مفهوم الحروب الصليبية من الماضي إلى الحاضر

11مارس 2002
دعا المفكر والمحلل السياسي الأمريكي / د .جيمس رستون / الحكومة الأمريكية لضرورة التحرك في الشرق الأوسط بعيداً عن الكلمات وإرسال السفراء ، وقال إنه لا يهم من يأتي زيني أو غيره لتناول بعض التفاصيل التافهة ، إنما المهم هو الضغط الأمريكي الحقيقي على إسرائيل خاصة فيما يتعلق بوضع الرئيس عرفات ، وأضاف لسنا كلنا أغبياء ، وإننا نحتاج لضغط قوي على إسرائيل ومواجهة الخطر الذي نتعرّض له بطريقة تجعل شارون يغير من أسلوبه .

وألقى الكاتب والإعلامي الأمريكي / جيمس رستون / الباحث المقيم في مكتبة الكونغرس ، محاضرته بعنوان " مفهوم الحروب الصليبية من الماضي إلى الحاضر " في ضوء كتابه الأخير " مقاتلون في سبيل الله : ريتشارد قلب الأسد وصلاح الدين في الحملة الصليبية الثالثة " ، والذي ترجم لعدة لغات وحصل على اهتمام كبير من جانب المسؤولين الأمريكيين في البيت الأبيض وقال عنه الرئيس الأمريكي جورج بوش إنه أحد أشهر 3 كتب قرأها . وألقى الكاتب الضوء فيه على شخصية صلاح الدين الأيوبي ومفهوم الجهاد وأحداث القرن الثاني عشر ، وأعطى من خلاله صورة واضحة عن الإسلام للرأي العام الأمريكي والعالمي .

وانتقد رستون بشدة التغطية الأمريكية الإعلامية لما يجري في فلسطين والشرق الأوسط ، ووصفها بأنها مُشينة ، وقال إن كبير معلقي شبكة الـ cnn يملي سياسته على مراسليه ، مُشيراً إلى أنه شاهد ويعرف حقيقة ما يحدث في الضفة وغزة عبر قناة الجزيرة ، وأضاف أننا في الولايات المتحدة لا نحصل على هذه الصورة الواقعية في إعلامنا ، إلا أن بعض الصحافة الأمريكية تعطي تفاصيل حقيقية عما يدور في فلسطين .

وقال المحاضر إن شخصية صلاح الدين في الكتاب شخصية محورية كبيرة ، وقيمه عظيمة تتضح من خلال الطريقة التي يتعامل بها في الحروب مع الأبرياء والنساء والأطفال ، فهو يُمكن أن ينفجر باكياً عندما يسمع قصة مؤلمة ، ولكن له إرادة حديدية في الحروب وهو موحد العرب ومحرر القدس .

وأكد أن صنع السلام له نفس القدر من الأهمية لصناعة الحرب ، وهو أكثر صعوبة .. وتحدث عن أحداث 11 سبتمبر وقال إن الرئيس بوش كان ماهراً في استعراض القوة الأمريكية والتحدث عن الأنظمة الاستبدادية وإشعال الحماس الوطني في الولايات المتحدة ، ولكنه كان مبالغاً في أسلوبه مما أدى لصعوبات كثيرة حيث واجه أموراً معقدة كون تهديداته كانت أكثر اتساعاً ، وكان محاطاً بناس لديهم خبرة في الحروب فقط ولكن ليس لهم خبرة في صنع السلام ، وليسوا هم الأشخاص الذين يمكن الاعتماد عليهم في مثل هذه المواقف الحساسة وإخراج الولايات المتحدة من ذلك .. والإدارة الأمريكية وقعت في أمر لا تستطيع الخروج منه ، كما وقعت في فلسطين بأمر لا فكاك منه . وهي تحاول كل جهدها ، تعويض إهمالها في محاولة تجنب الكارثة الحقيقية في فلسطين لأن الموقف في أفغانستان استهلكها .. وهناك معارضة بدأت لما يحدث في أفغانستان، وهي معارضة ستزداد وستواجه الإدارة الأمريكية أسئلة محرجة في المستقبل .

نحن نجرب أسلوباً جديداً ، ونحاول اللجوء لما سبق في الحروب الصليبية والخروج من عقدة القدس بطريقة محترمة ، مُشيراً إلى سماح صلاح الدين للمسيحيين بالبقاء في القدس ، وقوله إنها مكان لجميع الأديان ولكنها أكثر قداسة بالنسبة لنا وهي أرض عربية .

وقال الدكتور رستون إنه لسوء الحظ أعلن بوش أنه قائد صليبي ، وكانت هذه الصورة خاطئة بكل تأكيد ، خاصة فيما يتعلق بعلاقة العرب بالولايات المتحدة ، لأنها تخدم هذه الأفكار التي حاول أسامة ابن لادن تمريرها عن الصراع بين المسلمين والكفار ، بين المسلمين والمسيحيين ، بين الشرق والغرب .. بين ابن لادن وبوش شخصياً .. والرئيس بوش عندما يثير كل هذه الذكريات الكبيرة التي تتصل بالحروب الصليبية ، وكذلك محور الشر ، يستثمرها ابن لادن ويسعى لها .

ويزعجنا في الولايات المتحدة أن تتحدث شخصيات عربية مرموقة إيجابياً عن ابن لادن ، وعندما يظهر العرب صلاح الدين كشخصية عظيمة يجب أن يعلموا أن أسامة بن لادن ليس هو صلاح الدين ، وتساءل روستون نريد أن نعرف ما هو تعريف الجهاد لديكم ، هل بإمكان أي شخص مع مجموعة صغيرة إعلان الجهاد والهجوم بشكل مفاجئ وتحطيم المباني وقتل 3000 شخص ؟!، هذا لا يبرره القرآن ، ولا بد لكم من إيضاح أن ذلك لا يمثل الإسلام، ونقل المعلومات بصورة جيدة وعندئذ تتطور العلاقات بين المسلمين والولايات المتحدة والغرب. الجهاد يعني الدفاع ، وأعلن في عهد صلاح الدين لوجود هجوم على القدس ، الجهاد ينبغي أن يعلنه زعيم دولة كحرب من نوع الدفاع وليس العدوان على الآخرين . وكما دعا الإسلام حاربوا أولئك الذين يحاربونكم ولكن لا تبدؤوا بالعدوان ، وصلاح الدين لو كان موجوداً كان بنفسه سيستنكر قتل الأبرياء ولا يمكن أن يفعل شيئاً لتشويه صورة الإسلام وهو يحترم أعداءه .. يجب أن نرفض الربط بين أسامة بن لادن وصلاح الدين ، فمنذ شهر أعلن ابن لادن أنه سيحول جهاده إلى ابنه الذي سماه صلاح الدين ، وسخر روستون من هذه الطريقة في الإرث .

وأكد المفكر الأمريكي أن ما تحتاجه الولايات المتحدة الآن هو العدالة ، وأن الرئيس بوش يحتاج أن يكون أكثر دقة في تعريف مفهوم العدل وما يقتضيه ، وقال إنه لا يُمكن أن يكون هناك صراع لانهائي من أجل تحويل أفغانستان للديمقراطية لأن هذا غير ممكن حالياً أو مستحيل . وتتبع الإرهابيين في كافة أنحاء العالم يبذر الكثير من الأموال الأمريكية ، وهذا يعتبر ككابوس فيتنام .

إذا استطاعت الولايات المتحدة بمسئوليتها التحكم بإسرائيل وأن تلزمها بالتوجه للسلام، فإن هذا لا يُمكن أن يعوق ما يُمكن أن نقوم به في أفغانستان ، وعندئذ يكون هناك حوار بين الحضارات وتعاون بين الأديان .

وعن تفسيره للموقف الأمريكي الذي يرى في النضال الفلسطيني عملاً إرهابياً .. قال إنه يشعر بالعار من موقف الحكومة الأمريكية وإهمالها للموقف الفلسطيني خلال الشهور الستة الماضية ، ويمكن أن نوجه اعتذاراً بسبب انشغالنا بأفغانستان ولكنه اعتذار فارغ ، لأن بوش اهتم بفكرة ضرورة إدخال أو ربط أمريكا بأحداث العالم كله ، وبهذه السخرية لا نبالي بالموقف في فلسطين .. وهذا لا يشكل على الإطلاق رأي الشعب الأمريكي ، فقد ارتفعت الأصوات الأمريكية المعارضة للسياسة الأمريكية حتى وصلت إلى 50% ، ولا يمكن للشعب الأمريكي أن يكون مؤيداً لقصف الشعب الفلسطيني بطائرات وأسلحة صنعتها الولايات المتحدة لإذلاله .

وعن كيفية تغيير صورة العرب والمسلمين في الغرب ، ودور صناعة السينما في ذلك .. دعا المحاضر أولاً لقبول أن انتحاريي 11 سبتمبر جاءوا من المنطقة العربية ، وأن يتم تفهم الموقف الغربي من قبل العرب . وأكد أن مبادرة ولي العهد السعودي كانت نقطة هامة جداً لمواجهة ما نقرأه في الصحافة من سخف عن العالم العربي . وللسينما دور كبير في إيضاح الحقائق وإيصالها للعالم .

وعن السبب في إعجاب اليهود بما جاء في كتابه عن صلاح الدين .. أوضح أنه عندما قام صلاح الدين بتحرير القدس رحب بعودة اليهود إليها والذين كان قد طردهم الصليبيون ، كما أن صلاح الدين أعاد إنشاء الحي اليهودي في القدس واختار من بين موظفيه يهوداً ، وفي هذه النقطة العظيمة حاز على إعجاب اليهود .

وعن التصريحات الأمريكية الأخيرة بتوجيه الأسلحة النووية تجاه دول معينة .. ذكر أن هناك انتقادات كبيرة في الصحافة الأمريكية لذلك ، وقال إن الهجوم النووي يخرج من المكاتب الصغيرة في البنتاغون بتقارير سخيفة من مخيلة بعض الأفراد ، وهو أمر لا يمكن قبوله ، وليس هناك موقف يمكن أن نتصوره باستخدام السلاح النووي .. ولا أعتقد أن العالم العربي يمكن أن يكون عرضة لأي هجوم أمريكي ، وقد يكون ذلك كارثة للولايات المتحدة إذا قامت بذلك ، إنها استراتيجية الكلمات فقط للضغط على العراق حتى يسمح بالتفتيش الدولي ، وإذا ظهر أن لدى العراق أسلحة تدمير شاملة فقد يكون الموقف خطيراً ، لكن فكرة التهديد هذه تبقى غير مقبولة .