فريد القصيد
يقول الشاعر العربي :
لكـنَّ شعـرَ الـعُـرْبِ ديــوانٌ بــه آثارُهـم تسمـو ومعنـىً فائِـضُ
صاروا به بيـن البريـة ساسـةًإذا كلُّهم نحْو المعالي ناهِضُ
الشعر عند جميع الأمم والشعوب هو تصوير ما في المخيلة من فكر وخيال , وما في النفس من شعور
وإحساس في قالب بديع يستسيغه الذوق وترتاح له النفس وتحفظه الذاكرة ويلهج به اللسان, فهو فن كسائر
الفنون يصدر عن العبقرية , ويعتمد على المواهب الفردية , و يمثل أعلى درجات الوعي في الكلام , ولكن
الشعر عند العرب يختلف عنه عند غيرهم فهو فوق كونه تصوير لإحساسات النفس وتصورات المخيلة فهو
رأس الآداب وعنوان البلاغة والأمجاد , وقاموس اللغة وسجل الأيام وتاريخ الآباء والأجداد , فالشِّعر ديوانُ
العرَب , ومُتحَفُهم الناطقُ , وسفر وقائعَ بطولاتهم الصادق , قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن من الشعر
لحكمة وإن من البيان لسحرا ) , وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( تعلموا الشعر فإن فيه محاسن
تُبتَغى , أو مفاسد تُتقى ) , وقال أيضا : ( أفضل ما أُُعطيتْه العرب من الأبيات يقدًمها الرجل أمام حاجته
يُستعطف به الكريم ويستنزل به اللئيم ) , وقال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه : ( يجب على الرجل
تأديب ولده والشعر أعلى مراتب الأدب) , وقال ابن عباس : ( إذا أعْيَتْكُم العربيةُ في القرآن فالتمسوها في
الشعر فإنه ديوان العرب ) , وقال عمرو بن العلاء : (كان الشاعر في الجاهلية يُقَدَّم على الخطيب لفرط
حاجتهم إلى الشعر الذي يقيِّد مآثرهم ويفخِّم شأنهم ) , ويقول الزبير بن بكار : سمعت العمريَّ يقول : ( رووا
أولادكم الشعر, فإنه يحل عقدة اللسان ، ويشجِّع قلبَ الجبان ، ويُطلق يدَ البخيل ، ويحضُّ على الخلق الجميل )
, ويقول الشيخ عبد الله بن عيسى الموري : ( لولا الشعر العربيُّ لما عُرِفت الآدابُ العربيةُ ولما شُهِرت
القبائلُ وأخبارُها في مخالفاتِها وتناقضاتِها وفي تحاربِها وتسالُمِها , ولولا الشعر لما عُرِفت الجغرافيا
العربيةُ , ومواقعُ الصحراء ومرابعُها وواحاتُها , وجبالُها ووديانُها , فإن كل ذلك مدوَّن في أشعار الشعراء
مخلَّد فيها , ولولا الشعر لما اغْتنتْ خزانةُ العلوم العربية بكل ما تحفل به الآن من مواضيع البلاغة والبيان
والنحو واللغة , فضلاً عن مواضيع العلوم الإسلامية , فالشعر وروايته وتعاطيه شأن النُّخبة من الرجال
والعلماء ، وتعلُّمه وإتقانُه والاستشهاد به من متطلبات ولوازم الطلب للعلوم الأخرى من فقْه وتفسير وحديث
ونحو وبلاغة , وأغراض الشعر في العربية تكاد تدخل في كل شأن من شؤون الحياة العربية , الشِّعر يلهج
بالحقيقة واقعاً * مُرَّاً وحلواً بالمعاني فائض , الشِّعر ديوانُ الحياة ورسْمُها * يحكي صداها بالمعاني
نابِضُ ) , ولا يخفى على ذوي البصر أن أشعار العرب هي مجامعُ الاحتجاجات بفصاحة الكلام ودلالته
وحسْن تركيبه, ويكمن تأثير الشعر بقوة نفوذه في جميع المستويات والأصْعِدة , إذ أنه يخاطَب به الفردُ
والجماهير , والملك والأمير , والكبير والصغير ، والغني والفقير ، والكريم والبخيل ، والقريب
والبعيد , وبالتالي فإن له تأثيراً في القِيَم والمبادئ ، وفي الأُمم والحضارات ، وفي الأفكار والتوجُّهات ،
وفي الأخلاق والسلوكيات ، وشحْذِ الهمم والمدارك والتطلُّعات ، وبما أن الشعر ملكة عند العربي ، وجبلة
مستحكمة ويتشبث به وينزع إليه ، مادام يجد إلى النطق سبيلا ، فإذا لم يتسن له أن يقول الشعر فصيحا
سليما مستقيما قاله بلغته التي تواتيه وبلهجته التي تسعفه ، فكان أن وجدالشعر الشعبي الذي له - كما يقول
العلامة عبد الله بن خميس - من النفوذ الطبيعي على كافة الطبقات والسمة المعروفة لدى جميع الأوساط,
وأثناء تواجدي محررا للأدب الشعبي ( سحر البيان ) في جريدة الهدف و( بستان البيان ) في جريدة الوسط
من مطلع مايو عام 2004م إلى نهاية ديسمبر عام 2008م ومن خلال نافذة (
فريد القصيد ) المخصصة لنوادر الأشعار
وفرائد الأفكار فقد تميز الشاعر السعودي الموهوب محمد لقفص العمري
الذي طرق في شعره جميع أغراض الشعر وشتى بحوره المتعددة, وعرف بقوة المفردةوالتفرد بالفكرة
وحسن التصوير وجودة التعبير مما دفع العبد الفقير لعفو ربه– كاتب هذه السطور– إلى إطلاق لقب
( فريد القصيد ) عليه لكثرة مساهماته من خلال النافذة وفاعليتها , واللقب اسم يطلق على
الإنسان من باب تأصيل قيمة معنوية تحظى بالتقدير , وتقول العرب في أمثالها : ( الجار أحق بصقبه ,
والمرء أحق بلقبه ) ,و تفيض معاجم الأعلام والموسوعات ومصنفات الأسماء، بالإضافة إلى كتب التاريخ
والسير بآلاف الألقاب والكنى .
يا طارق ٍ في منهجك روح الإبداع = ومتميـز ٍ فــي كــل فـكـرة ومـوضـوع
فــرايـــد الأشــعـــار تــأتــيــك خـــضّـــاع = وحتـى النـوادر والـشـوارد تـجـي طــوع
يا محمد العمري ترى اللقب لك طاع = فـريـد معـنـى فــي قصـيـدك ومـطـبـوع
عبد العزيز الفدغوش
الأحد , 5 ديسمبر2010
|