سوء التخطيط والتوجيه يدمر الحياة الأسرية

من واقع الحياة

سوء التخطيط والتوجيه يدمر الحياة الأسرية



بسبب الظروف الاقتصادية التي قهرت عضد الرجل، وجعلته مرهقاً تحت كاهل المسؤولية· بعد أن طرأ تعديل على بنيان عائلته التي يعول· وبعد أن أطل على الحياة مولوده الجديد، وهو ولي العهد بعد فتاة لم تبلغ الربيع الرابع من العمر·· وقد دخلت المدرسة في سنتها الأولى· وبعد أن تقدّمت السن بوالدين يعيش وزوجته وولديه معهما في مسكن واحد·

وهذه الظروف الاقتصادية القاهرة التي ناءت بكلكها على كتفيه·· جعلت الزوجة تدرك فجأة أن حقوقها الزوجية مهدورة·· فهي اعتبرت انها لا تنال ما هو لها بشكل كامل وصحيح·· وادركت فجأة أنها زوجة ولها حقوق هي المسكن الشرعي·· وان ينفق عليهاوعلى ولديها فقط لا غير···

خطفت الزوجة التي استفاقت من سُباتها للتو رجلها إلى بيت أمها··· وهناك التقت اخوتها الأشاوس، فقصت على مسامعهم حكاية الأحزان··· وأضفت على القصة سواد الليل البهيم· وبدأت عين السُّخط تبدي المساوئ· فأثارت حميتهم بانها المظلومة الكبرى في هذا الكون، وان جزّاراً يسمى زوجها· هضم حقوقها، ويتربّص بها الدوائر·

وراح الأشقاء الغيورون على مصلحة أختهم· يقلبون صفحات الدفاتر العتيقة· ليستشيروا أهل الخبرة والاختصاص· والذين أشاروا عليهم بدورهم· ان للزوجة حقاً في المسكن الشرعي المستقل·· ولها الحق بالنفقة· وعادوا إليها وحرّضوها كي تنتزع من زوجها حقها المسلوب···

صخب وصراع

وفي المسكن الزوجي·· الذي كان هادئاً بالأمس القريب· ترفرف في حناياه أطياف الفرح بالمولود الذي أتى منذ بضعة شهور، فإذا بالهدوء يتحول إلى صخب·· والفرح إلى صراخ، ففقدت لغة الحوار وحلت مكانها لغة أخرى· اتهامات متبادلة، وكلمة من هنا وجملة من هناك، والنتيجة تسفر عن ترك الزوجة للمنزل في لحظة غضب اثر تلفظ الزوج بعبارات الطلاق· فقد وقع ما لم يكن في الحسبان وبدأت كرة الثلج تكبر···

كلُّ واحد منهما في بيت اهله· ومن كان عند أهله فعلى رسله·· وعلى مهله··· وأفصحت شهرزاد عن الكلام الغير مباح·· فأعلنت الأسرار··· ودقت طبول المعركة··· فالزوج هو الرجل وكرامته - على حدّ زعمه - لا تسمح له بأن (يتنازل) ويذهب إلى بيت عمّه ليصالح زوجته ويعيدها مع طفله الرضيع إلى البيت··· والزوجة تملّكها الغيظ فلن تعود إليه رخيصة (ليذلّها ويهينها) وتكون (خادمة) له ولأهله وكرامتها ايضاً لا تسمح لها بذلك، وأهلها يشدون عضدها، مهددين ومتوعدين غير آبهين بدموعها المتحجرة حزناً على فراق ابنتها، كيف ستأكل·· كيف ستلبس ثيابها··· ومن يصحيها عند الصباح ويحضر لها الفطور· وسندويشات المدرسة التي ستذهب إليها··

بداية التفكك

خيّمت ظلال الحزن على الأسرة·· وخطت خطوتها الأولى نحو التفكك والتشرذم والشتات·· فتوالت الأيام، ومع كل فجر جديد تتسع الفجوة، وأهل الخير من الأصدقاء (الذين يسمونهم المحبين والمخلصين يتناقلون الهفوات، ويشيعون العثرات، ويزيدون الطين بلة عن قصد وعن غير قصد···

ولما لم يكن للصلح مطرح··· وبعد مرور الوقت الضائع والكثير· انتهت العدّة الشرعية بمرور الأشهر الثلاثة (القروء الثلاثة) وتحوّلت الطلقة الرجعية إلى طلقة بائنة، لجأت الزوجة المطلقة إلى المحكمة لتثبت الطلاق··· لقد أشاروا عليها أنك ستحصلين على مؤجل مهرك البالغ خمسة ملايين ليرة لبنانية· وسيكون الولدان بحضانتك· وستفرضين عليه نفقة شهرية لهما··· وتكسّرين رأسه··· انك ستنعمين بالمال· ويبقى الولدان معك ليلاً نهاراً···

واستفاقت الزوجة على أحلامها··· فكان لها ما أرادت، حكم لها القاضي بمؤجل المهر البالغ خمسة ملايين ليرة لبنانية، اعطاها حق حضانة ولديها منه وفرض لهما مبلغ مائتي الف ليرة لبنانية··· وعادت هي إلى البيت الذي خرجت منه عروساً تدثر الطرحة البيضاء شعرها، وهي تحمل ولدين··· وعاد هو إلى بيت اهله يلهيه العمل في النهار··· وتقلبه المواجع في الليل، على شريكة تشاركه الفراش، وفلذتي كبد يغمض لهما جفن بعيداً عن ناظريه···

دروس وعبر

انها قصة محزنة حقاً··· وهناك العشرات، بل المئات مثلها في مجتمعنا··· وهي واحدة ليست من نسج الخيال··· بل هي من واقع الحياة··· انها قصة فيها أكثر من عبرة··· وهذه العبر لها بقية في حديث يتصل لاحقاً·· ولكن!!

ولكن ألم يكن الأحرى بالرجل الذي يتقدم للاقتران ببنات الناس ان يكون على قدر المسؤولية· فيؤمن المسكن الشرعي والمكسب المادي الذي يمكنه من الانفاق على زوجته ومن يعول؟

أليس من واجب الزوجة التي رضيت بأن تشاطر أهل زوجها مسكنهم، ان ترضى بما أقدمت عليه· وأن تكمل المشوار الذي بدأت فيه خطواتها الأولى، وان تتحمل العواقب·

مشيناها خطى كتبت علينا

ومن كتبت عليه خطى مشاها

وإذا كانت الآلام قد حلّت بجسم هذه الأسرة· فان من واجب اعضائها ان يصبروا على الألم· وان يعضوا على الجرح· وان يتعاونوا على حلّ المشكلات التي تعترضهم بالحسنى وبالتالي هي احسن· فالشدة لا تدوم، وأن مع العسر يسرا··· والزمان يومان يوم لك ويوم عليك·

وانه اذا كان الطلاق بيد الرجل· فذلك لأنه الأقدر على امتلاك اعصابه·· وهذا لا يعني أبداً انه يستعمل هذا الحق تعسفاً، وفي غير محله، ولا يستغله ليهدم كيان نفسه، ويشدد عائلته، ويجني على الآخرين من حوله···

وكذلك اذا ما اختلف الزوجان·· وافترقا عن طريق الطلاق· فما هو ذنب هذين الطفلين اللذين دفعا الثمن··· ام أن الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون··

وبعد··

هذه التساؤلات تجعلنا نستطرد ونقول··

- من واجب الزوجة ان لا تخرج من بيتها الزوجي عند الخلاف مع زوجها تحت أي ظرف كان·

- لا يضير الرجل الذي غادرت زوجته اثر خلاف معها أن يذهب إلى بيت أهلها ويصالحها··· ألم يكن بالأمس البعيد (لا يتكنس) من بيتهم أيام الخطوبة· وهو اذا ما فعل فذلك لن يجرح كرامته· بل سيعزز مكانته بأنه يحبها· ويجري وراءها··· وهي ستحبُّه أكثر وأكثر··

- ان من واجب اخوة الزوجة واهلها· ان لا يعينوها على خراب بيتها· بل يعيدونها إلى بيت زوجها اذا كان عنيداً ولا يريد ان يتنازل·· فهم لم يزوجوها ليسترجعوها بعد ذلك، وهم اذا ما فعلوا ذلك فلن يستهين صهرهم بكرامتهم· بل سيحسب لهم ألف حساب عند نشوب أي نزاع جديد بينه وبين زوجته···

اما ما يتعلق بالمحكمة فاختم بمقولة مشهورة ينبغي ان تُعلّق يافطة على أبواب المحاكم··· وهي ما يردده القضاة دوماً "صلح خاسر خير من محاكمة عادلة"··

اعداد: الشيخ عباس العرب

يعطيك الف عافيه اخوي ابو عمر
على الموضوع الرائع فعلا
والقصه جميله جدا ومؤثره
==
على القوة يارب
==
تحياتي :
منااااااااوي
اووووووش
ff)