احترام الكبير خلق إسلامي
احترام الكبير يعدّ احترام الكبير من القيم المهمة التي تحفظ حياة المجتمعات، وتجعلها أكثر نظاماً وقوّةً؛ لذلك حثّ الإسلام في تربية الصغار على احترام الكبار وتقديرهم، ويُعرّف التّوقير في الإسلام بأنّه الاحترام والإجلال لمن هم أكبر سنّاً، وتوقير الكبير لا يقتصر على كبير السنّ فقط، وإنما يشمل كبير السن ذي المنزلة الأدنى، وكبير المنزلة والمكانة حتى لو كان صغيراً في السن، سواء أكانت تلك منزلة دينيّة أو علميّة أو منزلةً عشائرية استحقّها بحكمته وفطنته.
احترام الكبير خلق إسلامي حثَّ الإسلام على حُسن معاملة الكبير والاهتمام به من خلال احترامه وتوقيره وتقديمه في الكثير من الأمور والأعمال، ومن ذلك ما جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عنه الترمذي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (ليس منا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صغيرنا ويوَقِّرْ كبيرنا ويأمُرْ بالمعروفِ وينْهَ عنِ المنكَرِ)،[٥] ويظهر ذلك التوقير والاحترام في العديد من الجوانب العملية والممارسات الحقيقية في حياة الفرد المسلم، وقد دعا الإسلام من خلال النصوص الصحيحة في الحديث النبوي أو من خلال الحث العملي على احترام الكبير وتوقيره وطبَّق ذلك في عدة مجالات من أمور الحياة، أبرزها ما يلي:[٦]
الابتداء بالكبير وتقديمه بالأمور كلها
حرص الإسلام على تقديم الكبير في كل شيء؛ كالتحدُّث في المجالس، والأمر، والطلب، والبدء بالطعام، والجلوس، وغير ذلك من الأعمال، ويظهر ذلك الخلق في الإسلام من خلال حثِّ المسلمين على تقديم الكبير على الصغير في صلاة الجماعة، وهي الشيء الذي لا ينبغي على أحدٍ تقديم أحدٍ فيه لما فيها من الأجر والمثوبة، ومع ذلك فقد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تقديم الكبير فيها في الصف، فدعا إلى أن يليه مباشرةً كبار المنزلة والكبار في العقول وأهل الحكمة من الناس الذين هم في العادة كبار القوم وسادته من حيث المكانة والمنزلة العلمية والعُمريّة؛ حيث روى مسلم عن أبي مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يمسح مَنا كِبَنا في الصلاةِ ويقولُ: استووا ولا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكم، ليلني منكم أولو الأحلامِ والنهى، ثم الذين يلونَهم ثم الذين يلونَهم. قال أبو مسعودٍ: فأنتم اليوم أشدَّ اختلافاً).[٧]
التحذير من استخفاف الصغير بالكبير
روى المنذري وغيره عن أبي أمامة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (ثلاثٌ لا يستخفُّ بِهِم إلَّا مُنافقٌ: ذو الشَّيبةِ في الإسلامِ وذو العلمِ وإمامٌ مُقسطٌ)،[٨] ويكون الاستخفاف بالكبير من خلال القيام بالعديد من الأمور التي يكون فيها تقليل من شأنه ولو حتى بالنظر، أو أن يهزأ به الصغير ويسخر منه، أو ألّا يعطيه قدره إذا حضر من المجلس فلا يقف له، أو أن يوجّه له كلاماً سيئاً يسيء إلى قدره وعمره، أو أن يسيء الأدب في حضرته بالقول أو الفعل، أو أن يرفع صوته بحضرته أو في وجهه.
الحياء من الكبير والتخلُّق بالحياء
بحضرته ووجوده الحياء خلقٌ يدعو إلى ترك كل ما هو قبيحٌ سيء يجب على المسلم أن يتحلى به في جميع أوقاته وخصوصاً بحضرة الكبار في العمر أو القدر؛ إذ إنّ ذلك يمنع الصغير من التقصير في حقوق الكبير ويدفعه إلى احترامه وتوقيره، فقد قال النبي -عليه الصّلاة والسّلام: (الإيمانُ بِضعٌ وستونَ شُعبةً، والحَياءُ شُعبةٌ منَ الإيمانِ)،[٩] فالحياء لا يمكن أن يأتي إلا بخير سواء كان ذلك بوجود الكبير أو بغيابه، لكنه في وجوده أبلغ وأظهر، وقد روى أبو سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- قال: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشدَّ حَياءً منَ العَذراءِ في خِدرِها، فإذا رأى شيئًا يَكرَهُه عرَفناه في وجهِه)،[١٠] وروى الشيخان البخاري ومسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنّه قال: (لقد كنتُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غلامًا، فكنتُ أحفظُ عنه، فما يمنعني من القولِ إلا أنَّ ههنا رجالًا هم أَسَنُّ مِنِّي).[١١]
|