زهد معاذ وكرمه
معاذ بن جبل هو معاذ بن جبل بن عمرو بن عائذ، السيّد الإمام أبو عبد الرّحمن الأنصاري الخزرجي. كنّي بأبي عبد الرّحمن نسبةً لولده عبد الرّحمن. اعتنق معاذ الإسلام وهو ابن ثماني عشرة سنة. بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع من بايعه من الأنصار بيعة العقبة الثانية. آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين عبد الله بن مسعود.
زهد معاذ بن جبل جاء في زهد معاذ بن جبل رضي الله عنه الكثير من الأمثلة؛ حيث كان زاهداً في الدّنيا، وغير معنيٍّ بجمع المال، وكان مسؤولاً في التصّرف بالأموال الّتي تأتيه، فينفقها ويتصدّق بها وهو أحوج النّاس إليها. كان معاذ رضي الله عنه كثير القيام، يصلّي في السحر، ويكثر من الدّعاء في تهجّده، ويرفع صوته بالتّكبير، فقد روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عن عمرو بن ميمون الأودي قال: (قدم علينا معاذ بن جبلٍ اليمن رسول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من السّحر، رافعًا صوته بالتّكبير، أجشّ الصّوت، فألقيت عليه محبّتي فما فارقته، حتّى حثوت عليه التّراب بالشّام ميّتًا رحمه اللّه، ثمّ نظرت إلى أفقه النّاس بعده، فأتيت عبد اللّه بن مسعودٍ، فقال لي: كيف أنت إذا أتت عليكم أمراء يصلّون الصّلاة لغير وقتها ؟ قال: فقلت : ما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال: " صلّ الصّلاة لوقتها ، واجعل ذلك معهم سبحةً"
كرم معاذ بن جبل كان معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه جواداً سمحاً، لا يردّ أحداً سأله شيئاً من الدّنيا وإن كان يكلّفه ذلك من أمره عسراً؛ فهو ليس بالغنيّ الموسر الّذي ينفق من ثروته كالبحر دون أن تنقص؛ بل كان يقترض من النّاس ويعطي السّائلين، حتّى وصل إلى حالةٍ أُثقل فيها من الدّيون ولم يستطع تسديد ما عليه من أموال. لمّا قُبض النبيّ صلّى الله عليه وسلّم واستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه، كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث معاذاً إلى اليمن فاستعمل رضي الله عنه عمر على الموسم فلقي معاذاً بمكّة ومعه رقيق فقال: ما هؤلاء، فقال: هؤلاء أهدوا إلي ، وهؤلاء لأبي بكر، فقال له عمر إنّي أرى لك أن تأبى بهم أبا بكر، قال فلقيه من الغد فقال: يا ابن الخطّاب لقد رأيتني البارحة وأنا أنزو إلى النّار وأنت آخذ بحجرتي وما أراني إلّا مطيعك، قال: فأتى بهم أبو بكر فقال هؤلاء أهدوا لي وهؤلاء لك، قال: فإنّا قد سلّمنا لك هديّتك، فخرج معاذ إلى الصّلاة فإذا هم يصلّون خلفه فقال معاذ: لمن تصلّون، قالوا: لله عزّ وجل ، فقال فأنتم له فأعتقهم.
|