ((ثَلاَثٌ مِنَ الجَفَاءِ: أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِماً، أَوْ يَمْسَحَ جَبْهَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ، أَوْ يَنْفُخَ في سُجُودِهِ)). ورواه الترمذي وقال: هو غير محفوظ، وقال البزار: لا نعلم من رواه عن عبد اللّه بن بريدة إلا سعيد بن عبيد اللّه، ولم يجرحه بشيء. وقال ابن أبي حاتِم: هو بصري ثقة مشهور.

وكان يخرج من الخلاء، فيقرأ القرآن، وكان يستنجي، ويستجمِر بشماله، ولم يكن يصنع شيئاً مما يصنعه المبتلون بالوسواس من نَتْر الذَّكَرِ، والنحنحة، والقفز، ومسك الحبل، وطلوع الدرج، وحشو القطن في الإِحليل، وصب الماء فيه، وتفقده الفينة بعد الفينة، ونحوِ ذلك مِن بِدَعِ أهلِ الوسواس. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا بَالعَ، نَتَرَ ذَكَره ثلاثاً. وروي أنه أمر به، ولكن لا يصح من فعله ولا أمره. قاله أبو جعفر العُقيلي.

وكان إذا سلم عليه أحد وهو يبُول، لم يردَّ عليه، ذكره مسلم في ((صحيحه)) عن ابن عمر.

وروى البزار في ((مسنده)) في هذه القصة أنه ردَ عليه، ثم قال ((إنَّما رَدَدْتُ عَلَيْكَ خَشْيَةَ أَنْ تَقُولَ: سلَّمتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ سَلاَماً، فَإذَا رَأَيْتَنِي هكذا، فَلاَ تُسَلِّمْ عَلَيَّ، فَإنِّي لاَ أَرُدُّ عَلَيْكَ السَّلاَمَ)). وقد قيل: لعل هذا كان مرتين، وقيل: حديث مسلم أصح، لأنه من حديث الضحاك بن عثمان، عن نافع، عن ابن عمر، وحديث البزار من رواية أبي بكر رجل من أولاد عبد اللّه بن عمر، عن نافع، عنه. قيل: وأبو بكر هذا: هو أبو بكر بنُ عمر بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عمر، روى عنه مالك وغيره، والضحاك أوثق منه.

وكان إذا استنجى بالماء، ضرب يده بعد ذلِكَ على الأرض، وكان إذا جلس لحاجته، لم يرفع ثوبَه حتَّى يدنو مِن الأرض.


فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في الفطرة وتوابعها

قد سبق الخلاف هل وُلد صلى الله عليه وسلم مختوناً، أو خَتنته الملائكة يومَ شُقَّ صدرهُ لأول مرة، أو ختنه جدُه عبد المطلب؟

وكان يُعجبه التيمن في تنعُّلِه وترجُّلِه وطهوره وأخذِه وعطائه، وكانت يمينُه لِطعامه وشرابه وطهوره، ويَسارُه لِخَلائه ونحوه من إزالة الأذى.

وكان هديُه في حلق الرأس تركَه كلَّه، أو أخذَه كلَّه، ولم يكن يحلِق بعضه، ويدعُ بعضه، ولم يُحفظ عنه حلقُه إلا في نُسك. وكان يُحب السِّواكَ، وكان يستاك مفطراً وصائماً، ويستاك عند الانتباه من النوم، وعند الوضوء، وعند الصلاة، وعند دخول المنزل، وكان يستاك بِعُود الأرائك.

وكان يُكثر التطيبَ، ويحب الطِّيب، وذُكِرَ عنه أنه كان يَطَّلِي بالنُّوَرة.

وكان أولاً يَسْدُلُ شعره، ثم فرقه، والفرق أن يجعل شعره فِرقتين، كل فرقة ذؤابة، والسدل أن يسدُلَه من ورائه ولا يجعله فِرقتين. ولم يدخل حماماً قط، ولعله ما رآه بعينه، ولم يصح في الحمام حديث.

وكان له مُكحُلة يكتحِل منها كلَّ ليلة ثلاثاً عند النوم في كل عين. واختلف الصحابة في خِضابه، فقال أنس لم يخضِبْ وقال أبو هريرة خضب، وقد روى حماد بن سلمة عن حُميد، عن أنس قال رأيتُ شعر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مخضوباً، قال حماد: وأخبرني عبد اللّه بن محمد بن عقيل قال: رأيت شعر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك مخضوباً، وقالت طائفة: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم مما يُكْثِرُ الطيبَ قد احمَرَّ شعره، فكان يُظن مخضوباً. ولم يخضِب وقال أبو رِمْثة: أتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مع ابن لي، فقال: ((أهذا ابنُكَ؟)) قُلتُ: نعم أشهد به، فقال: ((لا تَجْني عَلَيْهِ، وَلاَ يَجْنِي عَلَيْكَ))، قال: ورأيت الشيب أحمر، قال الترمذي: هذا أحسن شيء روي في هذا الباب وأفسرهُ، لأن الروايات الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الشيب. قال حماد بن سلمة عن سِماك بن حرب قيل لجابر بن سمرة: أكان في رأس النبي صلى الله عليه وسلم شيب؟ قال: لم يكن في رأسه شيبٌ إلا شعراتٍ في مَفْرِقِ رأسهِ إذا ادَّهن وأراهُنَّ الدُّهن: قال أنس: وكان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ دُهنَ رأسه ولحيته، ويُكثر القِنَاعَ كأن ثوبه ثوبُ زيات وكان يُحبُّ الترجُلَ، وكان يرجِّل نفسه تارة، وترجِّله عائشة تارة. وكان شعره فوق الجُمَّة ودُون الوَفْرَةِ، وكانت جُمَّتُه تضرِب شحمةَ أذنيه، وإذا طال، جعله غَدَائِرَ أربعاً، قالت أمُّ هانئ: قدم علينا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم مكة قَدْمَةً، وله أربع غدائر، والغدائر: الضفائر، وهذا حديث صحيح وكان صلى الله عليه وسلم لا يردُّ الطيب، وثبت عنه في حديثِ ((صحيح مسلم)) أنه قال: ((مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلاَ يَرُدَّه، فَإنَّهُ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، خَفِيفُ المَحْمِل))، هذا لفظ الحديث، وبعضهم يرويه: ((مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلاَ يَرُدَّه)) وليس بمعناه، فإن الريحان لا تكثُر المِنَّةُ بأخذه، وقد جرت العادةُ بالتسامح في بذله، بخلاف المسك والعنبر والغَالِية ونحوها، ولكن الذي ثبت عنه من حديث عَزْرة بن ثابت، عن ثُمامة، قال أنس: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم لا يَرُدُّ الطِّيبَ


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 06:45 PM   #21
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وأمّا حديثُ ابن عمر يرفعه ((ثَلاَثٌ لا تُرد: الوَسَائِدُ، والدُّهْنُ، واللَبَنُ)) فحديث معلول، رواه الترمذي وذكر علته، ولا أحفظ الآن ما قيل فيه، إلا أنه من رواية عبد اللّه بن مسلم بن جندب، عن أبيه، عن ابن عمر. ومن مراسيل أبي عثمان النَّهدي قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا أُعْطِيَ أَحَدُكُمُ الرَّيْحَانَ، فَلاَ يَرُدَّهُ، فَإنَّهُ خَرَجَ مِنَ الجَنَّةِ)). وكان لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم سُكَّة يتطَّيبُ منها، وكان أحبَّ الطيب إليه المِسك، وكان يُعجبه الفاغية قيل: وهي نَوْر الحِنَّاءِ.


فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في قص الشارب

قال أبو عمر بن عبد البر: روى الحسن بن صالح، عن سِماك، عن عِكرمة، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يقصُّ شاربه، ويذكر أن إبراهيمَ كان يَقصّ شارِبَه، ووقفه طائفة على ابن عباس وروى الترمذي من حديث زيد بن أرقم قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ، فَلَيْسَ مِنَّا)) وقال: حديث صحيح، وفي ((صحيح مسلم)) عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((قُصُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا المَجُوسَ)) وفي ((الصحيحين)) عن ابنِ عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((خَالِفُوا المُشْرِكِينَ، ووفِّرُوا اللِّحى، وأَحفوا الشواربَ)) وفي ((صحيح مسلم)) عن أنس قال: وَقَّتَ لَنَا النَّبيُ صلى الله عليه وسلم في قص الشوارب وَتَقْلِيمِ الأَظْفَار، أَلاَّ نَتْرُكَ أَكْثَر مِنْ أَرْبعِين يَوْماً وَلَيْلةً.

واختلف السلفُ في قصِّ الشارب وحلقِه أيهما أفضل؟ فقال مالك في ((موطئه)): يُؤخذ من الشارب حتى تجدوَ أطرافُ الشفة وهو الإِطار، ولا يجزُّه فَيُمَثِّلَ بنفسه. وذكر ابن عبد الحكم عن مالك قال: يُحفي الشارب، ويُعفي اللِّحى، وليس إحفاءُ الشارب حلقَه، وأرى أن يُؤدَّبَ من حلق شاربه، وقال ابن القاسم عنه: إحفاءُ الشارب وحلقه عندي مُثلَةٌ، قال مالك: وتفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشارب، إنما هو الإِطار، وكان يكره أن يُؤخذ من أعلاه، وقال: أشهد في حلق الشارب أنه بدعة، وأرى أن يُوجَعَ ضرباَ مَنْ فعله، قال مالك: وكان عمر بن الخطاب إذا كَرَبَهُ أمر، نفخ، فجعل رجله بردائه وهو يفتل شاربه. وقال عمر بن عبد العزيز: السنة في الشارب الإِطار. وقال الطحاوي: ولم أجد عن الشافعي شيئاً منصوصاً في هذا، وأصحابهُ الَّذينَ رأينا المزنيُّ والربيعُ كانا يُحفيان شواربهما، ويدل ذلك على أنهما أخذاه عن الشافعي رحمه اللّه، قال: وأمّا أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد، فكان مذهبُهم في شعر الرأس والشوارب أن الإِحفاءَ أفضلُ من التقصير، وذكر ابن خُويز منداد المالكي عن الشافعي أن مذهبه في حلق الشارب كمذهب أبي حنيفة، وهذا قول أبي عمر. وأمّا الإِمام أحمد، فقال الأثرم: رأيتُ الإِمام أحمد بن حنبل يُحفي شاربه شديداً، وسمعته يُسأل عن السنة في إحفاء الشارب؟ فقال: يُحفي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((أحْفُوا الشَّوَارِبَ)) وقال حنبل: قيل لأبي عبد اللّه: ترى الرجُلَ يأخذ شاربه، أو يُحفيه؟ أم كيف يأخذه؟ قال: إن أحفاه، فلا بأس، وإن أخذه قصاً فلا بأس. وقال أبو محمد بن قدامة المقدسي في ((المغني)): وهو مخير بين أن يُحفيه، وبين أن يقصه من غير إحفاء. قال الطحاوي: وروى المغيرةُ بن شعبة أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أخذ من شاربه على سِوَاك وهذا لا يكون معه إحفاء. واحتج من لم يرَ إحفاءه بحديثي عائشة وأبي هريرة المرفوعين ((عشر من الفطرة)) ... فذكر منها قَصَّ الشَّارِبِ وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه: ((الفِطْرَة خَمْسٌ)) وذكر منها قص الشارب.

واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء، وهي صحيحة، وبحديث ابن عباس أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يَجُزُّ شَارِبَهُ، قال الطحاوي: وهذا الأغلب فيه الإِحفاء، وهو يحتمل الوجهين. وروى العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة يرفعه ((جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى)) قال وهذا يحتمل الإِحفاء أيضاً، وذكر بإسناده عن أبي سعيد، وأبي أُسَيْد، ورافع بن خديج، وسهل بن سعد، وعبد اللّه بن عمر، وجابر، وأبي هريرة أنهم كانوا يُحفون شواربهم. وقال إبراهيم بن محمد بن حاطب: رأيت ابن عمر يُحفي شاربه كأنه يَنْتِفُه وقال بعضهم: حتى يُرى بياضُ الجلد. قال الطحاوي: ولما كان التقصير مسنوناً عند الجميع، كان الحلق فيه أفضلَ قياساً على الرأس، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين واحدة، فجعل حلق الرأس أفضلَ مِن تقصيره، فكذلك الشارب.


فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في كلامه وسكوته وضحكه وبكائه

كان صلى الله عليه وسلم أفصحَ خلق اللّه، وأعذبَهم كلاماً، وأسرعَهم أداءً، وأحلاهم مَنْطِقاً، حتى إن كلامه لَيَأْخُذُ بمجامع القلوب، ويَسبي الأرواح، ويشهدُ له بذلك أعداؤه. وكان إذا تكلم تكلَّم بكلام مُفصَّلِ مُبَيَّنٍ يعدُّه العادُّ، ليس بِهَذٍّ مُسرِعِ لا يُحفظ، ولا منقَطع تخلَّلُه السكتات بين أفراد الكلام، بل هديُه فيه أكملُ الهدي، قالت عائشة: ما كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يَسْرُدُ سردَكم هذا، ولكن كان يتكلَّم بكلام بيِّنٍ فَصْلٍ يحفظه من جلس إليه. وكان كثيراً ما يُعيد الكلام ثلاثاً لِيُعقلَ عنه، وكان إذا سلَّم سلَّم ثلاثاً. وكان طويلَ السكوت لا يتكلم شي غيرِ حاجة، يفتتحُ الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلام، فَصلٍ لا فضول ولا تقصير، وكان لا يتكلم فيما لا يَعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كرِه الشيء: عُرِفَ في وجهه، ولم يكن فاحشاً، ولا متفحِّشاً، ولا صخَّاباً. وكان جُلُّ ضحكه التبسم، بل كلُّه التبسم، فكان نهايةُ ضحكِه أن تبدوَ نواجِذُه.

وكان يضحكُ مما يُضحك منه، وهو مما يُتعجب من مثله ويُستغرب وقوعُه ويُستندر.

وللضحك أسباب عديدة، هذا أحدها

والثاني: ضحِك الفرح، وهو أن يرى ما يسرُّه أو يُباشره

والثالث: ضحِكُ الغضب، وهو كثيراً ما يعتري الغضبان إذا اشتد غضبه، وسببه تعجب الغضبان مما أورد عليه الغضبُ، وشعورُ نفسه بالقدرة على خصمه، وأنه في قبضته، وقد يكون ضحكُه لِمُلكه نفسه عند الغضب، وإعراضِه عمن أغضبه، وعدم اكتراثه به.

وأمَّا بكاؤه صلى الله عليه وسلم، فكان مِن جنس ضحكه، لم يكن بشهيقٍ ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن كانت تدمَعُ عيناه حتى تَهْمُلا، ويُسمع لِصدره أزيزٌ. وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفاً على أمته وشفقة عليها، وتارة مِن خشية اللّه، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال، مصاحبٌ للخوف والخشية. ولما مات ابنُه إبراهيم، دمعت عيناه وبكى رحمة له، وقال: ((تَدْمَعُ العَيْنُ، وَيَحْزَنُ القَلْبُ، ولا نَقُولُ إلا مَا يُرْضِي رَبَّنا، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ)). وبكى لما شاهد إحدى بناتِه وَنَفْسُها تَفِيضُ، وبكى لما قرأ عليه ابنُ مسعود سورة (النساء) وانتهى فيها إلى قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىَ هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء: 41] وبكى لما مات عثمان بن مظعون، وبكى لما كَسَفت الشَّمْسُ، وصلى صلاة الكُسوف، وجعل يبكي في صلاته، وجعل ينفخ، ويقول: ((رَبِّ أَلَمْ تَعِدْني أَلاَّ تُعَذِّبَهُم وَأَنَا فِيهِمْ وهُمْ يَسْتغْفِرُونَ، وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُك)) وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته وكَانَ يَبكي أحياناً في صلاة اللَّيلِ.

والبكاء أنواع.

أحدها: بكاء الرحمة، والرقة.

والثاني: بكاء الخوف والخشية

والثالث: بكاءُ المحبة والشوق

والرابع: بكاءُ الفرح والسرور

والخامس: بكاء الجَزَع مِن ورود المؤلِم وعدم احتماله.

والسادس: بكاءُ الحزن.

والفرق بينه وبين بكاء الخوف، أن بكاء الحزن يكون على ما مضى من حصول مكروه، أو فوات محبوب، وبكاء الخوف يكون لِمَا يتوقع في المستقبل مِن ذلك، والفرق بين بكاء السرور والفرح، وبكاء الحزن، أن دمعة السرور باردة، والقلب فرحان، ودمعة الحُزن حارة، والقلب حزين، ولهذا يقال لما يُفرح به: هو قُرَّةُ عَيْنٍ، وأقرَّ اللَّهُ به عينَه، ولما يُحزن: هو سخينةُ العجن، وأسخن اللَّهُ عينَه بِه.

والسابع: بكاء الخور والضعف.

والثامن: بكاء النفاق، وهو أن تدمعَ العين، صاحبُه الخشوع، وهو من أقسى الناس قلباً.

والتاسع: البكاء المستعار والمستأجر عليه، كبكاء النائحة بالأجرة، فإنها كما قال عمر بن الخطاب: تَبِيعُ عَبْرتَها، وَتَبْكي شَجْوَ غَيرها.

والعاشر: بكاء الموافقة، وهو أن يرى الرجُلُ الناسَ يبكون لأمر ورد عليهم، فيبكي معهم، ولا يدري لأي شيء يبكون، ولكن يراهم يبكون، فيبكي.

وما كان من ذلك دمعاً بلا صوت، فهو بكى، مقصور، وما كان معه صوت، فهو بكاء، ممدود على بناء الأصوات، وقال الشاعر:

بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لهَا بُكَاهَا *** وَمَا يُغْنِي الْبكَاءُ وَلاَ الْعَوِيلُ

وما كان منه مستدعىً متكلفاً، فهو التباكي، وهو نوعان: محمود، ومذموم، فالمحمود، أن يُستجلَب لِرقة القلب، ولخشية الله، لا للرياء والسُّمعة والمذموم: أن يُجتلب لأجل الخلق، وقد قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر: أخبرني ما يُبكيك يا رسولْ اللّه؟ فإن وجدتُ بكاءً بكيتُ، وإن لم أجد تباكَيتُ، لبكائكما ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم. وقد قال بعض السلف: ابكوا مِن خشية الله، فإن لم تبكوا، فتباكوا.


فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبته

خطب صلى الله عليه وسلم على الأرض، وعلى المِنْبَرِ، وعلى البعير، وعلى النَّاقة. وكان إذا خطب، احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنَّهُ مُنذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: ((صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ)) ويقول: ((بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ)) وَيَقْرُنُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَيَقُولُ: ((أَمّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتابُ اللَهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلاَلَةٌ)).

وكان لا يخطُب خُطبة إلا افتتحها بحمد اللّه. وأما قولُ كثير من الفقهاء: إنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وخطبةَ العيدين بالتكبير، فليس معهم فيه سنة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم البتةَ، وسنته تقتضي خلافَه، وهو افتتاحُ جميع الخطب بـ ((الْحَمْد للَّهِ))، وهو أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب أحمد، وهو اختيار شيخنا قدَّس اللَّهُ سِرَّه.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 06:49 PM   #22
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وكان يخطُب قائماً، وفي مراسيل عطاء وغيره أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا صَعِدَ المِنَبرَ أقبل بوجهه على الناس، ثم قال: ((السَّلاَمُ عَلَيْكُم)) قال الشعبي: وكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك وكان يختِم خُطبته بالاستغفار، وكان كثيراً يخطب بالقرآن وفي ((صحيح مسلم)) عن أمِّ هشام بنت حارثة قالت: ((ما أخذتُ {ق وَالْقُرآنِ المَجِيدِ} [ق: 1]، إلا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى المِنْبَرِ إذَا خَطَبَ النَّاسَ))، وذكر أبو داود عن ابن مسعود أَنَّ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهَّد قال: ((الحَمْدُ للَهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ، فَلاَ مُضلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَ إِله إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَق بَشِيراً وَنَذِيراً بَيْن يَدَي السَّاعَةِ، مَنْ يُطعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رشَدَ وَمَنْ يَعْصهِمَا، فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ إِلاَّ نَفْسَهُ، وَلاَ يَضرُّ اللَّهُ شيئاً)) وقال أبو داود عن يونس أنه سأل ابنَ شهاب عن تشهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يومَ الجمعة، فذكر نحو هذا إلا أنه قال: ((وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى)).

قال ابن شهاب: وبلغنا أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خطب: ((كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَريبٌ، لاَ بُعْدَ لِمَا هُوَ آتٍ، وَلاَ يُعَجِّلُ اللَهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ، وَلاَ يُخِفُّ لأَمْرِ النَّاسِ، مَا شَاءَ اللَّهُ، لاَ مَا شَاءَ الناسُ، يُرِيدُ اللَّهُ شَيْئاً وَيُريدُ النَّاسُ شَيئاً، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَلَوْ كَرِهَ النَّاسُ، وَلاَ مُبْعِدَ لِمَا قرَّبَ اللَّهُ، ولاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَعَّدَ اللَّهُ، ولاَ يَكُونُ شَيءٌ إلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ)).

وكان مدارُ خُطبه على حمد اللّه، والثناء عليه بآلائه، وأوصافِ كماله ومحامده، وتعليمِ قواعدِ الإِسلام، وذكرِ الجنَّة والنَّار والمعاد، والأمرِ بتقوى اللّه، وتبيينِ موارد غضبه، ومواقعِ رضاه فعلى هذا كان مدار خطبه.
وكان يقول في خطبه: ((أَيُّهَا النَّاسُ إِنَكُمْ لَنْ تُطِيقُوا - أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا -كُلَ مَا أُمِرْتُمْ بهِ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا)).

وكان يخطُب في كل وقت بما تقتضيه حاجةُ المخاطَبين ومصلحتهم، ولم يَكُنْ يخطب خُطبة إلا افتتحها بحمد الله، ويتشهَّد فيها بكلمتي الشهادة، ويذكر فيها نفسه باسمه العلم.

وثبت عنه أنه قال: ((كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ، فَهِيَ كَالْيَدِ الجَذْمَاءِ)).
ولم يكن له شاويش يخرُج بين يديه إذا خرج من حُجرته، ولم يكن يَلْبَسُ لِبَاسَ الخطباء اليوم لا طُرحة، ولا زِيقاً وَاسعاً.

وكان منبرُه ثلاثَ درجات، فإذا استوى عليه، واستقبل الناس، أخذ المؤذن في الأذان فقط، ولم يَقُلْ شيئاً قبلَه ولا بعدَه، فإذا أخذ في الخطبة، لم يرفع أحدٌ صوته بشيء البتة، لا مؤذنٌ ولا غيرُه.

وكان إذا قام يخطب، أخذ عصاً، فتوكَّأ عليها وهو على المنبر، كذا ذكره عنه أبو داود عن ابن شهاب، وكان الخلفاءُ الثلاثةُ بعده يفعلون ذلك، وكان أحياناً يتوكأْ على قوس، ولم يُحفظ عنه أنه توكأ على سيف، وكثيرٌ من الجهلة يظن أنه كان يُمْسِكُ السيفَ على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف، وهذا جهل قبيح من وجهين، أحدهما: أن المحفوظَ أنه صلى الله عليه وسلم توكأ على العصا وعلى القوس. الثاني: أن الدين إنما قام بالوحي، وأمّا السيف، فَلِمَحْقِ أهل الضلال والشرك، ومدينةُ النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب فيها إنما فُتِحَت بالقُرآن، ولم تُفتح بالسيف.

وكان إذا عرض له في خطبته عارض، اشتغل به، ثم رجع إلى خطبته، وكان يخطُب، فجاء الحسن والحسين يعثُران في قميصين أحمرين، فقطع كلامه، فنزل، فحملهما، ثم عاد إلى منبره، ثم قال: ((صَدَقَ اللَّهُ العَظِيمُ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28] رَأَيْتُ هذَيْنِ يعثُران في قَمِيصَيْهِمَا، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ كَلاَمِي فَحَمَلْتُهُمَا)).

وَجَاءَ سُلَيْكٌ، الغَطَفَاني وهو يخطُب، فجلس، فقال له: ((قُمْ يَا سُلَيْكُ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْن وَتَجَوَّزْ فِيِهِما))، ثم قال وهو على المنبر: ((إذَا جَاءَ أَحَدُكمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ والإِمام يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا)).

وكان يُقصر خطبته أحياناً، ويُطيلها أحياناً بحسب حاجة الناس وكانت خطبتُه العارِضة أطولَ من خطبته الراتِبة. وكان يخطُب النِّساء على حِدة في الأعياد، ويحرِّضُهُنَّ على الصدقة، والله أعلم.


فصول

في هديه صلى الله عليه وسلم في العبادات

فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في الوضوء

كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة في غالب أحيانه، وربما صلى الصلواتِ بوضوء واحد وكان يتوضأ بالمُد تارة، وبثلثيه تارة، وبأزيَد منه تارة، وذلك نحو أربع أواق بالدمشقي إلى أوقيتين وثلاث وكان مِنْ أيسر النَّاس صبًّا لماء الوضوء، وكان يُحَذِّرُ أمته من الإِسراف فيه، وأخبر أنه يكون في أمته مَنْ يعتدي في الطهور، وقال: ((إنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَاناً يُقَالُ لَهُ الوَلهَان فَاتَّقُوا وَسْوَاسَ المَاء)) ومر على سعد، وهو يتوضأ فقال له: ((لاَ تُسْرِفْ في المَاء)) فقال: وهل فَي الماء من إسراف؟ قال: ((نعم وإن كْنْتَ عَلَى نَهرٍ جَارٍ)).

وصح عنه أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وفي بعض الأعضاء مرتين، وبعضها ثلاثاً.

وكان يتمضمض ويستنشق تارة بغَرفة، وتارة بغَرفتين، وتارة بثلاث. وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق، فيأخُذ نصف الغرفة لفمه، ونصفها لأنفه، ولا يُمَكن في الغرفة إلا هذا، وأما الغرفتان والثلاث، فيمكن فيهما الفصلُ والوصلُ، إلا أن هديه صلى الله عليه وسلم كان الوصلَ بينهما، كما في ((الصحيحين)) من حديث عبد اللّه بن زيد أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ((تمضمض واستنشق منْ كَفٍّ واحدة، فعل ذلك ثلاثاً)) وفي لفظ: ((تمضمض واستنثر بثَلاَث غَرفَات)) فهذا أصحً ما رُوي في المضمضة والاستنشاق، ولم يجىء الَفصلُ بين المًضمضة والاستنشاق في حديث صحيح البتة، لكن في حديث طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جدِّه: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَفْصلُ بين المضمضة والاستنشاق، ولكن لا يُروى إلا عن طلحة عن أبيه عن جدَّه، ولا يعرف لجده صحبة.

وكان يستنشق بيده اليمنى، ويستنثِر باليُسرى، وكان يمسحُ رأسه كلَّه، وتارة يُقْبِلُ بيديه وَيُدْبرُ، وعليه يُحملُ حديث من قال: مسح برأسه مرتين والصحيح أنه لم يكررَ مسح رأسه، بل كان إذا كررَ غَسْلَ الأعضاء، أفرد مسحَ الرأس، هكذا جاء عنه صريحاً، ولم يصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم. خلافه البتة، بل ما عدا هذا، إمّا صحيح غير صريح، كقول الصحابي: توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وكقوله: مسح برأسه مرتين، وإما صريح غير صحيح، كحديث ابن البيلماني، عن أبيه، عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ تَوَضَّأُ فَغَسَلَ كَفَّيْه ثلاثاً)) ثم قال: ((وَمَسَحَ بِرَأسه ثَلاثَاً)) وهذا لا يحتج به، وابن البيلماني وأبوهَ مضعَفان، وإن كان الأب أحَسَن حالاً وكحديث عثمان الذي رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم: ((مَسَحَ رَأسَهُ ثَلاثاً)) وقال أبو داود: أحاديثُ عثمان الصحاحُ كلُّها تدل على أن مسح الرأس مرة، ولم يصحَّ عنه في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعضِ رأسه البتة، ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة، فأمّا حديثُ أنس الذي رواه أبو داود: ((رأيتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمَامة قطْرِيَّةٌ، فَأدْخَلَ يَدَه مِنْ تحت العمَامَة، فمسح مُقدَّمَ رأسه، ولم يَنْقُضِ العِمًامَة)). فهذا مقصود أنس به أن اَلنبيَ صلى الله عليه وسلم لم ينقُض عِمامته حتى يستوعِبَ مسحَ الشعر كلّه، ولم ينفِ التكميلَ على العِمامة، وقد أثبته المغيرةُ بن شعبة وغيره، فسكوتُ أنس عنه لا يدل على نفيه ولم يتوضأ صلى الله عليه وسلم إلا تمضمض واستنشق، ولم يُحفظ عنه أنه صلى الله عليه وسلم به مرة واحدة، وكذلك كان وضوءه مرتباً متوالياً، لم يُخِلَ به مرة واحدة البتة، وكان يمسح على رأسه تارة، وعلى العِمامة تارة، وعلى الناصية والعمامة تارة.

وأما اقتصارُه على الناصية مجردة، فلم يُحفظ عنه كما تقدم وكان يغسل رجليه إذا لم يكونا في خُفين ولا جوربين، ويمسح عليهما إذا كانا في الخفين أو الجوربين وكان يمسح أذنيه مع رأسه، وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما، ولم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماءً جديداً، وإنما صح ذلك عن ابن عمر ولم يَصح عنه في مسح العُنق حديث البتة، ولم يحفظ عنه أنه كان يقول على وضوئه شيئاً غيرَ التسمية، وَكُلُّ حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه، فَكَذِبٌ مُخْتَلَق، لم يقُلْ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم شيئاً منه، ولا عَلَّمه لأمته، ولا ثبت عنه غير التسمية في أوله وقوله: ((أَشْهَدُ أَن لاَ إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، واجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرينَ)) في آخرِه وفي حديث آخر في ((سنن النسائي)) ممّا يقال بعد الوضوء أيضاً: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ)).

وَلَمْ يَكُنْ يقول في أوله: نويت رفعَ الحدث، ولا استباحةَ الصلاة، لا هو، ولا أحدٌ من أصحابه البتة، ولم يُرو عنه في ذلك حرف واحد، لا بإِسناد صحيح، ولا ضعيف، ولم يتجاوز الثلاث قطُّ، وكذلك لم يُثبت عنه أنه تجاوز المِرفقين والكعبين، ولكن أبو هريرة كان يفعلُ ذلك ويتأوَّل حديث إطالة الغرة، وأما حديثُ أبي هريرة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه غسل يديه حتى أشرع في العضُدين، ورجليه حتى أشرع في الساقين فهو إنما يدل على إدخال المرفقين والكعبين في الوضوء، ولا يدل على مسألة الإِطالة.

ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتاد تنشيفَ أعضائه بعد الوضوء، ولا صح عنه في ذلك حديث البتة، بل الذي صح عنه خلافه، وأما حديث عائشة كان للنبي صلى الله عليه وسلم خِرقَةٌ يُنَشِّفُ بِهَا بَعدَ الوُضوءِ، وحديث معاذ بن جبل: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح على وجهه بِطَرَفِ ثوبه، فضعيفان لا يحتج بمثلهما، في الأول سليمان بن أرقم متروك، وفي الثاني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ضعيف، قال الترمذي: ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء.

ولم يَكُنْ من هديه صلى الله عليه وسلم أن يُصبَّ عليه الماءُ كلما توضأ، ولكن تارة يصبُّ على نفسه، وربما عاونه مَنْ يصبُّ عليه أحياناً لحاجة كما في ((الصحيحين)) عن المغيرة بن شعبة أنه صبَّ عليه في السفر لما توضأ.

وكان يخلل لحيته أحياناً، ولم يكن يُواظبُ على ذلك. وقد اختلف أئمة الحديث فيه، فصحح الترمذي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان يُخَلِّلُ لحيته، وقال أحمد وأبو زرعة: لا يثبت في تخليل اللحية حديث.

وكذلك تخليلُ الأصابع لم يكن يُحافظ عليه، وفي ((السنن)) عن المُسْتَوْرِدِ بنِ شداد: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يُدلكُ أصابعَ رجليه بخنصره، وهذا إن ثبت عنه، فإنما كان يفعله أحياناً، ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه، كعثمان، وعلي، وعبد اللّه بن زيد، والرُّبيِّعِ، وغيرهم، على أن في إسناده عبد اللّه بنَ لهيعة.

وأمّا تحريكُ خاتمه، فقد رُوي فيه حديث ضعيف من رواية معمر بن محمَّد بن عبيد اللّه بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه أن النبي صلى الله عليه وسلم ((كان إذا توضأ حرَّك خَاتَمه))، ومعمر وأبوه ضعيفان، ذكر ذلك الدارقطني.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 06:54 PM   #23
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين

صح عنه أنه مسح في الحضر والسفر، ولم يُنسخْ ذلك حتى تُوفي، ووقَّت للمقيم يوماً وليلة، وللمسافِر ثلاثَة أيام ولياليهن في عدة أحاديث حسان وصحاح، وكان يمسح ظاهر الخفين، ولم يصح عنه مسحُ أسفلهما إلا في حديث منقطع والأحاديث الصحيحة على خلافه، ومسح على الجوربين والنعلين، ومسح على العِمامة مقتصِراً عليها، ومع الناصية، وثبت عنه ذلك فعلاً وأمراً في عدة أحاديث، لكن في قضايا أعيان يُحتمل أن تكون خاصة بحال الحاجة والضرورة، ويُحتمل العموم كالخفين، وهو أظهر واللّه أعلم.

ولم يكن يتكلف ضِدَّ حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم يَنْزِعْهُمَا، وإن كانتا مكشوفتين، غسل القدمين، ولم يلبَسِ الخف لِيمسح عليه، وهذا أعدلُ الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل، قاله، شيخنا، واللّه أعلم.


فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في التيمم

كان صلى الله عليه وسلم يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين، ولم يَصِحَّ عنه أنه تيمم بضربتين، ولا إلى المرفقين. قال الإِمام أحمد: من قال: إن التيمم إلى، المرفقين، فإنما هو شيء زاده مِن عنده وكذلك كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها، تراباً كانت أَوْ سَبِخَةً أو رملاً. وصح عنه أنه قال: ((حَيْثُماَ أَدْرَكَتْ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي الصَّلاَةُ، فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ))، وهذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل، فالرمل له طهور. ولما سافر هو وأصحابُه في غزوة تبوك، قطعوا تلك الرمال في طريقهم، وماؤهم في غاية القِلة، ولم يُرو عنه أنه حمل معه التراب، ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه، مع القطع بأن في المفاوز الرمالَ أكثر من التراب، وكذلك أرضُ الحجاز وغيره، ومن تدبر هذا، قطع بأنه كان يتيمم بالرمل، واللّه أعلم وهذا قول الجمهور.

وأمّا ما ذكر في صفة التيمم من وضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور اليمنى، ثم إمرارها إلى المرفق، ثم إدارة بطن كفه على بطن الذراع، وإقامة إبهامه اليسرى كالمؤذن، إلى أن يصل إلى إبهامه اليمنى، فَيُطبِقها عليها، فهذا مما يُعلم قطعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا علَّمه أحداً من أصحابه، ولا أمر به، ولا استحسنه، وهذا هديُه، إليه التحاكُم، وكذلك لم يَصِحَّ عنه التيمُّمُ لكِل صلاة، ولا أمر به، بل أطلق التيمم، وجعله قائماً مقام الوضوء وهذا يقتضي أن يكون حكمُه حكمَه، إلا فيما اقتضى الدليل خلافه.

فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة

كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: ((اللَّهُ أَكْبَرُ)) ولم يقل شيئاً قبلها ولا تلفَّظ بالنية البتة، ولا قال: أصلي للَّهِ صلاة كذا مُستقبِلَ القبلة أربعَ ركعات إماماً أو مأموماً، ولا قال: أداءً ولا قضاءً، ولا فرض الوقت، وهذه عشرُ بدع لم يَنْقُلْ عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظةً واحدةً منها البتة، بل ولا عن أحد من أصحابه، ولا استحسنه أحدٌ من التابعين، ولا الأئمةُ الأربعة، وإنما غَرَّ بعضَ المتأخرين قولُ الشافعي رضي اللّه عنه في الصلاة: إنها ليست كالصيام، ولا يدخل فيها أحد إلا بذكر، فظن أن الذكر تلفُّظُ المصلي بالنية، وإنما أراد الشافعي رحمه اللّه بالذكر: تكبيرةَ الإِحرام ليس إلا، وكيف يستحِبُّ الشافعيُّ أمراً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة واحدة، ولا أحدٌ مِن خلفائه وأصحابِه، وهذا هديُهم وسيرتُهم، فإن أَوْجَدَنَا أحدٌ حرفاً واحداً عنهم في ذلك، قبلناه، وقابلناه بالتسليم والقبول، ولا هديَ أكملُ من هديهم، ولا سنةَ إلا ما تلقَّوه عن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم.

وكان دأبُه في إحرامه لفظةَ: ((اللَّهُ أَكْبَرُ)) لا غيرَها، ولم ينقل أحدٌ عنه سواها.

وكان يرفع يديه معها ممدودةَ الأصابع، مستقبلاً بها القبلةَ إلى فروع أُذنيه، ورُوي إلى منكبيه، فأبو حميد السَّاعديُّ وَمَنْ معه قالوا: حتى يُحاذيَ بهما المَنكِبيْنِ، وكذلك قال ابن عمر. وقال وائل بن حُجر: إلى حِيال أُذنيه. وقال البراء: قريباً من أُذنيه. وقيل: هو من العمل المخيَّر فيه، وقيل: كان أعلاها إلى فروع أُذنيه، وكفَّاه إلى منكبيه، فلا يكون اختلافاً، ولم يختلف عنه في محل هذا الرفع، ثم يضعُ اليُمنى على ظهرِ اليُسرى.

وكان يستفتح تارة بـ ((اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْج وَالبَرَدِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ)).

وتارة يقول: ((وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً مُسلِماً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَماتِي للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ، لاَ إلهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاغتَرَفتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِر لِي ذُنُوبِي جَمِيعَهَا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَاهدِنِي لأَحْسَنِ الأَخلاَق لاَ يَهْدِي لأِحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّىءَ الأَخْلاَقِ، لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَها إِلاَّ أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلٌ بِيَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ))، ولكن المحفوظ أن هذا الاستفتاح إنما كان يقوله في قيام الليل.

وتارة يقول: ((اللَّهُمَّ رَبَّ جبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السماوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِني لِمَا اخْتُلِفَ فِيه مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صرَاطٍ مُسْتَقِيم)).

وتارة يقول: ((اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَنْ فِيهِنَّ ...)) الحديث. وسيأتي في بعض طرقه الصحيحة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه كبر، ثم قال ذلك.

وتارة يقول: ((اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، الْحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، الْحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، سُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، سُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ)).

وتارة يقول: ((اللَّهُ أَكْبَرُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يُسَبِّحُ عَشْرَ مرَاتٍ، ثُمَّ يَحْمَدُ عَشْراً، ثُمَّ يُهَلِّلُ عَشْرَاً، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ عَشْراً، ثُمَّ يَقول: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِني وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي عَشْرَاً))، ثُمَّ يقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ المُقَامِ يَوْمَ القِيَامَةِ عَشْرَاً))

فكل هذه الأنواع صحت عنه صلى الله عليه وسلم.

وروي عنه أنه كان يستفتح بـ ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إِلهِ غَيْرُكَ)) ذكر ذلك أهلُ السنن من حديث علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل النَّاجي، عن أبي سعيد على أنه ربما أرسل، وقد رُوي مثله من حديث عائشة رضي اللّه عنها، والأحاديث التي قبله أثبتُ منه، ولكن صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يستفتح به في مقام النبي صلى الله عليه وسلم ويجهر به، ويعلِّمه الناس وقال الإِمام أحمد: أمّا أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر، ولو أن رجلاً استفتح ببعض ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح كان حسناً.

وإنما اختار الإمام أحمد هذا لعشرة أوجه قد ذكرتُها في مواضع أخرى. منها جهرُ عمر به يعلًّمه الصحابة.

ومنها اشتمالُه على أفضل الكلام بعد القرآَن، فإن أفضل الكلام بعد القرآَن سبحان اللَّهِ، والحمد للّه، ولا إِله إِلا اللّه واللّه أكبر، وقد تضمنها هذا الاستفتاحُ مع تكبيرة الإِحرام.

ومنها أنه استفتاح أخلصُ للثناء على اللّه، وغيره متضمن للدعاء، ولهذا كانت سورة الإِخلاص تَعدِلُ ثلث القرآن، لأنها أخلصت لوصف الرحمن تبارك وتعالى، والثناء عليه ، ولهذا كان ((سبحان اللّه، والحمد للَّه ، ولا إِله إِلا اللّه ، واللّه أكبر)) أفضل الكلام بعد القرآن ، فيلزم أن ما تضمنها من الاستفتاحات أفضل من غيره من الاستفتاحات.

ومنها أن غيرَه من الاستفتاحات عامتُها إنما هي في قيام الليل في النافلة، وهذا كان عمرُ يفعله ، ويعلِّمه الناس في الفرض.

ومنها أن هذا الاستفتاح إنشاء للثناء على الرّب تعالى، متضمن للإِخبار عن صفات كماله ، ونعوت جلاله ، والاستفتاح بـ ((وجهت وجهي)) إخبار عن عبودية العبد، وبينهما من الفرق ما بينهما.

ومنها أن من اختار الاستفتاح بـ ((وجهت وجهي)) لا يكمله ، وإنما يأخذ بقطعة من الحديث ، ويذَرُ باقيه ، بخلاف الاستفتاح بـ ((سبحانك اللهم وبحمدك)) فإن من ذهب إليه يقوله كله إلى آخره.

وكان يقول بعد ذلك: ((أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم)) ثم يقرأ الفاتحة، يجهر بـ ((بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم)) تارة، ويخفيها أكثر مما يجهر بها.

ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم وليلة خمس مرات أبداً، حضراً وسفراً، ويخفي ذلك على خلفائه الرَّاشدين ، وعلى جُمهور أصحابه ، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا مِن أمحل المحال حتى يحتاج إلى التشبُّث فيه بألفاظ مجملة، وأحاديث واهية، فصحيح تلك الأحاديث غيرُ صريح ، وصريحُها غير صحيح ، وهذا موضع يستدعي مجلَّداً ضخما.

وكانت قراءته مداً، يقِف عند كل آية، ويمدُّ بها صوته.

فإذا فرغ من قراءة الفاتحة، قال: ((آمين))، فإن كان يجهر بالقراءة رفع بها صوته وقالها من خلفه.

وكان له سكتتانِ، سكتة بين التكبير والقراءة، وعنها سأله أبو هريرة، واختلف في الثانية، فروي أنها بعد الفاتحة. وقيل: إنها بعد القراءة وقبل الركوع. وقيل: هي سكتتان غير الأولى، فتكون ثلاثاً، والظاهر إنما هي اثنتان فقط، وأمّا الثالثة، فلطيفة جداً لأجل ترادِّ النَّفَس، ولم يكن يَصِل القراءة بالركوع، بخلاف السكتة الأولى، فإنه كان يجعلها بقدر الاستفتاح، والثانية قد قيل: إنها لأجل قراءة المأموم، فعلى هذا: ينبغي تطويلها بقدر قراءة الفاتحة، وأمّا الثالثة، فللراحة والنفس فقط، وهي سكتة لطيفة، فمن لم يذكرها، فلقصرها، ومن اعتبرها، جَعَلها سكتةً ثالثة، فلا اختلاف بين الروايتين، وهذا أظهر ما يقال في هذا الحديث وقد صح حديث السكتتين، من رواية سمرة، وأبي بن كعب، وعمران بن حصين، ذكر ذلك أبو حاتم في ((صحيحه)) وسمرة هو ابن جندب، وقد تبين بذلك أن أحد من روى حديث السكتتين سمرة بن جندب وقد قال: حفظتُ من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتةً إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة: 7]. وفي بعض طرق الحديث: فإذا فرغ من القراءة، سكت وهذا كالمجمل، واللفظ الأول مفسِّر مبين، ولهذا قال أبو سَلمة بن عبد الرحمَن: للإمام سكتتان، فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكِتاب إذا افتتح الصلاة، وإذا قال: {ولا الضالين} [الفاتحة: 7] على أن تعيين محل السكتتين، إنما هو من تفسير قتادة، فإنه روى الحديث عن الحسن، عن سمرة قال: سكتتان حفظتهما عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في، فأنكر ذلك عمران، فقال: حفظناها سكتة، فكتبنا إلى أبيِّ بن كعب بالمدينة، فكتب أُبي أن قد حفظ سمرة، قال سعيد؟ فقلنا لقتادة: ما هاتان السكتتان قال: إذا دخل في الصلاة، وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعد ذلك: وإذا قال: ولا الضالين قال: وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يترادَّ إليه نَفَسُه ومن يحتج بالحسن عن سمرة يحتج بهذا.

فإذا فرغ من الفاتحة، أخذ في سورة غيرِها، وَيُخَفِّفُهَا لعارض مِن سفر أو غيره، ويتوسط فيها غالباً.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 06:59 PM   #24
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



قراءته صلى الله عليه وسلم في الصلاة

وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية، وصلاها بسورة (ق)، وصلاها بـ (الروم) وصلاها بـ (إذَا الشَّمسُ كُوِّرَت) وصلاها بـ (إِذَا زُلْزِلَتْ) في الركعتين كليهما، وصلاها بـ (المعوِّذَتَيْنِ) وكان في السفر وصلاها، فافتتح بـ (سورة المؤْمِنِين) حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى، أخذته سَعْلَةٌ فركع.

وكان يُصليها يومَ الجمعة بـ (ألم تنزيلا السَّجدة) وسورة (هل أتى على الإِنسان ) كاملتين، ولم يفعل ما يفعلُه كثيرٌ منِ النَّاس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه في الركعتين، وقراءة السجدة وحدَها في الركعتين، وهو خلاف السنة. وأما ما يظنه كثيرٌ مِن الجهال أن صبحَ يوم الجمعة فُضِّلَ بسجدة، فجهل عظيم، ولهذا كره بعضُ الأئمة قراءةَ سورة السجدة لأجل هذا الظن، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين لما اشتملتا عليه من ذكر المبدإِ والمعاد، وخلقِ آدم، ودخولِ الجنَّة والنَّار، وذلك ممّا كان ويكونُ في يومِ الجمعة، فكان يقرأ في فجرها ما كان ويكون في ذلك اليوم، تذكيراً للأمة بحوادث هذا اليوم، كما كان يقرأ في المجامع العظام كالأعياد والجمعة بسورة (ق) و (واقتربت) و (سبِّح) و (الغاشية).


فصل

وأما الظهر، فكان يُطيل قراءتَها أحياناً، حتى قال أبو سعيد: ((كانت صلاةُ الظهر تُقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله، فيتوضأ، ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى ممّا يطيلُها)) رواه مسلم. وكان يقرأ فيها تارة بقدر (ألم تنزيل) وتارة بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (الليل إذا يغشى) وتارة بـ (السماء ذات البروج) و (السماء والطارق).

وأما العصر، فعلى النصف مِن قراءة صلاة الظهر إذا طالت، وبقدرها إذا قصُرت.

وأما المغرب، فكان هديُه فيها خلافَ عمل الناس اليوم، فإنه صلاها مرة بـ(الأعراف) فرَّقها في الركعتين، ومرة بـ (الطور) ومرة بـ (المرسلات).

قال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بـ (المص) وأنه قرأ فيها بـ (الصافات) وأنه قرأ فيها بـ (حم الدخان) وأنه قرأ فيها بـ(سبح اسم ربك الأعلى) وأنه قرأ فيها بـ (التين والزيتون) وأنه قرأ فيها بـ (المعوِّذتين) وأنه قرأ فيها بـ (المرسلات) وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل قال: وهي كلها آثار صحاح مشهورة. انتهى.

وأما المداومة فيها على قراءة قِصار المفصل دائماً، فهو فعلُ مروان بن الحكم، ولهذا أنكر عليه زيدُ بن ثابت، وقال: مَالَكَ تقرأ في المغرب بقصار المفصَّل؟! وقد رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولى الطُوليين. قال: قلت: وما طُولى الطوليين؟ قال: (الأعراف) وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن.

وذكر النَّسائي عن عائشة رضي اللّه عنها أن النبي قرأ في المغرب بسورة (الأعراف) فرقها في الركعتين.

فالمحافظة فيها على الآية القصيرة، والسورةِ من قِصار المفُصَّل خلافُ السنة، وهو فعل مروان بن الحكم.

وأما العشاء الآخرة، فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم بـ (التين والزيتون) ووقَّت لمعاذ فيها بـ (الشمس وضحاها) و (سبِّح اسم ربك الأعلى) و (الليل إذا يغشى) ونحوها، وأنكر عليه قراءتَه فيها بـ (البقرة) بعدما صلَّى معه، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف، فأعادها لهم بعدما مضى من الليل ما شاء اللّه، وقرأ بهم بـ (البقرة) ولهذا قال له: ((أفتان أنت يا معاذ)) فتعلق النَّقَّارون بهذه الكلمة، ولم يلتفِتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها.

وأما الجمعةُ، فكان يقرأ فيها بسورتي (الجمعة) و (المنافقين ) كَامِلَتَينِ و (سورة سبِّح) و (الغاشية).

وأما الاقتصار على قراءة أواخر السورتين من (يا أيها الذين آمنوا) إلى آخرها، فلم يفعله قطُّ، وهو مخالف لهديه الذي كان يُحافظ عليه.

وأما قراءته في الأعياد، فتارة كان يقرأ سورتي (ق) و (اقتربت) كاملتين، وتارة سورتي (سبِّح) و (الغاشية) وهذا هو الهدي الذي استمر صلى الله عليه وسلم إلى أن لقي اللَّهَ عز وجل، لم ينسخه شيء.

ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده، فقرأ أبو بكر رضي الله عنه في الفجر بسورة (البقرة) حتى سلَّم منها قريباً من طلوع الشمس، فقالوا: يا خليفَة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ كادت الشمسُ تطلعُ، فقال: لو طلَعت لم تجدنا غافلين.

وكان عمر رضي اللّه عنه يقرأ فيها بـ (يوسف) و (النحل) و بـ (هود) و (بني إسرائيل) ونحوها من السور، ولو كان تطويلُه صلى الله عليه وسلم منسوخاً لم يخفَ على خلفائه الراشدين، وَيَطَّلعْ عليه النَّقَّارون.

وأما الحديث الذي رواه مسلم في ((صحيحه)) عن جابر بن سَمُرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر {ق والقرآنِ المجيد} [ق: 1] وكانت صلاته بعد تخفيفاً فالمراد بقوله ((بعدُ)) أي: بعد الفجر، أي: إنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها، وصلاته بعدها تخفيفاً. ويدل على ذلك قولُ أم الفضل وقد سمعت ابن عباس يقرأ و (المرسلات عرفاً) فقالت: يا بني لقد ذَكَّرْتَنِي بقراءة هذه السورة، إنها لآخِرُ ما سمعتُ من رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب فهذا في آخر الأمر.

وأيضاً فإن قوله: وكانت صلاته((بعدُ)) غايةٌ قد حذف ما هي مضافة إليه، فلا يجوز إضمارُ ما لا يدل عليه السياقُ، وترك إضمار ما يقتضيه السياقُ، والسياقُ إنما يقتضي أن صلاته بعد الفجر كانت تخفيفاً، ولا يقتضي أن صلاتَه كلَّها بعد ذلك اليوم كانت تخفيفاً، هذا ما لا يدل عليه اللفظ، ولو كان هو المرادَ، لم يخف على خلفائه الراشدين، فيتمسكون بالمنسوخ، ويدعون الناسخ.

وأمّا قولُه صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّكُم أَمَّ النَّاسَ، فَلْيُخَفِّفْ)) وقول أنس رضي اللّه عنه: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أخَفَّ النَّاسِ صَلاَةً في تَمامٍ فالتخفيف أمر نسبي يَرْجِحُ إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر، ثم يُخالفه، وقد عَلمَ أن من ورائه الكبيرَ والضعيفَ وذَا الحاجة، فالذي فعله هو التخفيفُ الذي أمرَ به، فإَنه كان يُمكن أن تكون صلاتُه أطولَ منِ ذلك بأضعاف مضاعفة، فهي خفيفةٌ بالنسبة إلى أطول منها، وهديُه الذي كان واظب عليه هو الحاكمُ على كل ما تنازع فيه المتنازعون، ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: كان رسولُ اللّه يأمرنا بالتخفيف ويؤمُّنا بـ (الصافات) فالقراءة بـ (الصافات) من التخفيف الذي كان يأمر به، واللّه أعلم.


فصل

وكان صلى الله عليه وسلم لا يعين سورة في الصلاة بعينها لا يقرأ إلا بها إلا في الجمعة والعيدين، وأمّا في سائر الصلوات، فقد ذكر أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أنه قال: مَا منَ المفصَّلِ سورةٌ صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا وقد سمِعتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يَؤمُّ الناسَ بها في اَلصَّلاةِ المَكْتُوبةِ.

وكان من هديه قراءةَ السورة كاملة، وربما قرأها في الركعتين، وربما قرأ أول السورة. وأما قراءة أواخر السور وأوساطِها، فلم يُحفظ عنه. وأما قراءةُ السورتين في ركعة، فكان يفعله في النافلة، وأما في الفرض، فلم يُحفظ عنه. وأما حديثُ ابن مسعود رضي اللّه عنه: إني لأعرف النظائِرَ التي كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يقرُن بينهن السورتين في الركعة (الرحمن) و (النجم) في ركعة و (اقتربت) و (الحاقة) في ركعة و (الطور) و (الذاريات) في ركعة و (إذا وقعت) و (ن) في ركعة الحديث فهذا حكاية فعل لم يُعين محلَّه هل كان في الفرض أو في النفل؟ وهو محتمِل. وأما قراءةُ سورة واحدة في ركعتين معاً، فقلما كان يفعله. وقد ذكر أبو داود عن رجل من جُهينة أنه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح (إذا زلزلت) في الركعتين كلتيهما، قال: فلا أدري أنسيَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم، أم قرأ ذلك عمداً.


فصل

وكان صلى الله عليه وسلم يُطيلُ الركعة الأولى على الثانية مِن صلاة الصُّبح ومِن كل صلاة، وربما كان يُطيلها حتى لا يسمَعَ وقْعَ قدمٍ، وكان يُطيل صلاة الصبح أكثرَ مِن سائر الصلوات، وهذا لأن قرآن الفجر مشهود، يشهده اللَّهُ تعالى وملائكتُه، وقيل: يشهدُه ملائكةُ الليلِ والنهارِ، والقولان مبنيان على أن النزولَ الإِلهي هل يدومُ إلى انقضاء صلاة الصبح، أو إلى طلوع الفجر؟ وقد ورد فيه هذا وهذا.

وأيضاً فإنها لما نقص عددُ ركعاتها، جُعِلَ تطويلُها عوضاً عما نقصته من العدد.

وأيضاً فإنها تكون عقيبَ النوم، والناس مستريحون.

وأيضاً فإنهم لم يأخذوا بَعْدُ في استقبال المعاش، وأسباب الدنيا.

وأيضاً فإنها تكون في وقت تواطأ فيه السمعُ واللِّسان والقلبُ لفراغه وعدمِ تمكن الاشتغال فيه، فَيفهمُ القُرآنَ ويتدبره.

وأيضاً فإنها أساس العمل وأولُه، فأُعطيت فضلاً من الاهتمام بها وتطويلها، وهذه أسرار إنما يعرفها من له التفات إلى أسرار الشريعة ومقاصدها وَحِكَمِهَا، واللّه المستعان.


فصل

وكان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من القراءة، سكت بقدر ما يترادُّ إليه نفسُه، ثم رفع يديه كما تقدَّم، وكبَّر راكعاً، ووضع كفَّيه على رُكبتيه كالقابض عليهما، ووتَر يديه، فنحاهما عن جنبيه، وبسط ظهره ومدَّه، واعتدل، ولم يَنْصِبْ رأسه، ولم يَخفِضْه، بل يجعلُه حيالَ ظهره معادِلاً له.

وكان يقول: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ))وتارة يقول مع ذلك، أو مقتصِراً عليه: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي)) وكان ركوعُه المعتادُ مقدارَ عشرِ تسبيحات، وسجودُه كذلك. وأما حديث البراء بن عازب رضي اللّه عنه: رَمَقْتُ الصلاةَ خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم، فكان قيامُه فركوعُه فاعتدالُه فسجدتُه، فجلستُه ما بين السجدتين قريباً من السواء. فهذا قد فَهِمَ منه بعضُهم أنه كان يركع بقدر قيامه، ويسجُد بقدره، ويعتدِل كذلك. وفي هذا الفهم شيء، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بالمائة آية أو نحوها، وقد تقدم أنه قرأ في المغرب بـ (الأعراف) و (الطور) و (المرسلات) ومعلوم أن ركوعه وسجوده لم يكن قدر هذه القراءة، ويدل عليه حديثُ أنس الذي رواه أهل السنن أنه قال: ما صليتُ وراءَ أحد بعدَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أشبهَ صلاة برسول اللّه صلى الله عليه وسلم. إلا هذا الفتى يعني عمرَ بن عبد العزيز، قال: فحزرْنَا في ركوعه عشرَ تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات هذا مع قول أنس أنه كان يؤمهم بـ (الصافات) فمرادُ البراء - واللّه أعلم - أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت معتدِلة، فكان إذا أطال القيام، أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام، خفف الركوعَ والسجود، وتارة يجعلُ الركوع والسجود بقدر القيام، ولكن كان يفعَلُ ذلك أحياناً في صلاة الليل وحدها، وفعله أيضاً قريباً من ذلك في صلاة الكسوف، وهديه الغالبُ صلى الله عليه وسلم تعديلُ الصلاة وتناسبها.

وكان يقول أيضاً في ركوعه ((سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ والرُّوح)). وتارة يقول: ((اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِك آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِى وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي)). وهذا إنما حُفظ عنه في قيام الليل.

ثم كان يرفع رأسه بعد ذلك قائلاً: ((سَمعَ اللَّهُ لِمنْ حَمِدَه)) وَيَرْفَع يديه كما تقدم، وروى رفعَ اليدين عنه في هذه المواطن الثلاثة نحوٌ من ثلاثين نفساً، واتفق على روايتها العشرةُ، ولم يثبت عنه خِلافُ ذلك البتة، بل كان ذلك هديَه دائماً إلى أن فارق الدنيا، ولم يصح عنه حديثُ البراء: ثم لا يعود بل هي من زيادة يزيد بن زياد. فليس تركُ ابنِ مسعود الرفعَ ممّا يُقدَّم على هديه المعلوم، فقد تُركَ من فعل ابن مسعود في الصلاة أشياء ليس مُعَارِضُها مقارباً ولا مدانياً للرفع، فقد ترك مِنْ فعله التطبيق والافتراش في السجود، ووقوفه إماماً بين الاثنين في وسطهما دون التقدُّم عليهما، وصلاته الفرض في البيت بأصحابه بغير أذان ولا إقامة لأجل تأخير الأمراء، وأين الأحاديثُ في خلاف ذلك من الأحاديث التي في الرفع كثرةً وصحة وصراحةً وعملاً، وباللّه التوفيق.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 07:03 PM   #25
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وكان دائماً يُقيم صُلبه إذا رفع من الركوع، وبينَ السجدتين، ويقول ((لاَ تُجْزِىء صلاةٌ لاَ يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)) ذكره ابن خزيمة في ((صحيحه)).

وكان إذا استوى قائماً، قال: ((رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ)) وربما قال: ((رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ))وربما قال: ((اللَّهُمَّ رَبَّنَا لك الْحَمْد))صح ذلك عنه. وأما الجمع بين ((اللَّهُمَّ)) و ((الواو)) فلم يصح.

وكان من هديه إطالةُ هذا الركن بقدر الركوعِ والسجود، فصح عنه أنه كان يقول: ((سَمعَ اللَّهُ لِمن حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْض، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُنَا لَكَ عَبْدٌ لاَ مَانعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ)).

وصح عنه أنه كان يقول فيه: ((اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِد بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)).

وصح عنه أنه كرر فيه قوله: ((لِرَبِّيَ الْحَمْدُ، لِرَبِّيَ الْحَمْدُ)) حتى كان بقدر الركوع.

وصحَّ عنه أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع يمكُث حتى يقول القائل: قد نسِيَ من إطَالَتِه لهذا الرُّكن. وذكر مسلم عن أنس رضيَ اللَّهُ عنه: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قال سَمعَ اللَّهُ لِمنْ حَمِدَه، قام حتى نقول: قَدْ أَوهَمَ، ُثمَّ يسجُدُ، ثم يَقْعُدُ بين السجدتين حتى نقولَ: قد أوهم.

وصح عنه في صلاة الكُسوف أنه أطال هذا الركنَ بعد الركوع حتى كان قريباً من ركوعه، وكان ركوعُه قريباً من قيامه.

فهدا هديُه المعلوم الذي لا مُعارِض له بوجه.

وأما حديثُ البراء بن عازب: كان ركوعُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسجودُه وبينَ السجدتين، وإذا رَفَعَ رأسه من الركوع - ما خلا القيامَ والقعُودَ - قريباً مِنَ السواء. رواه البخاري فقد تشبَّث به مَن ظن تقصيرَ هذين الركنين، ولا متعلق له، فإن الحديث مصرّح فيه بالتسوية بين هذين الركنين وبين سائر الأركان، فلو كان القيامُ والقعود المستَثْنَيَيْنِ هو القيامَ بعد الركوع والقعودَ بين السجدتين، لناقض الحديثُ الواحد بعضَه بعضاً، فتعيَّن قطعاً أن يكون المرادُ بالقيام والقعود قيامَ القراءة، وقعود التشهد، ولهذا كان هديُه صلى الله عليه وسلم، فيهما إطالَتهما على سائر الأركان كما تقدم بيانُه، وهذا بحمد اللّه واضح، وهُو مما خفي من هدي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم صلاته على من شاء اللّه أن يخفى عليه.

قال شيخنا: وتقصيرُ هذين الركنين مما تصرَّف فيه أمراءُ بني أمية في الصلاة، وأحدثُوه فيها، كما أحدثوا فيها تركَ إتمام التكبير، وكما أحدثوا التأخيرَ الشديد، وكما أحدثوا غيرَ ذلك مما يُخالف هديَه صلى الله عليه وسلم ورُبِّيَ في ذلك مَنْ رُبَيّ حتى ظن أنه من السنة.


فصل

ثم كان يُكبِّر وَيخِرُّ ساجداً، ولا يرفع يديه وقد روي عنه أنه كان يرفعهما أيضاً، وصححه بعضُ الحفاظ كأبي محمد بن حزم رحمه اللّه، وهو وهم، فلا يَصِحُّ ذلك عنه البتة، والذي غرَّه أن الراويَ غلط من قوله: كان يُكبر في كل خفض ورفع إلى قوله: كان يرفع يديه عند كل خفض ورفع، وهو ثقة ولم يفطن لسبب غلط الراوي ووهمه، فصححه. واللّه أعلم.

وكان صلى الله عليه وسلم يَضَعُ رُكبتيه قبل يديه، ثمَّ يديه بعدهما، ثم جبهتَه وأنفَه، هذا هو الصحيح الذي رواه شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حُجر: رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا سجد، وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض، رفع يديه قبل ركبتيه، ولم يُرو في فعله ما يُخَالِفُ ذلك.

وأما حديثُ أبي هريرة يرفعه: ((إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَلاَ يَبْرُك كَمَا يَبْرُكُ البَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ ركْبَتَيْهِ)) فالحديث - واللّه أعلم - قد وقع فيه وهم من بعض الرواة، فإن أوَّله يُخالف آخره، فإنه إذا وَضَع يديه قبل ركبتيه، فقد بَرَكَ كما يبرَك البعير، فإن البعير إنما يضع يديه أولاً، ولما علم أصحابُ هذا القول ذلك، قالوا: ركبتا البعير في يديه، لا في رجليه، فهو إذا برك، وضع ركبتيه أولاً، فهذا هو المنهي عنه، وهو فاسد لوجوه.

أحدها: أن البعير إذا برك، فإنه يضع يديه أولاً، وتبقى رجلاه قائمتين، فإذا نهض، فإنه ينهض برجليه أولاً، وتبقى يداه على الأرض، وهذا هو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم،وفعل خلافه. وكان أول ما يقع منه على الأرض الأقربُ منها فالأقربُ، وأول ما يرتفع عن الأرض منها الأعلى فالأعلى.

وكان يضع ركبتيه أولاً، ثم يديه، ثم جبهتَه. وإذا رفع، رفع رأسه أولاً، ثم يديه، ثم ركبتيه، وهذا عكسُ فعل البعير، وهو صلى الله عليه وسلم نهى في الصلاة عن التشبه بالحيوانات، فنهى عن بُروك كبُروكِ البعير، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السَّبُع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب ورفعِ الأيدي وقت السلام كأذناب الخيل الشُّمْسِ، فهدْيُ المصلي مخالفٌ لهدي الحيوانات.

الثاني: أن قولهم: رُكبتا البعير في يديه كلام لا يُعقل، ولا يعرفه أهل اللغة وإنما الركبة في الرجلين، وإن أطلق على اللتين في يديه اسم الركبة، فعلى سبيل التغليب.

الثالث: أنه لو كان كما قالوه، لقال: فليبرُك كما يبرك البعير، وإن أول ما يمسُّ الأرضَ من البعير يداه. وسِرُ المسألة أنَّ من تأمل بُروك البعير، وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بُروك كبروك البعير، علم أن حديث وائل بن حُجر هو الصواب، واللّه أعلم.

وكان يقع لي أن حديث أبي هريرة كما ذكرنا ممّا انقلب على بعض الرواة متنُه وأصلُه، ولعله: ((وليضع ركبتيه قبل يديه)) كما انقلب على بعضهم حديثُ ابن عمر ((إِنَ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بليل، فكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يُؤَذِّنَ ابنُ أُمِّ مكتوم)). فقال: ((ابنُ أُمِّ مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يُؤذِّن بِلال)). وكما انقلب على بعضهم حديثُ ((لاَ يَزَالُ يلقى في النَّارِ، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ... إلى أن قال: وَأَمَّا الجَنَةُ فَيُنْشِىءُ اللَّهُ لهَا خَلْقاً يُسْكِنُهُم إيَّاهَا)) فقال: ((وَأَمَّا النَّار فينشىءُ اللّه لها خلقاً يُسكنهم إِيَّاها)) حتى رأيتُ أبا بكر بن أبي شيبة قد رواه كذلك، فقال ابن أبي شيبة: حدثنا محمد بن فضيل،عن عبد اللّه بن سعيد، عن جدِّه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيهِ، وَلاَ يَبْرُكْ كَبُرُوكِ الفَحْلِ)) ورواه الأثرم في ((سننه)) أيضاً عن أبي بكر كذلك. وقد روي عن أبي هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم ما يُصدِّق ذلك، ويُوافق حديثَ وائل بن حُجر. قال ابن أبي داود: حدثنا يُوسُف بن عدي، حدثنا ابن فضيل هو محمد، عن عبد اللّه بن سعيد، عن جدِّه، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه.

وقد روى ابن خزيمة في ((صحيحه)) من حديث مُصعب بن سعد، عن أبيه قال: كنا نضعُ اليدين قبل الركبتين، فَأُمرنا بالرُّكبتين قبل اليدين وعلى هذا فإن كان حديثُ أبي هريرة محفوظاً، فإنه منسوخ، وهذه طريقةُ صاحب ((المغنى)) وغيره، ولكنْ للحديث علتان:

إحداهما: أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل، وليس ممن يُحتج به، قال النَّسائي: متروك. وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً لا يُحتج به، وقال ابن معين: ليس بشيء.

الثانية: أن المحفوظ من رواية مصعب بن سعد عن أبيه هذا إنما هو قصةُ التطبيق، وقول سعد: كنا نصنع هذا، فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب.

وأما قول صاحب ((المغني)) عن أبي سعيد قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فَأُمِرْنَا أن نضع الركبتين قبل اليدين، فهذا - واللّه أعلم - وهم في الاسم، وإنما هو عن سعد، وهو أيضاً وهم في المتن كما تقدم، وإنما هو في قصة التطبيق، واللّه أعلم.

وأما حديث أبي هريرة المتقدم، فقد علله البخاري، والترمذي، والدارقطني. قال البخاري: محمد بن عبد اللّه بن حسن لا يُتابع عليه، وقال: لا أدري أَسَمعَ من أبي الزناد، أم لا.

وقال الترمذي: غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا ا لوجه.

وقال الدارقطني: تفرد به عبد العزيز الدراوردي، عن محمد بن عبد اللّه بن الحسن العلوي، عن أبي الزناد، وقد ذكر النسائي عن قتيبة، حدثنا عبد اللّه بن نافع، عن محمد بن عبد اللّه بن الحسن العلوي، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يَعْمِدُ أَحَدُكُم في صلاته، فَيَبْرُكُ كما يَبْرُكُ الجَمَلُ)) ولم يزد. قال أبو بكر بن أبي داود: وهذه سنة تفرد بها أهلُ المدينة، ولهم فيها إسنادان، هذا أحدهما، والآخر عن عبيد اللّه، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: أراد الحديثَ الذي رواه أصبغ بن الفرج، عن الدراوردي، عن عبيد اللّه، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يضَع يَدَيهِ قَبْلَ رُكبتيه، ويقول:كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. رواه الحاكم في ((المستدرَك)) من طريق محرز بن سلمة عن الدراوردي وقال: على شرط مسلم وقد رواه الحاكمُ مِنْ حديث حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن أنس قال: رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم انحطَّ بالتكبير حتى سَبَقَتْ رُكبتاه يَدَيْهِ قال الحاكم: على شرطهما، ولا أعلم له علة.

قلت: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي عن هذا الحديث، فقال: هذا الحديث منكر. انتهى. وإنما أنكره - واللّه أعلم - لأنه من رواية العلاء بن إسماعيل العطار، عن حفص بن غياث، والعلاء هذا مجهول لا ذكر له في الكتب الستة. فهذه الأحاديث المرفوعة من الجانبين كما ترى.

وأما الآثار المحفوظة عن الصحابة، فالمحفوظ عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه، ذكره عنه عبد الرزاق وابن المنذر، وغيرهما، وهو المروي عن ابن مسعود رضي اللّه عنه، ذكره الطحاوى عن فهد عن عمر بن حفص، عن ابيه، عن الأعمش، عن إبراهيمِ، عن أصحاب عبد اللّه علقمة والأسود قالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنه خرَّ بعد ركوعه على ركبتيه كما يَخِرُّ البعير، ووضع ركبتيه قبل يديه، ثم ساق من طريق الحجاج بن أرطاة قال: قال إبراهيم النخعي: حفظ عن عبد اللّه بن مسعود أن ركبتيه كانتا تقعان على الأرض قبل يديه، وذكر عن أبي مرزوق عن وهب، عن شعبة، عن مغيرة قال: سألت إبراهيم عن الرجل يبدأ بيديه قبل ركبتيه إذا سجد؟ قال: أو يصنع ذلك إلا أحمق أو مجنون!


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 07:07 PM   #26
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



قال ابن المنذر: وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فممن رأى أن يضع ركبتيه قبل يديه عمرُ بن الخطاب رضي اللّه عنه، وبه قال النخعيُّ، ومسلمُ بن يسار، والثوريّ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق، وأبو حنيفة وأصحابُه، وأهلُ الكوفة.

وقالت طائفة: يضع يديه قبل ركبتيه، أدركنا النَّاس يضعون أيديَهم قبل رُكبهم: قال ابنُ أبي داود: وهو قول أصحاب الحديث.

قلت: وقد روي حديثُ أبي هريرة بلفظ آخر ذكره البيهقي، وهو(إذا سجد أحدكم، فلا يبرُك كما يبرُك البعيرُ، وليضع يديه على ركبتيه)) قال البيهقي: فإن كان محفوظاً، كان دليلاً على أنه يضع يديه قبل ركبتيه عند الإِهواء إلى السجود.

وحديث وائل بن حُجر أولى لوجوه.

أحدها: أنه أثبت من حديث أبي هريرة، قاله الخطابي، وغيره.

الثاني: أن حديث أبي هريرة مضطرب المتن كما تقدم، فمنهم من يقول فيه: وليضع يديه قبل ركبتيه، ومنهم من يقول بالعكس، ومنهم من يقول: وليضع يديه على ركبتيه، ومنهم من يحذف هذه الجملة رأساً.

الثالث: ما تقدم من تعليل البخاري والدارقطني وغيرهما.

الرابع: أنه على تقدير ثبوته قد ادعى فيه جماعة من أهل العلم النسخَ قال ابن المنذر: وقد زعم بعضُ أصحابنا أن وضع اليدين قبل الركبتين منسوخ، وقد تقدم ذلك.

الخامس: أنه الموافق لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بروك كبروك الجمل في الصلاة، بخلاف حديث أبي هريرة.

السادس: أنه الموافق للمنقول عن الصحابة، كعمر بن الخطاب، وابنه، وعبد اللّه بن مسعود، ولم ينقل عن أحد منهم ما يُوافق حديثَ أبي هريرة إلا عن عمر رضي اللّه عنه على اختلاف عنه.

السابع: أن له شواهد من حديث ابن عمر وأنس كما تقدم، وليس لحديث أبي هريرة شاهد، فلو تقاوما، لَقُدِّم حديثُ وائل بن حُجر من أجل شواهده، فكيف وحديثُ وائل أقوى كما تقدم.

الثامن: أن أكثر الناس عليه، والقول الآخر إنما يُحفظ عن الأوزاعي ومالك، وأمّا قول ابن أبي داود: إنه قول أهل الحديث، فإنما أراد به بعضهم، وإلا فأحمد والشافعي وإسحاق على خلافه.

التاسع: أنه حديث فيه قصة مَحكية سيقت لحكاية فعله صلى الله عليه وسلم، فهو أولى أن يكون محفوظاً، لأن الحديث إذا كان فيه قصة محكية، دلَّ على أنه حفظ.

العاشر: أن الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره، فهي أفعال معروفة صحيحة، وهذا واحد منها، فله حكمها، ومعارضُه ليس مقاوماً له، فيتعين ترجيحه، واللّه أعلم.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسجُد على جبهته وأنفه دون كُور العِمامة، ولم يثُبت عنه السجودُ على كُور العِمَامَةِ من حديث صحيح ولا حسن، ولكن روى عبد الرزاق في ((المصنف)) من حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجُد على كُور عِمامته، وهو من رواية عبد اللّه بن مُحَرَّرٍ، وهو متروك وذكره أبو أحمد الزبيري من حديث جابر، ولكنه من رواية عمر بن شَمر عن جابر الجعفي، متروك عن متروك، وقد ذكر أبو داود في المراسيل أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يُصلي في المسجد، فسجد بجبينه، وقد اعتم على جبهته، فحسر رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم عن جبهته.

وكان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يسجدُ على الأرض كثيراً، وعلى الماء والطين، وعلى الخُمْرَةِ المتَّخذة من خُوص النخل، وعلى الحصير المتَّخذ منه، و الفروة المدبوغة.

وكان إذا سجد، مكَّن جبهته وأنفه من الأرض، ونحَّى يديه عن جنبيه، وجافى بهما حتى يُرى بياضُ إبطيه، ولو شاءت بَهْمَة - وهي الشاة الصغيرة - أن تمُرَّ تحتهما لمرت.

وكان يضع يديه حَذو منكبيه وأُذنيه، وفي ((صحيح مسلم)) عن البراء أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا سَجَدْتَ، فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ)).

وكان يعتدِل في سجوده، ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة.

وكان يبسُط كفيه وأصابعَه، ولا يُفرِّج بينها ولا يقبضها، وفي ((صحيح ابن حبان)): ((كان إذا ركع، فرج أصابعه، فإذا سَجَدَ، ضمَّ أصابعه)).

وكان يقول: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى)) وأمر به.

وكان يقول: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي)).

وكان يقول: ((سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكةَ والرُّوحِ)).

وكان يقول ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ)).

وكان يقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصي ثَنَاءً عَلَيكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)).

وكان يقول: ((اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سجد وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ،تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقينَ)).

وكان يقول: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّه وَجِلَّه، وَأَوَّلَه وَآخِرَهُ،وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَهُ)).

وكان يقول: ((اللَّهُمَّ اغْفِر لِي خَطِيئَتي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي في أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلي، وَخَطَئِي وَعَمدِي، وَكلُّ ذلِكَ عنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِر لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إٍلهِي، لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ)).

وكان يقول: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نوراً، وَعَنْ شِمَالِي نُوراً، وَأَمَامِي نُوراً، وَخَلْفِي نُوراً، وَفَوْقِي نُوراً، وَتَحْتِي نُوراً، وَاجْعَلْ لِي نُوراً)).

وأمر بالاجتهاد في الدعاء في السجود وقال: ((إِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ)). وهل هذا أمر بأن يُكثر الدعاء في السجود، أو أمر بأن الداعيَ إِذا دعا في محل، فليكن في السجود؟ وفرق بين الأمرين، وأحسنُ ما يحملُ عليه الحديثُ أن الدعاء نوعان: دعاء ثناءٍ، ودعاءُ مسألة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر في سجوده من النوعين، والدعاءُ الذي أَمَرَ به في السجود يتناول النوعين.

والاستجابة أيضاً نوعان: استجابةُ دعاءِ الطالب بإعطائه سؤالَه، واستجابةُ دعاء المُثني بالثواب، وبكل واحد من النوعين فُسِّرَ قوله تعالى: {أجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 187] والصحيح أنه يعم النوعين.
فصل

وقد اختلف الناس في القيام والسجود أيُهُمَا أفضلُ؟ فرجحت طائفة القيام لوجوه.

أحدُها: أن ذِكْره أفضلُ الأذكار، فكان ركنُه أفضلَ الأركان.

والثاني: قوله تعالى: {قُومُوا للهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: ((أَفْضَلُ الصَّلاَةِ طُولُ القُنُوتِ)).

وقالت طائفة: السجودُ أفضلُ، واحتجت بقولِه صلى الله عليه وسلم: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجدٌ)) وبحديث مَعدان بنِ أبي طلحة قال: لقيتُ ثوبانَ مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: حدّثني بحديثٍ عسى اللَّهُ أن ينفعَني به؟ فقال: ((عَلَيْكَ بِالسُّجُودِ)) فإني سَمِعْتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ للَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً)) قال معدان: ثم لقِيتُ أبا الدرداء، فسألتُه، فقال لِي مثلَ ذلك.وقال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم لِربيعة بنِ كعبٍ الأسلمي وقد سأله مرافقتَه في الجنَّة ((أَعنِيِّ عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)).

وأولُ سورة أُنزِلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سورةُ (اقْرَأْ) على الأصح، وختمها بقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].

وبأن السجود للّه يقع مِن المخلوقات كلِّها علويِّها وسُفليِّها، وبأن الساجد أذلُّ ما يكون لربه وأخضعُ له، وذلك أشرفُ حالات العبد، فلهذا كان أقرب ما يكون من ربِّه في هذه الحالة، وبأن السجودَ هو سرُّ العبودية، فإن العبودية هي الذُّلُّ والخُضوعُ، يقال: طريق معبَّد، أي ذللته الأقدام، ووطأته، وأذلُّ ما يكون العبد وأخضع إذا كان ساجداً.

وقالت طائفة: طولُ القيامِ بالليل أفضلُ، وكثرةُ الركوع والسجود بالنهار أفضلُ، واحتجت هذه الطائفةُ بأن صلاة الليل قد خُصَّت باسم القيام، لقوله تعالى: {قُمِ اللَيْلَ} [المزمل: ا] وقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَامَ رَمَضانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً))، ولهذا يُقال: قيامُ الليل، ولا يقال: قيامُ النهار، قالوا: وهذا كان هديَ النبي صلى الله عليه وسلم،فإنه ما زاد في الليل على إحدى عشرة ركعة، أو ثلاثَ عشرة ركعة.

وكان يُصلي الركعة في بعض الليالي بالبقرة وآل عمران والنساء وأما بالنهار، فلم يُحفظ عنه شيء من ذلك، بل كان يخفف السنن.

وقال شيخنا: الصواب أنهما سواء، والقيامُ أفضلُ بذكره وهو القراءة، والسجودُ أفضلُ بهيئَته، فهيئَةُ السجود أفضلُ مِن هيئَة القيام، وذكرُ القيام أفضلُ من ذكر السجود، وهكذا كان هَدْيُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فإنه كان إذا أطال القيام، أطال الركوعَ والسجود، كما فعل في صلاة الكسوف، وفي صلاة الليل، وكان إذا خَفَفَ القيام، خَفَّفَ الركوعَ والسجود، وكذلك كان يفعلُ في الفرض، كما قاله البراء بن عازب: كان قيامُه وركوعُه وسجُودُه واعتدالُه قريباً من السواء. واللّه أعلم.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 07:13 PM   #27
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه مكبِّراً غيرَ رافعٍ يديه، ويرفع من السجود رأسه قبل يديه، ثم يجلِس مفترِشاً، يفرِشُ رجلَه اليُسرى، ويجلس عليها، وَيَنْصِبُ اليمنى. وذكر النَّسائي عن ابن عمر قال: مِن سنة الصلاة أن ينصِب القدم اليمنى، واستقبالُه بأصابعها القبلة، والجلوسُ على اليسرى ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع جلسة غير هذه.

وكان يضع يديه على فخذيه، ويجعل مِرفقه على فخذه، وطرف يده على رُكبته، ويقبض ثنتين من أصابعه، ويحلِّق حلقة، ثم يرفع أصبعه يدعو بها ويُحرِّكها، هكذا قال وائل بن حُجر عنه.

وأما حديث أبي داود عَنْ عبد اللّه بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُشير بأصبعه إذا دعا ولا يُحركها فهذه الزيادة في صحتها نظر، وقد ذكر مسلم الحديث بطوله في ((صحيحه))عنه، ولم يذكر هذه الزيادة، بل قال: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إذا قَعَدَ في الصلاة، جعل قدمَه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليُمْنى، ووضع يَدَه اليُسرى على رُكبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه.

وأيضاً فليس في حديث أبي داود عنه أن هذا كان في الصلاة.

وأيضاً لو كان في الصلاة، لكان نافياً، وحديث وائل بن حُجر مثبتاً،وهو مقدَّم، وهو حديث صحيح، ذكره أبو حاتم في ((صحيحه)).

ثم كان يقول: [بين السجدتين]: ((اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي وَارْحَمْنِي واجْبُرني وَاهْدِني، وَارْزُقْنِي)) هكذا ذكره ابن عباس رضي اللّه عنهما عنه صلى الله عليه وسلم وذكر حذيفة أنه كان يقول: ((رَبِّ اغْفِرْ لي، رَبِّ اغفِرْ لِي)).

وكان هديه صلى الله عليه وسلم إطالةَ هذا الركن بقدر السجود، وهكذا الثابتُ عنه في جميع الأحاديث، وفي ((الصحيح)) عن أنس رضي اللّه عنه: كانَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يقعُد بين السجدتين حتى نقول: قَدْ أَوْهَمَ وهذه السنةُ تركها أكثرُ الناس مِن بعد انقراض عصر الصحابة، ولهذا قال ثابت: وكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، يمكُث بين السجدتين حتى نقول: قد نسي، أوقد أوهم.

وأما من حكَّم السنة ولم يلتفت إلى ما خالفها، فإنه لا يعبأ بما خالف هذا الهديَ.


فصل

ثم كان صلى الله عليه وسلم ينهض على صدور قدميه وركبتيه معتمِداً على فخذيه كما ذكر عنه: وائل وأبو هريرة، ولا يعتمِد على الأرض بيديه وقد ذكر عنه مالك بن الحُويرث أنه كان لا ينهضُ حتى يستوي جالسا. وهذه هي التي تُسمى جلسة الاستراحة.

واختلف الفقهاء فيها هل هي من سنن الصلاة، فيستحب لكل أحد أن يفعلها، أو ليست من السنن، وإنما يفعلُها من احتاج إليها؟ على قولين هما روايتان عن أحمد رحمه اللّه. قال الخلال: رجع أحمد إلى حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة، وقال: أخبرني يُوسف بن موسى، أن أبا أُمامة سئلَ عن النهوض، فقال: على صُدور القدمين على حديث رفاعة. وفي حديث ابن عجلان ما يدلُّ على أنه كان ينهض على صدور قدميه، وقد روي عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وسائر من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم لم يذكر هذه الجلسة، وإنما ذكرت في حديث أبي حُميد، ومالك بن الحويرث. ولو كان هديُه صلى الله عليه وسلم فعلَها دائماً، لذكرها كلُّ من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم ومجردُ فعله صلى الله عليه وسلم لها لا يدلُّ على أنها من سنن الصلاة، إلا إذا علِمَ أنه فعلها على أنها سنَّة يُقتدى به فيها، وأما إذا قُدِّر أنه فعلها للحاجة، لم يدل على كونها سنة من سنن الصلاة، فهذا من تحقيق المَنَاط في هذه المسألة.

وكان إذا نهض، افتتح القراءة، ولم يسكت كما كان يسكُت عند افتتاح الصلاة، فاختلف الفقهاء: هل هذا موضع استعاذة أم لا بعد اتفاقهم على أنه ليس موضعَ استفتاح؟ وفي ذلك قولان هما روايتان عن أحمد، وقد بناهما بعض أصحابه على أن قراءة الصلاة هل هي قراءة واحدة؟ فيكفي فيها استعاذة واحدة، أو قراءةُ كلِّ ركعة مستقلة برأسها. ولا نزاع بينهم أن الاستفتاح لمجموع الصلاة، والاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر، للحديث الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين) ولم يسكت وإنما يكفي استعاذة واحدة، لأنه لم يتخلل القراءتين سكوتٌ، بل تخللهما ذكر، فهي كالقراءة الواحدة إذا تخللها حمدُ اللَّهِ، أو تسبيح، أو تهليل، أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.

وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم، يصلي الثانية كالأولى سواء، إلا في أربعة أشياء: السكوت، والاستفتاح، وتكبيرة الإِحرام، وتطويلها كالأولى، فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يستفتحُ، ولا يسكتُ، ولا يُكبر للإِحرام فيها، ويقصرها عن الأولى، فتكون الأولى أطولَ منها في كل صلاة كما تقدم.

فإذا جلس للتشهد، وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأصبعه السبابة، وكان لا ينصِبُها نصباً، ولا يُنيمها،بل يَحنيها شيئاً، ويحركها شيئاً، كما تقدم في حديث وائل بن حُجر، وكان يقبِض أصبعين وهما الخِنصر والبِنصر، ويُحلِّق حلقة وهي الوسطى مع الإِبهام ويرفع السبابة يدعو بها، ويرمي ببصره إليها، ويبسُط الكف اليسرى على الفخذ اليسرى، ويتحامل عليها.

وأما صفة جلوسه، فكما تقدم بين السجدتين سواء، يجلس على رجله اليُسرى، وينصِب اليمنى. ولم يُرو عنه في هذه الجلسة غير هذه الصفة.

وأما حديثُ عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنه الذي رواه مسلم ((صحيحه)) أنه صلى الله عليه وسلم، كان إذا قَعَد في الصلاة، جعل قَدَمَه اليُسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى فهذا في التَّشهد الأخير كما يأتي، وهو أحدُ الصفتين اللتين رُويتا عنه، ففي ((الصحيحين)) مِن حديث أبي حُميد في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم: ((فإذَا جلس في الركعتين، جَلَس على رِجله اليُسرى، ونصَب الأخرى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة، قدَّم رجله اليسرى، وَنصبَ اليمنى، وَقَعَد على مقعدته)) فذكر أبو حُميد أنه كان ينصِب اليمنى. وذكر ابن الزبير أنه كان يفرشها، ولم يقل أحد عنه صلى الله عليه وسلم: إن هذه صفة جلوسه في التشهد الأول، ولا أعلم أحداً قال به، بل مِن الناس من قال: يتورَّك في التشهدين، وهذا مذهب مالك رحمه اللّه،ومِنهم من قال: يفترش فيهما، فينصب اليمنى، ويفترش اليُسرى، ويجلس عليها، وهو قول أبي حنيفة رحمه اللّه، ومنهم من قال يتورَّك في كل تشهد يليه السلام، ويفترش في غيره، وهو قول الشافعي رحمه اللّه، ومنهم من قال يتورَّك في كلِّ صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما، فرقاً بين الجلوسين، وهو قول الإِمام أحمد رحمه اللّه. ومعنى حديث ابن الزبير رضي اللّه عنه أنه فرش قدمه اليمنى: أنه كان يجلس في هذا الجلوس على مقعدته، فتكون قدمه اليمنى مفروشةً، وقدمُه اليُسرى بين فخذه وساقه، ومقعدته على الأرض، فوقع الاختلاف في قدمه اليمنى في هذا الجلوس: هل كانت مفروشة أو منصوبة؟ وهذا - واللّه أعلم - ليس اختلافاً في الحقيقة، فإنه كان لا يجلس على قدمه، بل يخرجها عن يمينه، فتكون بين المنصوبة والمفروشة، فإنها تكون على باطنها الأيمن، فهي مفروشة بمعنى أنه ليس ناصباً لها، جالساً على عقبه، ومنصوبة بمعنى أنه ليس جالساً على باطنها وظهرها إلى الأرض، فصح قول أبي حُميد ومن معه، وقول عبد اللّه بن الزبير، أو يقال: إنه صلى الله عليه وسلم كان يَفْعَلُ هذا وهذا، فكان ينصِبُ قدمَه، وربما فرشها أحياناً، وهذا أروحُ لها. واللّه أعلم.

ثم كان صلى الله عليه وسلم يتشهد دائماً في هذه الجلسة، وَيُعَلِّم أصحابه أن يقولوا: ((التَّحِيَّاتُ للَّهِ وَالصلَواتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه)). وقد ذكر النسائي من حديث أبي الزبير عن جابر قال: كان رسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا التشهد، كما يُعلمنا السورةَ من القرآن: ((بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاللَّهِ، التَّحِيَّاتُ لِلهِ، وَالصلَواتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النبَّيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِيْنَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِله إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه، أَسْأَلُ اللَّهَ الجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّار)).

ولم تجىء التسميةُ في أول التشهد إلا في هذا الحديث، وله علة غيرُ عنعنة أبي الزبير.

وكان صلى الله عليه وسلم يخفِّف هذا التشهد جداً حتى كأنه على الرَّضْفِ -وهي الحجارة المحماة- ولم يُنقل عنه في حديث قطُّ أنه صلى عليه وعلى آله في هذا التشهد، ولا كان أيضاً يستعيذُ فيه مِن عذاب القبر وعذابِ النَّار، وفِتنة المحيا والممات، وفِتنةِ المسيح الدَّجال، ومن استحبَّ ذلك، فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات قد صح تبيينُ موضعها، وتقييدُها بالتشهد الأخير.

ثم كان ينهض مكبِّراً على صدور قدميه وعلى ركبتيه معتمداً على فخذه كما تقدم، وقد ذكر مسلم في ((صحيحه)) من حديث عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما أنه كان يرفَع يديه في هذا الموضع، وهي في بعض طرق البخاري أيضاً، على أنَّ هذه الزيادة ليست متفقاً عليها في حديث عبد اللّه بن عمر، فأكثر رواته لا يذكُرونها، وقد جاءَ ذِكرها مصرحاً به في حديث أبي حُميد الساعدي قال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة، كبَّر، ثُمَّ رفع يَدَيْهِ حتى يُحاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، وَيُقِيمُ كُلَّ عُضوٍ في موضعه، ثم يَقْرَأ، ثم يرفع يديه حتى يُحاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، ثم يركعُ ويضَعُ راحتيه على رُكبتيه معتدِلاً لا يُصوِّبُ رأسه ولا يُقْنعُ به، ثُمَّ يقولُ: سَمعَ اللَّهُ لِمنْ حَمِدَهُ، وَيَرفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بهما مَنْكِبَيْهِ، حتَّى يَقَرَّ كُلُّ عَظمٍ إلى مَوْضِعِه، ثم يَهْوي إلى الأرْض، وَيُجَافي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبيْهِ ثم يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَيَثْنِي رِجْلَه، فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا، ويَفتَحُ أَصَابع رِجْلَيْهِ إذا سَجَد، ثم يُكَبِّرُ، وَيَجْلِسُ عَلَى رِجْلِهِ اليُسرى حتى. يَريِحَ كُلُّ عظمٍ إلى مَوضِعِه، ثُمَّ يقُومُ فيصنَعُ في الأخرى مِثْلَ ذَلِكَ، ثم إذَا قَامَ مِنَ الرَّكَعَتيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كما يَصْنَعُ عِنْدَ افتتاحِ الصلاة، ثم يُصَلِّي بَقيةَ صَلاَتِه هَكَذَا، حتى إذا كَانَتِ السَّجْدَةُ التي فيها التسليمُ، أخرج رِجليه، وَجَلَسَ عَلَى شِقِّه الأيْسَرِ مُتَورِّكاً. هذا سياق أبي حاتم في ((صحيحه)) وهو في ((صحيح مسلم)) أيضاً، وقد ذكره الترمذي مصححاً له من حديث علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كانَ يرفع يديه في هذه المواطن أيضاً.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 07:16 PM   #28
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



ثم كان يقرأ الفاتحة وحدها، ولم يثبت عنه أنه قرأ في الركعتين الأخريين بعد الفاتحة شيئاً، وقد ذهب الشافعي في أحد قوليه وغيره إلى استحباب القراءة بما زاد على الفاتحة في الأخريين، واحتج لهذا القولِ بحديث أبي سعيد الذي في ((الصحيح)): حزرْنَا قيامَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الظهر في الركعتين الأوليين قَدْر قِراءة (ألم تنزيلَ السَّجدة)، وحزرنا قيامَه في الركعتين الأخريين قَدْرَ النصف مِن ذلك، وحزرنا قيامَه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الركعتين الأُخْرَيَيْنِ من الظهر، وفي الأُخريين من العصر على النصف من ذلك.

وحديث أبي قتادة المتفق عليه ظاهرٌ في الاقتصار على فاتحة الكتاب في الركعتين الأُخريين.

قال أبو قتادة رضي اللّه عنه: وكانَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يُصلي بنا، فيقرأ في الظُّهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسُورتين، ويُسمعنا الآية أحياناً. زاد مسلم: ويقرأُ في الأُخريين بفاتحة الكتاب، والحديثان غير صريحين في محل النزاع. وأما حديث أبي سعيد، فإنما هو حَزر منهم وتخمين، ليس إخباراً عن تفسير نفسِ فعله صلى الله عليه وسلم. وأما حديث أبي قتادة، فيمكن أن يُراد به أنه كان يقتصر على الفاتحة، وأن يُراد به أنه لم يكن يُخِلُّ بها في الركعتين الأُخريين، بل كان يقرؤها فيهما، كما كان يقرؤها في الأوليين، فكان يقرأ الفاتحة في كل ركعة، وإن كان حديث أبي قتادة في الاقتصار أظهر، فإنه في معرض التقسيم، فإذا قال: كان يقرأ في الأوليين بالفاتحة والسورة، وفي الأُخريين بالفاتحة، كان كالتصريح في اختصاص كل قسم بما ذكر فيه، وعلى هذا، فيمكن أن يُقال: إن هذا أكثر فعله، وربما قرأ في الركعتين الأُخريين بشيء فوق الفاتحة، كما دل عليه حديثُ أبي سعيد، وهذا كما أن هديَه صلى الله عليه وسلم كان تطويلَ القراءة في الفجر، وكان يخففها أحياناً، وتخفيف القراءة في المغرب، وكان يُطيلها أحياناً، وترك القنوت في الفجر، وكان يقنت فيها أحياناً، والإِسرار في الظهر والعصر بالقراءة، وكان يُسمع الصحابة الآية فيها أحياناً،وترك الجهر بالبسملة، وكان يجهر بها أحياناً.

والمقصود أنه كان يفعل في الصلاة شيئاً أحياناً لِعارض لم يكن من فعله الراتب، ومن هذا لما بعث صلى الله عليه وسلم فارساً طليعة، ثم قام إلى الصلاة، وجعل يلتفِتُ في الصلاة إلى الشِّعْب الذي يجيء منه الطليعة، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الالتفاتُ في الصلاة، وفي ((صحيح البخاريَ)) عن عائشة رضي اللّه عنها قالت سألتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الالتفاتِ في الصلاة؟ فقال: ((هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صلاَةِ الْعَبْدِ)).

وفي الترمذي من حديث سعيد بن المسيب عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ((يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالالْتِفَاتَ في الصَّلاَة، فَإِنَّ الالتفاتَ في الصَّلاةِ هَلَكَةٌ، فإن كان وَلا بُدَّ ففي التطوُّعِ، لا في الفرض)) ولكن للحديث علتان:

إحداهما: إن رواية سعيد عن أنس لا تعرف.

الثانية: إن في طريقه علي بن زيد بن جدعان، وقد ذكر البزار في مسنده من حديث يُوسف بن عبد اللّه بن سلام عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صَلاة لِلملتفت)). فأما حديث ابن عباس: ((إن رسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم كان يلحظ في الصلاة يميناً وشمالاً، ولا يلوي عنقه خلف ظهره)) فهذا حديث لا يثبُت قال الترمذي فيه: حديث غريب. ولم يزد.

وقال الخلال: أخبرني الميموني أن أبا عبد اللّه قيل له: إن بعض الناس أسند أن النبي صلى الله عليه وسلم. كان يلاحظ في الصلاة. فأنكر ذلك إنكاراً شديداً، حتى تغير وجهُه، وتغير لونُه، وتحرك بدنُه، ورأيتُه في حال ما رأيتُه في حالٍ قطُّ أسوأ منها، وقال. النبي صلى الله عليه وسلم. كان يُلاحظ في الصلاة؟! يعني أنه أنكر ذلك، وأحسبه قال: ليس له إسناد، وقال: من روى هذا؟! إنما هذا من سعيد بن المسيب، ثم قال لي بعض أصحابنا: إن أبا عبد اللّه وَهَّنَ حديثَ سعيد هذا، وضعف إسناده، وقال: إنما هو عن رجل عن سعيد، وقال عبد اللّه بن أحمد: حدثت أبي بحديث حسان بن إبراهيم عن عبد الملك الكوفي قال: سمعت العلاء قال: سمعت مكحولاً يحدِّث عن أبي أمامة وواثلة: كان النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قام إلى الصلاة لم يلتفت يميناً ولا شمالاً، ورَمَى ببصره في موضع سجوده، فأنكره جداً، وقال: اضِرب عليه. فأحمد رحمه اللّه أنكر هذا وهذا، وكان إنكارُه للأول أشد، لأنه باطل سنداً ومتناً.

والثاني: إنما أنكر سنده، وإلا فمتنه غير منكر، واللّه أعلم.

ولو ثبت الأول، لكان حكاية فعل فَعَلَهُ، لعله كان لمصلحة تتعلق بالصلاة ككلامه عليه السلام هو وأبو بكر وعمر، وذو اليدين في الصلاة لمصلحتها، أو لمصلحة المسلمين، كالحديث الذي رواه أبو داود عن أبي كبشة السَّلُولي عن سَهْلِ بن الحنظلية قال: ثُوبَ بالصلاة يعني صلاةَ الصبح، فجعل رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم، يصلي وهو يلتفِتُ إلى الشِّعبِ. قال أبو داود: يعني وكان أرسل فارساً إلى الشِّعب من الليل يَحْرُسُ فهذا الالتفات من الاشتغال بالجهاد في الصلاة وهو يدخل في مداخل العبادات، كصلاة الخوف، وقريبٌ منه قولُ عمر: إني لأجهِّز جيشي وأنا في الصلاة. فهذا جمع بين الجهاد والصلاة. ونظيره التفكر في معاني القرآن، واستخراجُ كنوز العلم منه في الصلاة، فهذا جمعٌ بين الصلاة والعلم، فهذا لون، والتفاتُ الغافلين الَّلاهين وأفكارهم لون آَخر، وباللّه التوفيق.

فهديه الراتب صلى الله عليه وسلم إطالةُ الركعتين الأوليين من الرُّباعية على الأُخريين، وإطالة الأولى من الأوليين على الثانية، ولهذا قال سعد لعمر: أما أنا فأطيلُ في الأوليين، وأحذف في الأُخريين، ولا آلُو أن أقتديَ بصلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.

وكذلك كان هديُه صلى الله عليه وسلم. إطالَة صلاة الفجر على سائر الصلوات، كما تقدم. قالت عائشة رضي اللّه عنها: فرض اللَّهُ الصلاة ركعتين ركعتين، فلما هاجر رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،زِيد في صلاة الحضر، إلا الفجر، فإنها أُقِرَّت على حالها من أجل طول القراءة، والمغرب، لأنها وتر النهار. رواه أبو حاتم بن حبان في ((صحيحه)) وأصله في ((صحيح البخاري))، وهذا كان هديَه صلى الله عليه وسلم في سائر صلاته إطالةُ أولها على آخرها، كما فعل في الكسوف، وفي قيام الليل لما صلَّى ركعتين طويلتين، ثم ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، حتى أتم صلاته. ولا يُناقض هذا افتتاحَه صلى الله عليه وسلم صلاة الليل بركعتين خفيفتين، وأمره بذلك، لأن هاتين الركعتين مفتاحُ قيام الليل، فهما بمنزلة سنة الفجر وغيرها.

وكذلك الركعتان اللتان كان يُصليهما أحياناً بعد وتره، تارة جالِساً، وتارة قائماً، مع قوله: ((اجْعَلُوا آخرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً)) فإن هاتين الركعتين لا تُنافيان هذا الأمر، كما أن المغرب وترُ للنهار، وصلاةُ السنة شفعاً بعدها لا يُخرجها عن كونها وتراً للنهار، وكذلك الوترُ لمَا كان عبادة مستقلة، وهو وتر الليل، كانت الركعتان بعده جاريتين مجرى سنة المغرب، من المغرب، ولما كان المغرب فرضاً، كانت محافظته عليه السلام على سنتها أكثر من محافظته على سنة الوتر، وهذا على أصل من يقول بوجوب الوتر ظاهرٌ جداً، وسيأتي مزيد كلام في هاتين الركعتين إن شاء اللّه تعالى، وهي مسألة شريفة لعلك لا تراها في مصنف، وباللّه التوفيق.


فصل

وكان صلى الله عليه وسلم إذا جلس في التشهد الأخيرِ، جلس متورِّكاً، وكان يُفضي بوركه إلى الأرض، ويُخرج قدمه من ناحية واحدة.

فهذا أحد الوجوه الثلاثة التي رُويت عنه صلى الله عليه وسلم في التورُّكِ. ذكره أبو داود في حديث أبي حُميد الساعدي من طريق عبد اللّه بن لهيعة وقد ذكر أبو حاتم في ((صحيحه)) هذه الصفة من حديث أبي حميد الساعدي من غير طريق ابن لهيعة، وقد تقدم حديثه.

الوجه الثاني: ذكره البخاري في ((صحيحه)) من حديث أبي حميد أيضاً قال: وإذا جلس في الرَّكعة الآخرة، قَدَّم رجله اليُسرى ونصب اليمنى، وقعد على مقعدته فهذا هو الموافق الأول في الجلوس على الوَرِك، وفيه زيادة وصف في هيئة القَدَمَين لم تتعرض الرواية الأولى لها.

الوجه الثالث: ما ذكره مسلم في ((صحيحه)) من حديث عبد اللّه بن الزبير: أنه صلى الله عليه وسلم كان يجعل قدمه اليُسرى بين فخذه وساقه، ويفرشُ قدمه اليمنى، وهذه هي الصفة التي اختارها أبو القاسم الخِرَقِي في ((مختصره)) وهذا مخالف للصفتين الأوليين في إخراج اليسرى من جانبه الأيمن، وفي نصب اليُمنى، ولعله كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة، وهذا أظهر.

ويحتمِل أن يكون من اختلاف الرواة، ولم يُذكر عنه عليه السلام هذا التوركُ إلا في التشهد الذي يليه السلام. قال الإِمام أحمد ومن وافقه: هذا مخصوصٌ بالصلاة التي فيها تشهدان، وهذا التورك فيها جُعِل فرقاً بين الجلوس في التشهد الأول الذي يُسن تخفيفه، فيكون الجالس فيه متهيئاً للقيام، وبين الجلوس في التشهد الثاني الذي يكون الجالس فيه مُطمئناً.

وأيضاً فتكونُ هيئة الجلوسين فارقة بين التشهدين،مذكرة للمصلي حاله. فيهما.

وأيضاً فإن أبا حُميد إنما ذكر هذه الصفة عنه في الجلسة التي في التشهد الثاني، فإنه ذكر صفة جلوسه في التشهد الأول، وأنه كان يجلس مفترشاً، ثم قال: ((وإذا جلس في الركعة الآخرة)) وفي لفظ: ((فإذا جلس في الركعة الرابعة)).

وأما قوله في بعض ألفاظه: حتى إذا كانت الجلسة التي فيها التسليمُ، أخرج رجله اليُسرى، وجلس على شقه متورِّكاً، فهذا قد يحتج به من يرى التورك يُشرع في كل تشهد يليه السلام، فيتورك في الثانية، وهو قول الشافعي رحمه الله، وليس بصريح في الدِّلالة، بل سياقُ الحديث يدل على أن ذلك إنما كان في التشهد،الذي يليه السلام من الرباعية والثلاثية، فإنه ذكر صفة جلوسه في التشهد الأول وقيامه منه، ثم قال: ((حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليمُ، جلس متورِّكاً)) فهذا السياق ظاهر في اختصاص هذا الجلوس بالتشهد الثاني.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 07:20 PM   #29
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

وكان صلى الله عليه وسلم إذا جَلَس في التشهُد، وضع يدَه اليمنى على فخذِه اليمنى، وضمَ أصابعه الثلاث، ونصَب السبابة. وفي لفظ: وقبض أصابعه الثلاث، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى. ذكره مسلم عن ابن عمر.

وقال وائِل بن حُجر: ((جعل حَدَّ مِرْفَقِه الأيمن على فَخذِه اليمنى، ثم قبض ثنتين من أصابعه، وحلَّق حلقة، ثم رفع أصبعه فرأيته يُحركها يدعُو بها)) وهو في ((السنن)).

وفي حديث ابن عمر في ((صحيح مسلم)) ((عَقَدَ ثَلاثَةَ وَخَمسِينَ)).

وهذه الرواياتُ كلُّها واحدة، فإن من قال: قبض أصابعه الثلاث، أراد به: أن الوسطى كانت مضمومة لم تكن منشورة كالسبابة، ومن قال: قبض ثنتين من أصابعه، أراد: أن الوسطى لم تكن مقبوضة مع البنصر، بل الخنصر والبنصر متساويتان في القبض دون الوسطى، وقد صرَّح بذلك من قال: وعقد ثلاثة وخمسين، فإن الوسطى في هذا العقد تكونُ مضمومة، ولا تكون مقبوضة مع البنصر.

وقد استشكل كثير من الفضلاء هذا، إذ عقدُ ثلاث وخمسين لا يُلائِم واحدة من الصفتين المذكورتين، فإن الخنصر لا بد أن تركب البنصر في هذا العقد.

وقد أجاب عن هذا بعضُ الفضلاء، بأن الثلاثة لها صفتان في هذا العقد: قديمة، وهي التي ذكرت في حديث ابن عمر: تكون فيها الأصابع الثلاث مضمومة مع تحليق الإِبهام مع الوسطى، وحديثة، وهي المعروفة اليوم بين أهل الحساب، واللّه أعلم.

وكان يبسُط ذراعه على فخذه ولا يجافيها، فيكون حد مرفقه عند آخر فخذه، وأما اليُسرى، فممدودة الأصابع على الفخذ اليُسرى.

وكان يستقبل بأصابعه القبلة في رفع يديه، في ركوعه، وفي سجوده، وفي تشهده، ويستقبل أيضاً بأصابع رجليه القبلة في سجوده. وكان يقول في كل ركعتين: التحيات.

وأما المواضع التي كان يدعو فيها في الصلاة، فسبعة مواطن.

أحدُها: بعد تكبيرة الإِحرام في محل الاستفتاح.

الثاني: قبل الركوع وبعد الفراغ من القراءة في الوتر والقنوت العارض في الصبح قبل الركوع إن صح ذلك، فإن فيه نظراً.

الثالث: بعد الاعتدال من الركوع، كما ثبت ذلك في ((صحيح مسلم)) من حديث عبد اللّه بن أبي أوفى: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: ((سَمعَ اللَّه لمِنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ، اللَّهُمَّ طَهِّرنِي بِالثَّلجِ وَالبَرَدِ، وَالمَاءِ البَارِدِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الْوَسَخِ)).

الرَّابع: في ركوعه كان يقول: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي)).

الخامس: في سجوده، وكان فيه غالب دعائه.

السادس: بين السجدتين.

السابع: بعد التشهد وقبل السلام، وبذلك أمر في حديث أبي هريرة، وحديث فَضَالة بن عبيد وأمر أيضاً بالدعاء في السجود.

وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين، فلم يكن ذلك مِن هديه صلى الله عليه وسلم أصلاً، ولا روي عنه بإسناد صحيح، ولا حسن.

وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر، فلم يفعل ذلك هو ولا أحدٌ من خلفائه، ولا أرشد إليه أُمّته، وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضاً من السنَّة بعدهما، واللّه أعلم. وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلَها فيها، وأمر بها فيها، وهذا هو اللائق بحال المصلي، فإنه مقبل على ربه، يناجيه ما دام في الصلاة، فإذا سلَّم منها، انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه، والإِقبال عليه، ثم يسأله إذا انصرف عنه؟! ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلي، إلا أن ها هنا نكتة لطيفة، وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته، وذكر اللّه وهلَّله وسبَّحه وَحَمِدَه وكبَّره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة، استحب له أن يُصلي على النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ويدعو بما شاء، ويكون دعاؤه عقيبَ هذه العبادة الثانية، لا لكونه دبر الصلاة، فإن كل من ذكر اللّه، وَحَمِدَه، وأثنى عليه، وصلى على، رسول اللّه صلى الله عليه وسلم استحب له الدعاءُ عقيبَ ذلك، كما في حديث فَضالة بن عبيد ((إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبدأْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيصلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لِيَدْعُ بِمَا شَاءَ)) قال الترمذي: حديث صحيح.


فصل

ثم كان صلى الله عليه وسلم يُسلم عن يمينه: السلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللّه، وَعَنْ يساره كذلك. هذا كَانَ فِعله الراتب رواه عنه خمسةَ عشر صحابياً، وهم: عبد اللّه بن مسعود، وسعدُ بن أبي وقاص، وسهلُ بن سعد الساعدي، ووائل بن حُجر، وأبو موسى الأشعري، وحُذيفة بن اليمان، وعمَّار بن ياسر، وعبد اللّه بن عمر، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، وأبو مالك الأشعري، وطلق بن علي، وأوس بن أوس،وأبو رمثة، وعدي بن عميرة،رضي اللّه عنهم.

وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسلِّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه ولكن لم يثبت عنه ذلك مِن وجه صحيح، وأجودُ ما فيه حديثُ عائشة رضي اللّه عنها أنه صلى الله عليه وسلم: كان يُسلم تسليمةً واحدة: السلامُ عليكم يرفع بها صوته حتى يُوقِظَنا، هو حديث معلول، وهو في السنن، لكنه كان في قيام الليل والذين رَوَوا عنه التسليمتين رَوَوْا ما شاهدوه في الفرض والنفل،على أن حديثَ عائشة ليس صريحاً في الاقتصار على التسليمة الواحدة، بل أخبرت أنه كان يسلم تسليمة واحدة يُوقظهم بها، ولم تنف الأخرى، بل سكتت عنها، وليس سكوتُها عنها مقدماً على رواية من حفظها وضبطها، وهم أكثر عدداً، وأحاديثهم أصحُّ، وكثير من أحاديثهم صحيح، والباقي حسان.

قال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسلم تسليمة واحدة مِن حديث سعد بن أبي وقاص، ومن حديث عائشة، ومن حديث أنس، إلا أنها معلولة، ولا يصححها أهلُ العلم بالحديث، ثم ذكر علة حديث سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسلم في الصلاة تسليمة واحدة. قال: وهذا وهم وغلط، وإنما الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسلم عن يمينه وعنْ يساره،ثم ساق الحديثَ مِن طريق ابن المبارك، عن مصعب بن ثابت، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: رأيتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يُسلم عن يمينه وعن شِماله حتى كأَنِّي أنظر إلى صفحة خده، فقال الزهريُّ: ما سمِعنا هذا من حديثِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال له إسماعيل بن محمد: أكُلَّ حديثِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قد سمعتَه؟ قال: لا، قال: فنِصفَه؟ قال: لا، قال: فاجْعَلَ هذا مِن النصف الذي لم تَسْمَعْ. قال: وأما حديثُ عائشة رضي اللّه عنها: عن النبي صلى الله عليه وسلم،: كانِّ يسلم تسليمةً واحدة، فلم يرفعه أحد إلا زهير بن محمد وحده عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، رواه عنه عمرو بن أبي سلمة وغيره، وزهير بن محمد عند الجميع، كثير الخطأ لا يحتج به، وذكر ليحيى بن معين هذا الحديث، فقال: حديث عمرو بن أبي سلمة وزهير ضعيفان، لا حجة فيهما قال: وأما حديث أنس، فلم يأت إلا من طريق أيوب السختياني عن أنس، ولم يسمع أيوب من أنس عندهم شيئاً، قال: وقد روي مرسلاً عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي اللّه عنهما كانوا يُسلمون تسلمية واحدة، وليس مع القائلين بالتسليمة غير عمل أهل المدينة، قالوا: وهو عمل قد توارثوه كابراً عن كابر، ومثله يصح الاحتجاجُ به، لأنه لا يخفى لوقوعه في كل يوم مراراً، وهذه طريقةٌ قد خالفهم فيها سائرُ الفقهاءِ، والصوابُ معهم، والسننُ الثابتة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا تُدفع ولا تُرد بعمل أهل بلد كائناً من كان، وقد أحدث الأُمراءُ بالمدينة وغيرِها في الصلاة أموراً استمر عليها العملُ، ولم يُلْتَفَتْ إلى استمراره وعملُ أهل المدينة الذي يحتج به مَا كان في زمن الخلفاء الراشدين، وأما عملُهم بعد موتهم، وبعد انقراض عصر مَنْ كان بها في الصحابة، فلا فرق بينهم وبين عمل غيرهم، والسنة تحكُم بين الناسِ، لا عملُ أحد بعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وخلفائه، وباللّه التوفيق.


فصل

وكان صلى الله عليه وسلم يدعو في صلاته فيقول: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْةَ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ)).

وكان يقول في صلاتِه أيضاً: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي)).

وكان يقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمرِ، وَالعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْباً سَلِيماً، وَلِسَاناً صَادِقاً، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ)).

وكان يقول في سجوده ((رَبِّ أعْطِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا)).وقد تقدم ذِكر بعض ما كان يقول في ركوعه وسجوده وجلوسه واعتداله في الركوع.


فصل

والمحفوظ في أدعيته صلى الله عليه وسلم في الصلاة كلِّها بلفظ الإِفراد، كقوله: ((رَبِّ اغْفِر لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي))، وسائر الأدعية المحفوظة عنه، ومنها قولُه في دعاء الاستفتاح: ((اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالماءِ وَالبَرَدِ، اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ)) الحديث.

وروى الإِمام أحمد رحمه اللّه وأهل ((السنن)) من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لاَ يَؤُمُّ عَبْدٌ قَوْماً فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دونهم، فَإِنْ فَعَل، فَقَدْ خَانَهُم)) قال ابن خزيمة في ((صحيحه)): وقد ذكر حديث ((اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبين. خَطَايَايَ)) ... الحديث قال: في هذا دليلٌ على رد الحديث الموضوع ((لاَ يؤم عَبْدٌ قَوْماً فَيَخصُّ نَفْسَه بِدَعْوَةٍ دُونَهُم، فَإنْ فَعَلَ فَقَد خَانَهُمْ)) وسمعتُ شيخ الإِسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديثُ عندي في الدعاء الذي يدعو به الإِمامُ وللمأمومين، ويشترِكون فيه كدعاء القنوت ونحوه واللّه أعلم.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
قديم 12-11-2003, 07:24 PM   #30
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

وكان صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة، طأطأ رأسَه، ذكره الإِمام أحمد رحمه الله وكان في التشهد لا يُجاوز بَصَرُهُ إشارتَه، وقد تقدم. وكان قد جعل اللّه تعالى عينه ونعيمَه وسرورَه وروحَه في الصلاة. وكان يقول: ((يا بِلاَلُ أرحناِْ بِالصلاَةِ)). وكان يقول: ((وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ)). ومع هذا لم يكن يشغَلُه ما هو فيه من ذلك عن مراعاة أحوال المأمومين وغيرهم مع كمال إقباله. وقربه من اللّه تعالى وحضورِ قلبه بين يديه واجتماعِه عليه.

وكان يدخل في الصلاة وهو يُريد إطالتها، فيسمع بكاءَ الصبي، فيخففها مخافةَ أن يَشُقَّ على أمِّه، وأرسل مرة فارساً طَليعةً له، فقام يصلي، وجعل يلتفِت إلى الشِّعب الذي يجيء منه الفارس، ولم يشْغَلْه ما هو فيه عن مراعاة حال فارسه.

وكذلك كان يُصلي الفرض وهو حاملٌ أمامة بنت أبي العاص بن الربيع ابنةَ بنته زينب على عاتقه، إذا قام، حملها، وإذا ركع وسجد، وضعها.

وكان يصلي فيجيء الحسنُ أو الحسين فيركبُ ظهره فيُطيل السجدة، كَراهية أن يُلقيَه عن ظهره.وكان يُصلي، فتجيء عائشةُ مِن حاجتها والبابُ مُغلَق، فيمشي، فيفتح لها البابَ، ثمَّ يرجِعُ إلى الصلاة.

وكان يَرُدُ السلام بالإِشارة على من يُسلم عليه وهو في الصلاة وقال جابر: بعثني رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم لحاجة، ثم أدركتُهُ وهو يصلي، فسلمتُ عليه، فأشار إليَّ. ذكره مسلم في ((صحيحه)). وقال أنس رضي اللّه عنه: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُشير في الصلاة، ذكره الإِمام أحمد رحمه اللّه.

وقال صُهيب: مررتُ برسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو يُصلي، فسلمتُ عليه، فرد إشارة، قال الراوي: لا أعلمه، قال: إلا إشارة بأصبعه، وهو في ((السنن)) و((المسند)).

وقال عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما: خرج رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إلى قُباء يُصلي فيه، قال: فجاءته الأنصارُ، فسلَّموا عليه وهو في الصلاة، فقلتُ لبلال: كيف رأيتَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يردُّ عليهم حين كانوا يُسلِّمون عليه وهو يصلِّي؟ قال: يقول: هكذا، وبسط جعفر بن عون كفه، وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق))، وهو في ((السنن)) و ((المسند)) وصححه الترمذي،ولفظه: كان يشير بيده.

وقال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: لما قَدِمتُ من الحبشة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلَّمت عليه، فأومأ برأسه، ذكره البيهقي.

وأما حديث أبي غطفان عن أبي هُرَيْرَة رضي اللّه عنه قال: قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَشَارَ فِي صَلاَتِهِ إِشَارَةً تُفْهَمُ عَنهُ، فَلْيُعِدْ صَلاته)) فحديث باطل، ذكره الدارقطني وقال: قال لنا ابن أبي داود: أبو غطفان هذا رجل مجهول، والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُشير في صلاته رواه أنس وجابر وغيرهما.

وكان صلى الله عليه وسلم يُصلي وعائشة معترِضَةً بينَه وبين القبلة، فإذا سجد، غَمَزَهَا بيده، فقبضت رجليها، وإذا قام بسطتهما.

وكان يُصلي، فجاءه الشيطانُ ليقطع عليه صلاتَه، فأخذه، فخنقه حتى سَالَ لُعابُه عَلَى يَدِه.

وكان يُصلي على المنبر ويركع عليه، فإذا جاءت السجدة، نزل القَهْقَرى، فَسَجَدَ على الأرض ثم صَعِدَ عليه.

وكان يُصلي إلى جِدار، فجاءت بَهْمَةٌ تمرُّ من بين يديه، فما زال يُدارئها،حتى لَصقَ بطنُه بالجدار، ومرت من ورائه.

يدارئها: يفاعلها من المدارأة وهي المدافعة.

وكان يُصلي، فجاءته جاريتانِ من بني عبد المطلب قد اقتتلتا، فأخذهما بيديه، فَنَزَعَ إحداهما من الأخرى وهو في الصلاة ولفظ أحمد فيه: فأخذتا بركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، فنزع بينهما، أو فرَّق بينهما، ولم يَنْصَرِفْ.

وكان يُصلي، فمرَّ بين يديه غلام، فقال بيده هكذا، فرجع، ومرت بين يديه جاريةٌ فقال بيده هكذا، فمضت، فلما صلَّى رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: ((هُنَّ أَغْلَبُ)) ذكره الإِمام أحمد، وهو في ((السنن)).

وكان ينفُخ في صلاته، ذكره الإِمام أحمد، وهو في ((السنن)).

وأمّا حديث: ((النَّفْخُ فِي الصَّلاَةِ كَلاَمٌ)) فلا أصل له عن رسول صلى الله عليه وسلم، وإنما رواه سعيد في ((سننه)) عن ابن عباس رضي اللّه عنهما من قوله إن صح

وكان يبكي في صلاته، وكان يَتَنَحْنَحُ في صلاته قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: كان لي من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ساعةٌ آتيه فيها، فإذا أتيتُه استأذنتُ،فإن وجدتُه يُصلي فتنحنح، دخلتُ، وإن وجدته فارغاً، أذن لي، ذكره النسائي. وأحمد، ولفظ أحمد: كان لي مِن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مَدخلانِ بالليل والنهار، وكنت إذا دخلتُ عليه وهو يصلي، تنحنح. رواه أحمد، وعمل به، فكان يتنحنحُ في صلاته ولا يرى النحنحة مبطلة للصلاة.

وكان يُصلي حافياً تارةً، ومنتعلاً أخرى، كذلك قال عبد اللّه بن عمرو عنه: وَأَمَرَ بالصلاة بالنعل مُخالفة لليهود.

وكان يُصلي في الثوب الواحد تارة، وفي الثوبين تارة، وهو أكثر.

وقنت في الفجر بعد الركوع شهراً، ثم ترك القنوت ولم يكن مِن هديه القنوتُ فيها دائماً، ومِنْ المحال أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان في كل غداة بعد اعتداله من الركوع يقول: ((اللَّهُمَ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ وَلَّيْتَ ... )) الخ ويرفعُ بذلك صوته، ويؤمِّن عليه أصحابُه دائماً إلى أن فارق الدنيا، ثم لا يكون ذلك معلوماً عند الأمة، بل يُضيعه أكثرُ أمته، وجمهورُ أصحابه، بل كلُهم، حتى يقولَ من يقول منهم: إنه مُحْدَثٌ، كما قال سعد بن طارق الأشجعي: قلتُ لأبي: يا أبتِ إنَّك قد صليتَ خلفَ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان،وعلي، رضي اللّه عنهم ها هنا، وبالكُوفة منذ خمس سنين، فكانوا يقنتون في الفجر.؟ فقال: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ رواه أهل السنن وأحمد وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وذكر الدارقطني عن سعيد بن جبير قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: إن القنوتَ في صلاة الفجر بِدعة، وذكر البيهقي عن أبي مِجلز قال: صليتُ مع ابن عمر صلاة الصبح، فلم يقنُت، فقلت له لا أراك تقنُت، فقال: لا أحفظُه عن أحد من أصحابنا.

ومن المعلوم بالضرورة أن رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم لو كان يقنت كلَّ غداة، ويدعو بهذا الدعاء، ويؤمِّن الصحابة، لكان نقلُ الأمة لذلك كُلِّهم كنقلهم لجهره بالقراءة فيها وعددها ووقتها، وإن جاز عليهم تضييعُ أمر القنوت منها، جاز عليهم تضييعُ ذلك، ولا فرق، وبهذا الطريق علمنا أنه لم يكن هديُه الجهرَ بالبسملة كلَّ يوم وليلةٍ خَمسَ مرات دائماً مستمراً ثم يُضَيِّعُ أكثر الأمة ذلك، ويخفى عليها، وهذا مِن أمحلِ المحال بل لو كان ذلك واقعاً، لكان نقلُه كنقل عدد الصلوات، وعدد الركعات، والجهر والإِخفات، وعدد السجدات، ومواضع الأركان وترتيبها، واللّه الموفق.

والإِنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف، أنه صلى الله عليه وسلم جهر، وأسر، وقنت، وترك، وكان إسرارُه أكثَر من جهره، وتركه القنوتَ أكثر من فعله، فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين،ثم تركه لما قَدِمَ من دعا لهم، وتخلَّصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم وجاءوا تائبين، فكان قنوتُه لعارض، فلما زال تَرَك القنوت، ولم يختصَّ بالفجر، بل كان يقنُت في صلاة الفجر والمغرب، ذكره البخاري في ((صحيحه)) عن أنس وقد ذكره مسلم عن البراء وذكر الإِمام أحمد عن ابن عباس قال: قنت رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصُّبح في دُبُرِ كل صلاة إذا قال: سَمعَ اللَّهُ لِمنْ حَمِدَه من الركعة الأخيرة، يدعو على حيٍّ من بني سليم على رِعل وذَكوان وعُصية، ويؤمِّن من خلفه، ورواه أبو داود.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
::: حق الله على العباد ::: لشيخنا الدكتور محمد سعيد رسلان حفظه الله تعالى Aboabdalah الصوتيات والمرئيات الإسلامية وأناشيد الأطفال 2 09-16-2009 01:15 AM


الساعة الآن 11:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.0 PL2 (Unregistered) TranZ By Almuhajir