عرض مشاركة واحدة
قديم 02-08-2013, 11:51 AM   #60
عضو قدير وصاحب مكانة بالمنتدى


الصورة الرمزية ابو زياااد2009
ابو زياااد2009 غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 15595
 تاريخ التسجيل :  Dec 2008
 أخر زيارة : 08-18-2015 (09:07 PM)
 المشاركات : 21,423 [ + ]
 التقييم :  132
 الدولهـ
Qatar
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Maroon
افتراضي





الإمام الطبري رحمه الله




اسمه ومولده






هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير
بن غالب الطبري رحمه الله تعالى، يُكنى بـأبي جعفر،


وعُرف بذلك،
واتفق المؤرخون على أنه لم يكن له ولد يسمى بـجعفر،
بل إنه لم يتزوج أصلاً، ولكنه تكنَّى التزامًا بآداب الشرع الحنيف، فقد كان النبي يُطلِق الكُنَى على أصحابه.


وُلِد سنة 224هـ/ 839م،
وكانت ولادته بآمُل عاصمة إقليم طبرستان.
قال الخطيب البغدادي: "استوطن الطبري بغداد،
وأقام بها إلى حين وفاته".






طفولته وتربيته




نشأ الطبري بآمل، وتربى في أحضان والده وغمره برعايته،
وتفرس فيه النباهة والذكاء والرغبة في العلم فتولى العناية به
ووجَّهه منذ الطفولة إلى حفظ القرآن الكريم،
كما هي عادة المسلمين في مناهج التربية الإسلامية،
وخاصةً أن والده رأى رؤيا تفاءل بها خيرًا عند تأويلها.


فقد رأى أبوه رؤيا في منامه أن ابنه واقف بين يدي الرسول
ومعه مخلاة مملوءة بالأحجار، وهو يرمي بين يدي رسول الله ،
وقصَّ الأب على مُعَبِّرٍ رؤياه فقال له:
"إن ابنك إن كبر نصح في دينه، وذبَّ عن شريعة ربه".


ويظهر أن الوالد أخبر ولده بهذه الرؤيا وقصها عليه عدة مرات؛
فكانت حافزًا له على طلب العلم والجد والاجتهاد فيه
والاستزادة من معينه، والانكباب على تحصيله ثم العمل به،
والتأليف فيه؛ ليدافع عن الحق والدين.


وظهرت على الطبري في طفولته سمات النبوغ الفكري،
وبدت عليه مخايل التفتح الحاد والذكاء الخارق والعقل المتقد،
والملكات الممتازة، وأدرك والده ذلك فعمل على تنميتها
وحرص على الإفادة والاستفادة منها؛ فوجَّهه إلى العلماء
ومعاهد الدراسة، وساعده على استغلال كل هذه الطاقات
دون أن يشغله بشيء من شئون الحياة ومطالبها،
وخصص له المال للإنفاق على العلم والتعلم،
وسرعان ما حقق الطبري أحلام والده، وزاد له
في آماله وطموحه.


وقد حرص والده على إعانته على طلب العلم منذ صباه،
ودفعه إلى تحصيله، فما كاد الصبي الصغير يبلغ السن
التي تؤهله للتعليم، حتى قدمه والده إلى علماء آمل،
وشاهدته دروب المدينة ذاهبًا آيبًا يتأبط دواته وقرطاسه.


وسرعان ما تفتح عقله، وبدت عليه مخايل النبوغ والاجتهاد،
حتى قال عن نفسه:

"
حفظت القرآن ولي سبع سنين، وصليت بالناس وأنا ابن
ثماني سنين، وكتبت الحديث وأنا في التاسعة
".






ملامح شخصيته وأخلاقه




تمتع الإمام الطبري رحمه الله بمواهب فطرية متميزة،
جبله الله عليها، وتفضل عليه بها، كما حفلت حياته
بمجموعة من الصفات الحميدة، والأخلاق الفاضلة،
والسيرة المشرفة؛ ومن هذه الصفات:


1- نبوغ الطبري وذكاؤه:


إن كثيرًا من صفات الإنسان تكون هبة من الله ،
وعطاءً مباركًا من الخالق البارئ، ولا دخل للإنسان فيها،
والله يختص برحمته من يشاء، ويفضل بعض الناس على
بعض، ويرزق المواهب الخاصة لمن يشاء من عباده.


وكان الطبري -رحمه الله- موهوب الغرائز،
وقد حباه الله بذكاء خارق، وعقل متقد، وذهن حاد،
وحافظة نادرة، وهذا ما لاحظه فيه والده، فحرص على
توجيهه إلى طلب العلم وهو صبي صغير، وخصص له موارد
أرضه لينفقها على دراسته وسفره وتفرغه للعلم.
ومما يدل على هذا الذكاء أنه رحمه الله حفظ القرآن الكريم
وهو ابن سبع سنين، وصلى بالناس وهو ابن ثماني سنين،
وكتب الحديث وهو ابن تسع سنين.


2- حفظ الطبري:


كان الطبري رحمه الله يتمتع بحافظة نادرة،
ويجمع عدة علوم، ويحفظ موضوعاتها وأدلتها وشواهدها،
وإن كُتُبه التي وصلتنا لأكبر دليل على ذلك،

حتى قال عنه أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن المفلس:
"
والله إني لأظن أبا جعفر الطبري قد نسي مما حفظ
إلى أن مات ما حفظه فلان طول عمره"
.


3- ورع الطبري وزهده:


وهاتان الصفتان من فضائل الأخلاق،
ومن أشد الصفات التي يجب أن يتحلى بها العالم والداعية،
والمربِّي والإمام، وكان الطبري رحمه الله على جانبٍ كبير
من الورع والزهد والحذر من الحرام، والبُعد عن مواطن الشُّبَه،
واجتناب محارم الله تعالى، والخوف منه، والاقتصار في
المعيشة على ما يَرِدُهُ من ريع أرضه وبستانه
الذي خلَّفه له والده.


قال عنه ابن كثير:
"
وكان من العبادة والزهادة والورع والقيام في
الحق لا تأخذه في ذلك لومة لائم،...
وكان من كبار الصالحين
"


وكان الطبري رحمه الله زاهدًا في الدنيا،
غير مكترث بمتاعها ومفاتنها، وكان يكتفي بقليل
القليل أثناء طلبه للعلم، وبما يقوم به أوده،
ويمتنع عن قبول عطايا الملوك والحكام والأمراء.


4- عفة الطبري وإباؤه:


وكان الطبري رحمه الله عفيف اللسان،
يحفظه عن كل إيذاء؛ لأن فعل اللسان قد يتجاوز في
بعض الأحيان السنان، ولأن جرح السيف قد يُشفى ويبرأ،
ولكن هيهات أن يُشفى جرح اللسان. وكان الطبري متوقفًا
عن الأخلاق التي لا تليق بأهل العلم ولا يؤثرها إلى أن مات،
ولما كان يناظر مرة داود بن علي الظاهري في مسألة،
فوقف الكلام على داود، فشق ذلك على أصحابه،
فقام رجل منهم، وتكلم بكلمة مَضَّة وموجعة لأبي جعفر،
فأعرض عنه، ولم يرد عليه، وترفَّع عن جوابه،
وقام من المجلس، وصنَّف كتابًا في هذه المسألة والمناظرة.

وكان الطبري عفيف النفس أكثر من ذلك،
فهو مع زهده لا يسأل أحدًا، مهما ضاقت به النوائب،
ويعفُّ عن أموال الناس، ويترفع عن العطايا.


5- تواضع الطبري وعفوه:


كان الطبري شديد التواضع لأصحابه وزواره وطلابه،
دون أن يتكبر بمكانته، أو يتعالى بعلمه،
أو يتعاظم على غيره، فكان يُدعى إلى الدعوة فيمضي إليها،
ويُسأل في الوليمة فيجيب إليها.


وكان رحمه الله لا يحمل الحقد والضغينة لأحد،
وله نفس راضية، يتجاوز عمن أخطأ في حقه،
ويعفو عمن أساء إليه.


وكان محمد بن داود الظاهري قد اتهم الطبري بالأباطيل،
وشنَّع عليه، وأخذ بالرد عليه؛ لأن الطبري ناظر والده،
وفنَّد حججه، وردَّ آراءه، فلما التقى الطبري مع محمد بن داود
تجاوز عن كل ذلك، وأثنى على علم أبيه،
حتى وقف الولد عن تجاوز الحد، وإشاعة التهم
على الطبري.


ومع كل هذا التواضع، وسماحة النفس، والعفو والصفح،
كان الطبري لا يسكت على باطل، ولا يمالئ في حق،
ولا يساوم في عقيدة أو مبدأ؛ فكان يقول الحق،
ولا تأخذه في الله لومة لائم، ثابت الجنان، شجاع القلب،
جريئًا في إعلان الصواب مهما لحق به من أذى الجهال،
ومضايقة الحساد، وتخرصات الحاقدين.







 

رد مع اقتباس