الموضوع: جوع القلب
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 10-30-2016, 10:19 PM
مشرفة الأسرة والمجتمع
عــذبــة الـــروح غير متصل
    Female
لوني المفضل Darkblue
 رقم العضوية : 21269
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5146 يوم
 أخر زيارة : 08-28-2021 (01:07 AM)
 المشاركات : 38,862 [ + ]
 التقييم : 68
 معدل التقييم : عــذبــة الـــروح will become famous soon enough
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي جوع القلب




إذا ذُكر الجوعُ فلا يكاد ينصرف الذهنُ إلا للجوع المعروف .. لكن ثمة نوعٌ مِن الجوع أشارت له النصوصُ النبوية، والآثارُ المنقولة عن السلف رحمهم الله، تكشف مظهراً من مظاهر عنايتهم بسدّ هذا النوع من الجوع، الذي ابتُلي به أكثرُ الخلق، لكنهم لا يشعرون به! لفقدِ أو ضعفِ الداعي لهذا الشعور؛ وهو: حياة القلب، واستنارته بنور الوحي.

ويلفتُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم النظرَ إلى هذه الحقيقة بأسلوب آخر، حين أوصى تاجراً من تجار المسلمين ـ وهو حكيم بن حزام ـ فيقول له: «يا حكيم! إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى»()، إنه تحذيرٌ غير مباشر من الوصول إلى تلك الحال التي تعوّذ منها صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق، ألا وهي: ظهور أعراضِ هذا الجوع القلبي بالاستشراف والتطلُّع للمال، فهو جوعٌ دائمٌ "يأكل ولا يشبع"!



ومن تأمل هذه الحال؛ عرف ورأى أعراضَ هذا الجوع على أحوالِ كثيرٍ من الناس الذين أقْفرت قلوبُهم من كنز "القناعة"، وتعطَّلت عندهم حاسةُ ذوقِ لذة "الكفاف"، فتلاشت أو أوشكت أن تتلاشى من حياتهم جماليةُ صورة "الفلاح"، تلك الثلاثُ التي جمعها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه اللهُ بما آتاه.

وثمة جوعٌ لا يُشبهه جوعٌ، ألا وهو: جوعُ القلب من لذة القرآن، وتدبُّر آياته، والعيش معه، والأنس بمناجاة الله بكلامه، والتلذذ بخطابه جل جلاله، وإلى هذا المعنى يُشير الخليفةُ الراشد أميرُ المؤمنين عثمان رضي الله عنه بقوله: "لو صحّت قلوبُكم ما شبعتم من كلام الله"!() فلنتأمل هذه الكلمة، ثم لنفتِّش عن مساحة الجوعِ التي تحتل قلوبَنا! ولنفكر في السبب الذي لأجله لا يستطيع الواحدُ منّا أن يُمسك المصحفَ سويعةً من زمن، أو يبقى معه وقتاً يليق به! أو يشعر بالمجاهدة العظيمة ـ وكأنه يحمل أثقالاً ـ إذا ابتدأ بتلاوته! إنه مرضٌ أصابَ القلبَ واعتلّ معه اعتلالاً جعله يشعر بالشبع من أول وجه يقرؤه، ولا يشعر بالجوع والألم عندما يفوته حزبُه منه!



وفي الجملة.. فإن جوع القلوب حالٌ تَعرِض لكل أحد، لكن الشأن بالشعور بهذا الجوع والألم، الذي يدفع لسدِّ جوعتِه، كما يحرص الإنسانُ على سدِّ جوعة البدن.
ومتى ما شعرنا بالجوع، فتلك بدايةُ التصحيح، فمَن جاع بحث عما يسدُّ جوعتَه، ومَن لم يشعر فليبحث عن قلبه، وليتذكر أن القلبَ فيه شعثٌ "لا يلمّه إلا الإقبالُ على الله، وفيه وِحشة، لا يزيلها إلا الأنسُ به في خلوته، وفيه حزنٌ لا يُذهبه إلا السرورُ بمعرفته وصِدْق معاملته، وفيه قلقٌ لا يُسكّنه إلا الاجتماعُ عليه، والفرارُ منه إليه، وفيه فاقةٌ لا يَسدُّها إلا محبتُه، والإنابةُ إليه، ودوامُ ذِكره، وصدقُ الإخلاص له، ولو أُعطي الدنيا وما فيها لم تُسَد تلك الفاقةُ منه أبداً"




 توقيع : عــذبــة الـــروح


رد مع اقتباس